يبدو أن النزوح بسبب الحروب الخارجية والداخلية وأعمال العنف لم يكن الوحيد الذي يجبر المواطن العراقي على ترك منزله ومدينته، فجاء الجفاف ليكون عامل ضغط جديداً لترك الأرض والابتعاد إلى أماكن تتوافر فيها أبسط مقومات الحياة.
وأدى قطع إيران المياه المنحدرة من أنهر فرعية إلى الأراضي العراقية عبر محافظتي ديالى والبصرة، إلى جفاف نسبة كبيرة من الأراضي في شرق العراق، وزيادة نسبة الملوحة في شط العرب بشكل يهدد حياة أكثر من مليوني ونصف مليون شخص يعيشون فيها.
ويعتمد العراق في تغذية أنهاره سنوياً على المياه الآتية من تركيا وإيران، خصوصاً في فصل الربيع، فضلاً عن الأمطار والثلوج، إلا أن الموسم الحالي شهد انخفاضاً كبيراً وغير مسبوق منذ سنوات عدة، وهو ما بدا واضحاً في انحسار مساحة نهري الفرات ودجلة داخل الأراضي العراقية.
ديالى الأكثر تضرراً
ويقول المتحدث باسم وزارة الموارد المائية عون نجم ذياب، إن محافظة ديالى أكثر المحافظات تضرراً من قطع إيران روافد الأنهر المارة بالعراق، لاعتمادها بشكل أساسي على تلك الروافد، فيما يشير إلى إمكانية تدويل القضية في حال الوصول إلى طريق مسدود.
ويضيف ذياب أن "الوزارة طلبت لقاء مع الجانب الإيراني غير أن الانتخابات الإيرانية أجّلت الموعد إلى وقت غير محدد، ونحن بصدد أن يكون هناك لقاء على مستوى فني، للوصول إلى تفاهم حول هذه المواضيع".
ويشير إلى أن محافظة ديالى أكثر المناطق تضرراً لعدم وجود بديل، وأن نهر دجلة بعيد منها ومن الصعب إيصال المياه للمحافظة، فضلاً عن أن سدي حمرين ودربندخان يتغذيان من نهر سيروان الذي ينبع من داخل حدود إيران، لافتاً إلى أن حجم الواردات المائية يبلغ صفراً، لأن النهر كان يعتمد على ذوبان الثلوج وما تطلقه السدود من الجانب الإيراني.
الجفاف ضرب الإقليم
ويعزو ذياب القحط هذا العام إلى الجفاف الذي ضرب الإقليم بأكمله ما أدى إلى شح المياه في أشهر الربيع في حوضي دجلة والفرات، إلا أن احتباس الأمطار أدى إلى تقنين الواردات، معرباً عن أمله في أن يكون هناك لقاء مع إيران للتباحث بهذه المواضيع وكيفية التكيّف مع الموقف الصعب لتحفيف آثاره.
إيران تبرر قطع مجرى كارون
وعن المحافظات الأخرى التي تضررت من قطع إيران روافد الأنهر، بيّن ذياب أن البصرة تضررت من قطع مجرى نهر كارون، الأمر الذي تبرره إيران بالخوف من "امتداد اللسان الملحي" إلى النهر ما يؤثر في مناطقها.
حلول مؤقته
وعن الحلول المطروحة لمعالجة شح المياه في ديالى، يوضح ذياب أن الوزارة قامت بنقل المياه من أسفل نهر الخالص الذي يتغذى من نهر دجلة، عبر محطة ضخ رئيسة بأنابيب بقطر متر لغرض تأمين مياه الشرب وتلبية حاجة 450 ألف نسمة، مشيراً إلى أن إجراءات أخرى تتمثل بحفر الآبار الإرتوازية لري البساتين، وقال "أعطينا الموافقات لحفر الآبار في تلك البساتين إضافة إلى إطلاق 30 متراً مكعباً بالثانية من المياه من سد حمرين ودربندخان لتأمين الاحتياجات بالحد الأدنى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخلال السنوات الماضية، دعت الحكومات العراقية تكراراً ومراراً كلاً من إيران وتركيا إلى التفاوض من أجل إيجاد حلول لموضوع تقاسم المياه بين الأطراف الثلاثة، سواء بما يتعلق بنهري الفرات ودجلة أو إرجاع مسار نهر كارون إلى وضعه الطبيعي ليغذي شط العرب، إلا أنها لم تفلح في تحقيق نتائج إيجابية تُذكر.
فعلى الرغم من كون العراق شريكاً تجارياً مهماً لإيران وتركيا، ويعد من المستوردين الكبار للمواد المصنّعة في الدولتين، فضلاً عن تعاقده مع شركاتهما لتنفيذ مشاريع في مختلف المجالات، لكن الجانبين كانا يسيران في اتجاه معاكس لهذا التقارب العراقي، إذ اتخذا سلسلة من الإجراءات المستمرة التي زادت من خفض إيرادات المياه إلى البلاد بشكل كبير.
تأسيس مجلس أعلى للمياه
عدم قدرة الجهات المسؤولة عن إدارة ملف المياه في العراق على تحقيق تقدم في المفاوضات مع إيران وتركيا والمشكلات التي يعاني منها، يتطلب تأسيس مجلس أعلى لإدارته والسيطرة على مفاصله، لكونه يمثل جزءاً من الأمن القومي العراقي.
