وصف التقرير الدفاعي الياباني السنوي الذي أقرته حكومة يوشيهيدي سوغا، أمس، الصين بالمهدد الرئيس للأمن الياباني وأن التوتر العسكري المتزايد حول تايوان إلى جانب التنافس الاقتصادي والتقني بين الصين والولايات المتحدة يعززان قرب حدوث أزمة في الإقليم، فيما أكدت الورقة البيضاء السنوية أن الاستقرار في تايوان قضية مهمة لليابان وأمنها واستقرار المجتمع الدولي فيما تتزايد التكهنات حول احتمالية اندلاع نزاع مسلح في مضيق تايوان.
وتطرق التقرير الدفاعي الياباني للمرة الأولى إلى أزمة جزيرة تايوان التي تنظر لها الصين باعتبارها شأناً داخلياً. فيما عبرت الخارجية الصينية عن استيائها الشديد من التقرير ومعارضتها الحازمة له. واصفة التقرير الدفاعي الياباني بالخطأ غير المسؤول، وأن محتوى التقرير مشبع بعقلية الحرب الباردة فيما يفسر الخوف الياباني من الهيمنة الصينية على تايوان بكونه عائداً لأسباب اقتصادية بحتة، فالعديد من الصناعات اليابانية مرتبط بشكل مباشر بالجزيرة التايوانية .
في المقابل أشادت تايوان بالخطوة اليابانية معربة عن شكرها لليابان لتضمينها في التقرير وتطرقها لأزمة الجزيرة الصغيرة. وفيما يبدو أن ورقة الدفاع اليابانية تشكل فصلاً جديداً في العلاقات بين طوكيو والصين التي تعاني في الآونة الأخيرة من توترات دبلوماسية جراء تصريحات المسؤولين اليابانيين في ملفات حساسة كقضية تايوان، والتدخل العسكري الصيني في الجزيرة.
العلاقة اليابانية الصينية
تربط الجارتين اليابان والصين علاقات تاريخية قديمة تضرب جذورها في عصور الإمبراطوريات. إذ تشير المراجع التاريخية إلى أن هناك تقابلاً في اللغة والدين والأدبيات بين الصين واليابان، كما أن اليابان احتفظت ببعض المهارات التي اختفت في الصين. كما خاضت الدولتان صراعات عنيفة متكررة بينهما بدأت بالحرب الصينية اليابانية الأولى 1894-1895، إلى جانب الحرب المصاحبة للحرب العالمية الثانية بين عامي 1937-1945. التي صاحبتها جرائم الاحتلال الياباني ولا تزال تلقي بظلالها على العلاقة بين البلدين.
ومع تحول الصين إلى دولة شيوعية إبان الحرب الباردة، فترت العلاقات بين طوكيو وبكين وباتت تحكمها نظرة الولايات المتحدة الأميركية وتعاملها مع الصين. وفي عام 1972 أقيمت علاقة رسمية بين اليابان وحزب الشعب الصيني تبعتها تطورات في العلاقات بشكل إيجابي ففي عام1978 أجرى نائب الرئيس الصيني الزيارة الرسمية الأولى إلى الأراضي اليابانية كأول زيارة رسمية رفيعة المستوى بعد الحرب العالمية الثانية. كما تم توقيع معاهدة السلام والصداقة بين البلدين التي رسمت شكل العلاقة المستقبلية بين الجارتين.
تايبيه بين طوكيو وبكين
تمثل تايوان أزمة بين العديد من الأطراف في المجتمع الدولي والصين. فمنذ انفصال تايوان عن الصين بعد الحرب الصينية الأهلية عام 1945، لا تزال الحكومة الصينية ترى تايوان باعتبارها إقليماً متمرداً، ولا بد من إعادتها للحضن الصيني ولو بالقوة إذا تطلب الأمر، وترفض بكين إقامة أي علاقات دبلوماسية مع أي دولة تعترف بتايوان رسمياً كدولة، لذا لم تحظ تايوان وحكومتها باعتراف دولي كبير بسبب سطوة التنين. كما تعتبرها الحكومة الصينية قضية صينية داخلية خالصة، الأمر الذي ترفضه تايبيه التي تأمل في الاعتراف الدولي بحكومتها وتطمح لنيل عضويات في عدد من المنظمات الدولية.
وبموجب معاهدة السلام والصداقة اليابانية - الصينية التزمت طوكيو بعدم التدخل في الشؤون الداخلية الصينية، غير أن الموقف الياباني من قضية تايوان في تغير واضح في الفترة الأخيرة بالتزامن مع مجيء إدارة بايدن الجديدة التي تتبنى سياسة أكثر صرامة بشأن قضيتها. ففي القمة بين رئيس الوزراء الياباني يوشيهيدي سوغا، والرئيس الأميركي جو بايدن، في أبريل (نيسان) الماضي بواشنطن شهدت المسألة التايوانية اهتماماً متزايداً من قبل طوكيو، كما شملت أجندة الاجتماع الأميركي الياباني آلية التعاون للحفاظ على أمن تايوان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي أواخر يونيو (حزيران) الماضي خرج نائب وزير الدفاع الياباني ياسوهيدي ناكاياما، بتصريح يشير لضرورة أن تكون اليابان من القوى المساندة للولايات المتحدة للدفاع عن تايوان ضد أي غزوٍ محتمل، كما أكد ياسوهيدي أن أي حل طارئ يتعلق بها ينبغي أن يُبنى على الحوار.
