تسعى عُمان في إطار الجهود الدولية المتنامية الرامية لحلحلة الملف اليمني، إلى وضع حد لأسوأ أزمة إنسانية في العالم، انطلاقاً من امتلاكها علاقة جيدة مع جميع الأطراف الضالعة أو المؤثرة في معترك الأحداث داخل البلد المنهك، ومن بينها المتمردون الحوثيون الذين شنوا انقلاباً دموياً أدخل البلاد في حرب ضروس لا يعلم لها منتهى.
وعلاوة على استضافة مسقط وفد الحوثيين بشكل دائم وكونها منطقة التقاء دولي معهم، فهي تتمتع بعلاقات جيدة مع طهران الداعم الرئيس للمتمردين الحوثيين، التي لا تخفي دعمها لهم رغم رفضها الاتهامات التي تطالها بتزويدهم بالسلاح، مما يعزز فرص اضطلاع إدارة هيثم بن طارق الجديدة بدور وسيط حيوي مؤثر، يملك كل أدوات الضغط وتقريب ما باعدته آلة الحرب الدامية في البلد الذي تحوّل ثلثا سكانه إلى جياع، ينتظرون ما تجود به منظمات الإغاثة الدولية.
وسيط مقبول
ويهتم المجتمع الدولي بالدبلوماسية العمانية للعب دور الوسيط في الملف اليمني، بعد تزايد الضغوط الدولية نحو إسكات آلة الحرب، وهو ما يفسر تصريحات واشنطن المتواترة بالتعويل على دور مسقط في إيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية"، ولهذا لم يكن مفاجئاً ذلك الحراك الدولي الدؤوب الذي شهدته مسقط، واستقبالها جملة من الاجتماعات التي عقدت لهذا الغرض ضمّت مسؤولين أميركيين وسعوديين وأمميين وأوروبيين ويمنيين.
وعلى الرغم من أن "الوسطية" التي تنتهجها مسقط في سياستها الدبلوماسية وعلاقتها بطهران والحوثيين، وما يحيط بهذه العلاقة من محاذير وتعقيدات، فضلاً عما تجلبه من اللوم أو سوء الفهم لدى الشعب اليمني وحكومته الشرعية، إلا أن عُمان دائماً ما تؤكد على لسان مسؤوليها مساعيها إلى الإسهام في إنهاء الحرب وتقريب وجهات نظر الفرقاء.
وضمن هذا الجهد الدولي الذي وصفه المبعوث الأممي السابق إلى اليمن مارتن غريفيث بأنه يأتي في ظل "حماسة دولية غير مسبوقة لوقف الحرب في اليمن"، وصل في الخامس من يونيو (حزيران) الماضي وفد سلطاني إلى صنعاء للالتقاء بزعيم الميليشيات عبدالملك الحوثي، في زيارة امتدت نحو أسبوع، بغية إقناع الجماعة بالاستجابة لنداءات السلام، ووضع حد لمأساة الشعب اليمني.
لكن على الرغم من الاحترام الذي تحظى به لدى الجميع، لم تلق الجهود العمانية قبولاً حوثياً بالمستوى الكافي، عقب تواتر أنباء متطابقة تحدثت عن رفض طهران الإيعاز لذراعها بالتهدئة ووقف الهجمات المستميتة نحو مأرب، معقل الشرعية الأعتى، وكذا هجماتها الصاروخية على الأعيان المدنية السعودية، وإصرارها على ربط الملف اليمني بملفها النووي الذي تخوض من أجله صراعاً دبلوماسياً مع الولايات المتحدة والعالم، واستخدامه وفقاً لمراقبين كورقة ابتزاز ضاغطة.
ولا يمكن بأي حال التقليل من انعكاسات زيارة السلطان هيثم بن طارق الأولى له خارجياً، ولقائه العاهل السعودي في مدينة نيوم، على الملف اليمني المعقد، عقب سنوات من الجمود في علاقة البلدين الخليجيين اللذين يلتقيان مع جارتهما اليمن في حدود برية ومائية مشتركة.
ولهذا كان من الطبيعي أن يحتل هذا الملف الشائك حضوراً بارزاً في محادثات الزعيمين على الرغم من الطابع الاقتصادي للزيارة.
تطابق الرؤى
الانطلاق في العلاقة الجديدة تطلبت إثارة الملفات المعقدة، اليمن على رأسها، فالبيان الختامي المشترك وضع الموقف العماني الواضح والصريح متطابقاً مع الموقف السعودي على إيجاد حل سلمي للأزمة اليمنية القائم على المرجعيات الثلاث، وهو ما عبّر عنه بيان قمة نيوم، إذ أكد الجانبان تطابق وجهات نظرهما حول مواصلة جهودهما لإيجاد حل سياسي شامل للأزمة اليمنية، قائم على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية 2011 ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل 2013 وقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216) والمبادرة السعودية لإنهاء الأزمة اليمنية، ورفع المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني الشقيق.
وفي إشارة سياسية أخرى تشير إلى طبيعة أهداف الزيارة، أكد البلدان "أهمية التعاون والتعامل بشكل جدي وفعال مع الملف النووي والصاروخي الإيراني بكل مكوناته وتداعياته، وبما يُسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وتأكيد مبادئ حسن الجوار واحترام القرارات الأممية والشرعية الدولية، وتجنيب المنطقة كل الأنشطة المزعزعة للاستقرار"، وهو ما اعتبره مراقبون بأنه مهمة عُمانية ستضطلع بها السلطنة خلال الفترة المقبلة مع إيران التي تربطها بها علاقات ود كبيرة.
