لم يمر أكثر من أسبوع على الهدنة التي توصلت إليها بريطانيا والاتحاد الأوروبي في "حرب النقانق"، حتى استؤنفت الأعمال العدائية من جديد بخصوص بروتوكول إيرلندا الشمالية، الذي أدى إلى إقامة حدود تجارية في البحر الإيرلندي (بين المملكة المتحدة وإيرلندا الشمالية).
وكانت بروكسل تأمل أن الجانبين سيعملان على التوصل إلى تسوية نهائية للأزمة خلال فترة السماح التي تبلغ 3 أشهر، وسيسمح خلالها ببيع اللحوم المجمدة المستوردة من بريطانيا في مخازن إيرلندا الشمالية حتى 30 سبتمبر (أيلول).
غير أن ديفيد فروست، وهو وزير شؤون الـ"بريكست"، قد أطلق جولة أخرى مما يمكن تسميته "دبلوماسية مكبرات الصوت" حين رفع عقيرته محذراً الاتحاد الأوروبي من أن الحكومة البريطانية ستحدد في البرلمان نهجاً جديداً للتعامل مع الأزمة، وذلك قبل بدء العطلة الصيفية في 22 يوليو (تموز). وإذ نفى أن تكون غايته من التحذير فرض موعد نهائي، إلا أنه من الناحية العملية أصدر إنذاراً نهائياً مفاده أنه إن لم يقدم الاتحاد الأوروبي تنازلات تلبي رغبة المملكة المتحدة في غضون أسبوعين، فإن بوريس جونسون قد يذهب إلى الخيار "النووي" الذي يتمثل في الاستعانة بالمادة 16 لتجميد بعض الأجزاء التي ينص عليها البروتوكول.
لقد ظن مسؤولو الاتحاد الأوروبي أن التهديدات قد انتهت إلى غير رجعة وأن آخرها كان على شكل طلب - وليس إعلاناً - تقدم به اللورد فروست، حول توقف ثلاثة أشهر في حظر تصدير اللحوم المجمدة إلى إيرلندا الشمالية. ولا شك أنهم سيشعرون الآن بالهلع بسبب هذا التطور الذي سيرون فيه محاولة جديدة من جانب المملكة المتحدة لنسف البروتوكول، وسيتساءلون مرة أخرى عما إذا كان بإمكانهم أن يثقوا ببوريس جونسون. من جانبه، قال كير ستارمر (زعيم المعارضة العمالية في البرلمان) خلال زيارة قام بها إلى إيرلندا الشمالية، إن الاجتماعات التي أجراها هناك قد كشفت عن "عدم وجود ثقة برئيس الوزراء كوسيط نزيه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يشار إلى أن كل ما يصدر عن جونسون من تصريحات يلح فيها على أن البروتوكول يلحق الضرر باقتصاد إيرلندا الشمالية وبمجتمعها أيضاً، يبدو للاتحاد الأوروبي أنه بمثابة الإعلان عن نية رئيس الوزراء التراجع عن اتفاقية انسحاب وقعها بنفسه، وأجرى المفاوضات بشأنها اللورد فروست.
وستعزز آخر الخطوات التي اتخذتها الحكومة الانطباع بأن جونسون كان يدرك منذ البداية أنه سيحتاج إلى إعادة فتح البحر الإيرلندي أمام التجارة لأن إقامة حدود هناك (بين إيرلندا الشمالية وبقية أراضي المملكة المتحدة) لن تكون مقبولة سياسياً، غير أنه اضطر إلى الإقرار بهذه الحدود في 2019 حتى يكسر الجمود في البرلمان الذي كان أولوية بالنسبة له في ذلك الوقت.
إلا أن تحذيرات اللورد فروست لن تدفع بروكسل على الأرجح إلى تقديم تنازلات مهمة ما لم توافق المملكة المتحدة مؤقتاً على التزام قواعد الاتحاد الأوروبي في شأن الأغذية الزراعية، وهو أمر استبعدته الحكومة البريطانية سلفاً. وتفيد مصادر الاتحاد الأوروبي بأن الإجراء الذي يقترحه، يحظى بدعم واسع في إيرلندا الشمالية، وتجادل بأن على الطرفين أن يبديا بعض المرونة.
أصر اللورد فروست أن الحكومة كانت تفضل "النهج التوافقي" للتعامل مع الأزمة، معتبراً أن هذا هو "الإجراء المطلوب اتخاذه، والذي ينم عن القدرة على تحمل المسؤولية"، غير أن هناك دلائل تفيد بأن جونسون قد خطط سلفاً لمواجهة مع الاتحاد الأوروبي خلال فصل الصيف. فعلى سبيل المثال، قال إدوين بوتس الذي تزعم "الحزب الوحدوي الديمقراطي" لثلاثة أسابيع، أمام أعضاء حزبه، إن حكومة المملكة المتحدة قد وعدت بـ"فوز كبير" في شأن البروتوكول، وأن ربما سيتحقق ذلك في يوليو (تموز).
على الرغم أن كبير المفاوضين ديفيد فروست لوح بـ"جزرة" علاقات أكثر انسجاماً بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي إذا حُل الخلاف حول إيرلندا الشمالية، يبدو أن الأمور قد تتجه نحو الأسوأ، قبل أن تشهد بعض التحسن.
© The Independent