ويدعو رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية حيدر عبد الواحد إلى ضرورة تأسيس مجلس أعلى للمياه يشرف عليه رئيس الوزراء للتباحث بشأن حصص العراق المائية.
ويضيف عبد الواحد "أن مفاوضاتنا بشأن المياه محصورة مع الجانب التركي، ولا يوجد لقاء أو اتفاقات مع الجانب الإيراني، والاعتماد اليوم على اتفاقية 1975 التي وقعتها الحكومة العراقية مع إيران، والمعروفة باتفاقية الجزائر المعطلة لحد الآن، والتي جزء منها فني يتعلق بتقاسم مياه الأنهر الداخلية".
ممارسة الضغط على إيران
ويشير إلى أن الجانب الإيراني يطلق مياه الأنهر وقت السيول والفيضانات نحو الأراضي العراقية بشكل عشوائي، ما يتسبب بخسائر كبيرة جداً للفلاحين بعد غمر أراضيهم بالمياه، وفي موسم الجفاف لا تُطلق المياه، داعياً المفاوض العراقي إلى استخدام أوراق ضغط مهمة على إيران من ضمنها التبادل التجاري.
ويلفت إلى أن ملف المياه في تركيا بيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وفي إيران بيد المرشد الأعلى وفي العراق محصورة بيد وزارة الموارد المائية التي فشلت في إدارة الملف، لافتاً إلى أنه من المفترض أن يشرف على هذا الملف رئيس الوزراء من خلال تشكيل مجلس لإدارة المياه.
75 في المئة من أراضي ديالى جفّت
ويبيّن أن بسبب قطع إيران المياه عن العراق، تضررت الكثير من المحاصيل وتم النزوح من بعض المناطق السكنية بسبب عدم وجود المياه في ديالى، فيما لا توجد مياه الآبار.
ويؤكد أن 75 في المئة من الأراضي الزراعية في ديالى تعرضت للجفاف، وأن الحل الوحيد هو إطلاق حصتنا المائية وفق الاتفاقات الدولية، التي تشير إلى حق دول المصب بالمياه كما هو حق دول المنبع.
نزوح من قرى ديالى
ويكشف الصحافي عبدالله جاسم عن تسجيل عمليات نزوح كبيرة من ديالى، لا سيما بعد جفاف نهر خريسان الذي يعتمد على بحيرة حمرين.
ويقول جاسم "هناك عمليات نزوح بالعشرات في قضائي مندلي وقزانية بسبب قلة المياه، فضلاً عن نزوح آخر من قبل الفلاحين من أطراف بعقوبة، الذين تركوا مزارعهم بسبب جفاف نهر خريسان الذي يعتمد على بحيرة حمرين، التي بدورها باتت شبه جافة".
ويلفت إلى أن الفلاحين في ديالى قد اعتمدوا بشكل كبير على الآبار عقب انخفاض المياه بعد عام 2003، وبناء الجانب الإيراني السدود على منابع الأنهر التي تجري نحو العراق.
دعاوى دولية ضد إيران
بدوره يشير الخبير القانوني المحامي أحمد العبادي إلى أن العراق يستطيع أن يكسب الدعوى، إذا ما أقامها ضد إيران بشأن المياه في المحاكم الدولية، لوجود ثلاث اتفاقيات دولية سابقة بين الطرفين تم توقيعها بهذا الشأن.
ويكشف عن "عدد من الاتفاقيات التي عقدت بين العراق وإيران حول تقاسم المياه، الأولى اتفاقية الأستانة عام 1913 إبان النفوذ العثماني، والثانية اتفاقية عام 1937 إبان النفوذ الإنكليزي، والثالثة عام 1975 في ظل الحكومة السابقة والمعروفة باتفاقية الجزائر، والتي نص جزء من بنودها على تنظيم الحدود المائية وتقاسم المياه".
ويلفت إلى أن العراق يمكن أن يكسب الدعوى الدولية باعتبار أن طهران خرقت الاتفاقيات الموقعة مع العراق وآخرها اتفاقية الجزائر.
نهر الفرات
وينبع نهر الفرات من جبال طوروس في تركيا ليخترق الأراضي السورية ويدخل بعدها الأراضي العراقية عند البو كمال في محافظة الأنبار، ليلتقي بنهر دجلة ويكوّنا شط العرب.
ويبلغ طول نهر الفرات من منبعه في تركيا حتى مصبه في شط العرب 2940 كلم، منها 1176 كلم في تركيا و610 كلم في سوريا و1160 كلم في العراق، ويتراوح عرضه بين 200 إلى أكثر من 2000 متر عند المصب.
فيما ينبع نهر دجلة من جبال طوروس جنوب شرقي الأناضول في تركيا، ويعبر الحدود السورية- التركية، ويسير داخل أراضي سوريا بطول 50 كلم تقريباً، ليدخل بعد ذلك أراضي العراق عند قرية فيشخابور.
ويبلغ طول مجرى النهر حوالى 1718 كلم. وينبع من تركيا ومعظم مجراه داخل الأراضي العراقية بطول يبلغ نحو 1400 كلم، وتصب خمسة روافد فيه بعد دخوله الأراضي العراقية وهي (الخابور والزاب الكبير والزاب الصغير والعظيم وديالى) وهذه الروافد تجلب إلى النهر ثلثي مياهه. أما الثلث الآخر فيأتي من تركيا.