ينظر محللون إلى خطوات السعودية عدة لم يكن آخرها قرار مجلس الوزراء، الثلاثاء، بالسماح بالمناطق الحرة في المنافذ، بل بالعودة إلى تغييرات قواعد الاستيراد في الخليج بإلغاء بعض الامتيازات الجمركية عن السلع المنتجة في المناطق الحرة بدول الجوار، على أنه مؤشرات إلى اقترابها من استثمار موقعها وحركة السفر منها وإليها في هذا السوق الكبير،
إذ تسعى السعودية لتبوء مكانة تجارية في المنطقة، تضاف لسيادتها على أسواق النفط والطاقة، متسلّحة باقتصادها الفرص الجاذبة في قطاعات لها مزايا نسبية وتنافسية لم تستغل بعد.
تشريعات خاصة واستثناءات ضريبية
فقد سبق أن أكد وزير استثمارها خالد الفالح في تصريحات سابقة، أن مشروع المناطق الحرة الذي صار في مرحلة المراجعة الأخيرة لدى الحكومة، يهدف إلى استقطاب مستثمرين محليين وأجانب مهتمين في بناء صناعات جديدة ترفع الاقتصاد النوعي مثل الصناعات الدوائية والتكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي، ومستبعداً نقل الاستثمارات القائمة داخل الاقتصاد إلى تلك المناطق.
وحول وجود استثناءات ضريبية أو تشريعات خاصة للمناطق الحرة، ينوَه الفالح إلى ما تحظى به المناطق من اعفاءات من بعض الضرائب بانتقائية، بهدف زيادة مردودها الفعلي على الاقتصاد الكلي، إلى جانب استحداث بيئة تشريعية وتحفيزية خاصة بتلك المناطق.
وفي سبيل تحقيق أهدافها تلك، يعزو مراقبون إجراءاتها الأخيرة التي تصب في إنجاح مشروع مناطقها الحرة المقبلة، عن طريق تقليل فرص الوصول إلى أكبر أسواق المنطقة من خلال الأسواق الحرة الواقعة خارج السعودية، وإعطاء هذه الفرصة النوعية لمن سيكونون في مناطقها المستحدثة، ونهوض القطاعات الاقتصادية المرتبطة بها وعلى رأسها النقل والخدمات اللوجيستية.
وطالب مجلس الشورى السعودي الأسبوع الماضي، بضرورة التسريع في إطلاق مشروع المناطق الحرة لدورها الكبير في دعم الاقتصاد الوطني بشكل مباشر، ووافق على توصيات تقدّمت بها لجنة الاقتصاد والطاقة تطالب بتذليل العقبات أمام تشغيل تلك المناطق التي من المنتظر أن تكون بمواصفات عالمية، وتفرز فرصاً استثمارية ضخمة.
التفوّق على المنافسين
وفيما يختص بعدد تلك المناطق وأماكنها، ذكر الوزير السعودية أن العاصمة الرياض ستحتضن 6 مناطق حرة من أصل 20 منطقة تسعى السعودية لإقامتها قريباً، إلى جانب مراكز مالية تستضيف شركات عالمية كبرى، ومناطق اقتصادية رقمية.
ويرى المحلل الاقتصادي الكويتي محمد رمضان أن انفتاح السعودية الاقتصادي في الأعوام الأخيرة، يكشف توجهها لاحتلال مكانتها الأساسية الموازية لاقتصادها القوي، بأن تصبح مركزاً تجارياً ومالياً في المنطقة، وتتفوّق على المنافسين إقليمياً.
وتابع "خطواتها الأخيرة التي اتخذتها تدلّل على هذا الأمر، ومن ذلك إعادتها النظر في الإعفاءات الضريبية في منتجات المناطق الحرة، ما يعزّز من إنجاح مشاريعها المقبلة في هذا القطاع، إلى جانب سعيها لاحتضان المقرات الرئيسية للشركات العالمية".
وحول المنافسة الخليجية تجارياً ومالياً، أشار رمضان إلى أن السعودية بصدد خلق مناطق تجارية حرة جديدة في الخليج، ستنافس بقوة المشاريع المماثلة في الدول المجاورة، ويقول "المنافسة الخليجية ليست بأمر مستغرب، طوال العقود الماضية كان هناك تبادل مراكز تفرزه هذه المنافسة، فقد كانت البحرين مركزاً مالياً ثم تغيّر الأمر لتصبح دبي هي المركز التجاري والمالي، والآن تتخذ الرياض خطوات جادة لتصبح المركز الجديد للمال والأعمال في الخليج".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويؤكد فهد بن جمعة، عضو لجنة الاقتصاد والطاقة في مجلس الشورى، على وجوب معالجة ضياع الفرص على السعودية في هذا القطاع، الذي يشدّد في تعليق له على الإجراءات الأخيرة، أن استغلال المناطق الحرة الخليجية للاقتصاد المحلي يجب أن يتوقف، وأن تتخذ الجمارك إجراءات مشددة لمنع ما يضر الاقتصاد ومنع السلع الرديئة، مبيناً أن الإجراءات الجديدة ستحقق ذلك.
استراتيجية النقل تدعم المناطق الحرة
ويرى المحلل الاقتصادي فضل البوعينين في تعليق له على استراتيجية النقل والخدمات اللوجيستية التي أقرّت أخيراً، أنها ستخدم المناطق الحرة السعودية وستكون علاقتها بها علاقة تكاملية، ويضيف "نحن في أمسّ الحاجة لخلق مناطق حرة على الخليج العربي، والبحر الأحمر، وبعض المواقع الحدودية البرية، وأيضاً مدينتا رأس الخير وجازان للصناعات الأساسية والتحويلية من المدن الصناعية المهيأة لإنشاء مناطق حرة، فيما يمكن إقامة المناطق الحرة المشتركة على الحدود مع دول الجوار مثل الأردن والعراق واليمن؛ لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاستراتيجية الأمنية".
ويمنح موقع السعودية الاستراتيجي فرصة لإنجاح مناطقها الحرة التجارية ويحوّلها أيضاً لمنصة لوجستية عالمية، وهنا يؤكد البوعينين أن هذا الهدف المعلن دخل مرحلة التنفيذ بعد الإعلان عن الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية، والتي تهدف لترسيخ مكانة البلاد كمركز لوجيستي عالمي يربط القارات الثلاث ببعضها، ويهدف أيضاً للارتقاء بخدمات ووسائل النقل كافة، وتعزيز التكامل في منظومة الخدمات اللوجيستية وأنماط النقل الحديثة لدعم مسيرة التنمية الشاملة في السعودية".