وحذر نائب وزير الدفاع الياباني من المخاطر المتزايدة للتعاون الصيني الروسي وأكد ضرورة "الاستيقاظ" والانتباه للضغط الصيني المتزايد على تايوان مطالباً بحماية الجزيرة باعتبارها "دولة ديمقراطية".
كما أشار رئيس الوزراء الياباني يوشيهيدي سوغا، في تصريحات بيونيو الماضي إلى تايوان ونيوزيلاندا وأستراليا باعتبارها ثلاث "دول" اتخذت إجراءات صارمة لمحاربة كوفيد-19. فيما أثار وصف رئيس الوزراء الياباني تايوان بـ"الدولة" غضب الصين، حيث علقت وزارة الخارجية الصينية على تصريحات رئيس الوزراء ووصفها بالمخلة بالتعهد الرسمي الملزم لليابان بعدم اعتبار تايوان دولة مستقلة. بينما تشهد العلاقات اليابانية والتايوانية تقارباً ملحوظاً فقد أعلنت طوكيو عن زيارة مرتقبة لوزيرة الرقمنة في حكومة تايبييه، أوديري تانج، لليابان لحضور حفل افتتاح أولمبياد طوكيو في الثالث والعشرين من يوليو (تموز) الحالي.
ويشير خبير الشؤون السياسية الياباني ليان ديجوي إلى أن موقف اليابان من المشكلة التايوانية يعتمد على موقف الولايات المتحدة الأميركية، فإذا لم تضغط الأخيرة على طوكيو للتدخل في المشكلة التايوانية؛ فإن اليابان لن تحدث اضطرابات في العلاقات الصينية اليابانية بسبب هذه القضية.
تايوان في ورقة الدفاع
وكانت ورقة الدفاع اليابانية الصادرة، أخيراً، هي الحلقة الأخيرة في سلسلة التوترات في العلاقات الصينية اليابانية بسبب قضية تايوان. فقد أشار التقرير إلى أن استقرار الأوضاع المحيطة بالأخيرة يعد أمراً مهماً لليابان وأمنها والمجتمع الدولي، وبالتالي يجب توجيه مزيد من الانتباه للموقف أكثر من أي وقت مضى. كما أوضحت الورقة أن الصراع الصيني التايواني يميل إلى صالح الأول، ولفتت إلى تزايد الفجوة بين الجانبين عاماً بعد عام. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يذكر فيها ذلك التقرير السنوي الدفاعي قضية تايوان أو يتعرض لها.
فيما أغضب التقرير الدفاعي الياباني بكين وتبعته عاصفة من ردود الأفعال الرافضة للتدخل الياباني في قضية تايوان. فقد أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، زاهو ليجيان، أن ما جاء في ورقة الدفاع مشبع بعقلية الحرب الباردة، ودعت طوكيو إلى احترام السيادة الصينية وصرحت بأن المسألة التايوانية شأن صيني داخلي خالص فيما صرح المتحدث الصيني بأن بكين لن تسمح لأي دولة بالتدخل في قضية تايوان بأي حال.
وعلى جانب آخر وجدت تايوان في الورقة الدفاعية فرصة داعمة لقضيتها دولياً، فقد أوضحت وزارة الخارجية التايوانية أنها ستعمل جنباً إلى جنب مع اليابان والدول التي تنتهج طوكيو لحماية القيم الديمقراطية والقانون الدولي ودعم السلام والاستقرار والرفاهية في الإقليم.
ويؤكد محللون أن اليابان تستعد لاحتمالية اندلاع نزاع مسلح قريب في مضيق تايوان، إذ يمكن للنزاع المسلح أن يؤثر في أمن اليابان القومي ويجرها إلى حرب وينظرون إلى اليابان باعتبارها تتخذ جانب الغرب المتراجع في مواجهة "الشرق الصاعد". كما بين المحلل السياسي الصيني، تشينغ يوكينغ، أن تقوية العلاقات العسكرية اليابانية الأميركية في الفترة الحالية ترمي إلى إضعاف تحركات الصين في إعادة توحيد تايوان مع الصين بالقوة. فيما أوضح المحلل الصيني، تشو ليبينغ، الأستاذ في العلاقات الدولية، أن القلق الياباني من الأزمة في تايوان يعود لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى، إذ إن كثيراً من صناعتها تتخذ مركزاً لها في تايبيه.
وتتواتر التحليلات إلى أن تصاعد اللهجة العنيفة من قبل الصين ضد تايوان والاختراقات المتكررة للطيران العسكري الصيني للأجواء التايوانية قد يشيران لإمكانية اندلاع حرب في المنطقة على المدى المتوسط. ويشدد المحلل السياسي، جيفري هورنونغ، على ضرورة استعداد اليابان والولايات المتحدة لهذه الحرب مع الأطراف الحليفة تأهباً لأي خطوة قد تقدم عليها الصين في السنوات المقبلة.
كما أكدت صحيفة "فايننشال تايمز" إلى أن تدريبات "درع الشرق" المشتركة التي تمت، أخيراً، بين اليابان والولايات المتحدة تضمنت مناورات حربية تحسباً لنشوب أي حالة من الصراع بين الصين وتايوان، فيما اتسمت تلك التدريبات العسكرية بالموسعة، وتعد مناوراتها المشتركة هي الأكبر بين بين البلدين منذ عقود.