كما توقع مراقبون أن ما بعد البيان إزاء الملف اليمني سيكون على طريق وقف الحرب والدخول في مشاورات سياسية تفضي إلى حل سياسي شامل.
ويقول رئيس تحرير صحيفة "الحدث" الإلكترونية العمانية عادل العبري، إن زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى السعودية "ستحدث قفزة بين البلدين على المستويين الاقتصادي والسياسي، وتنسيق بشكل مكثف في مختلف القضايا الإقليمية، وأبرزها الملف اليمني".
ويضيف، "كان حضور الملف اليمني لافتاً في محادثات القمة كما جاء على لسان وزير الخارجية العماني الذي أكد أن هناك مساعي عمانية إلى التوفيق بين الأطراف اليمنية، وداعمة لجهود المبعوثين الدولي والأميركي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن تأثيرات التنسيق العماني - السعودي الذي أعلن حلحلة المشكلة اليمنية، يوضح العبري أن "السلطنة تتميز دائماً بقدرتها على إسهامها الفاعل نحو حل السياسات المعقدة كما هو الحال في اليمن، وعُمان تعد طرفاً مؤثراً في القضية اليمنية بحكم التداخل الاجتماعي وصلاة القربى والجوار".
ويخلص إلى أن "التنسيق العماني - السعودي سيكون له دور مباشر ومؤثر في القضية اليمنية نحو الحل السياسي، إذ تعد السلطنة طرفاً مقبولاً من جميع الأطراف اليمنية لبقائها على مسافة واحدة من الجميع".
اتفاق الرياض
ويشير الكاتب العماني العبري إلى "جهود القيادة العمانية في ترسيخ دعائم السلام لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، ولهذا ستبذل دعمها اللامحدود للجهود المبذولة تجاه اليمن، داعمة المبادرة السعودية وتقديم كل ما يمكن حتى يجري التوصل إلى تفاهم دائم وشامل يؤمن لليمنيين أمنهم واستقرارهم، ويمكنهم من التعايش معاً، ويتمكنوا من بناء بلدهم والتعايش الآمن، وهو ما سينعكس على دول الجوار في المنطقة كلها".
وفي الـ 22 من مارس (آذار) الماضي، قدمت السعودية مبادرة لإنهاء الحرب في اليمن حظيت بترحيب الحكومة الشرعية والمجتمع الدولي اللذين اعتبراها خطوة موضوعية نحو إنهاء الحرب، مطالبين الحوثي بالتعامل معها بإيجابية، لكنه أعلن رفضه لها كونها "لم تأت بجديد".
في قلب المصلحة اليمنية
ومنذ تولي السلطان هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد مقاليد الحكم في 11 يناير (كانون الثاني) 2020 خلفاً لابن عمه السلطان قابوس بن سعيد وطبقاً لوصيته، شهدت العلاقات السعودية - العمانية ما يمكن تسميته تنشيطاً لعلاقة شابها برود ملحوظ، نظراً إلى تباينات سياسية عدة، أنتج تفعيلاً لجوانب التنسيق المشترك كمؤشر واضح على رغبة البلدين في المضي قدماً نحو مزيد من التواصل خدمة لمصالح البلدين الجارين.
ومثلما توج هذا التقارب بشق الطريق الدولي الاستراتيجي المشترك بين البلدين (البطحاء السعودي وعبري العماني) عبر صحراء الربع الخالي، يتوقع مراقبون أن يشق هذا التنسيق المتنامي بينهما جدار أزمة الجار اليمني، وخلق شريان دبلوماسي يوصل إلى إنهاء الحرب ومعاناة ملايين المشردين والجياع والمكلومين والمرضى.
ويؤكد الباحث السياسي اليمني محمد المقبلي أن التنسيق السعودي - العماني سيصب في مصلحة القضية اليمنية بالدرجة الأولى، خصوصاً أن الدولتين لديهما حدود مشتركة مع اليمن، فضلاً عن روابط الجوار والقربى.
ولهذا يرى المقبلي أن هذا التنسيق والتوافق المشترك سيعيدان ترتيب كثير من الأوراق السياسية المبعثرة، ويخففان بشكل فاعل حدة التوتر في المنطقة، ويقطعان الدعم عن المتمردين، وينقلان الدولتين نحو التفكير الكلي بأمن المنطقة العربية.
ويتابع، "يدرك الجميع أن ميليشيات الحوثي باتت تهدد الأمن القومي للجزيرة العربية، ولهذا كان من المؤسف أن تظل القضية اليمنية على مدى السنوات الماضية وسيلة للنكاية أو ورقة من أوراق الضغط والمماحكة بين الدول الخليجية، فيما كانت إيران تنفذ إلى المنطقة وتتوسع يوماً إثر آخر من بين ثقوب التباينات المدمرة".
استدراك الخطر المحدق
وفي استشرافه لنتائج هذا التنسيق مستقبلاً قال، "من المفترض أن نشهد في القريب تنسيقاً خليجياً أوسع يضم باقي الدول لاتخاذ مواقف تستدرك المخاطر المحدقة، وهذا التنسيق سيلجم مشروعين خطيرين يهددان أمن اليمن والمنطقة الخليجية والعربية، وهما المشروع الحوثي الإيراني شمالاً، والمشروع الانفصالي جنوباً".