تبين أن التراجع الذي تشهده قدرة غابات الأمازون المطيرة على امتصاص غاز الدفيئة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي للأرض يمكن أن يعزز ظاهرة الاحترار العالمي مستقبلاً، حسبما وجدت دراسة حديثة.
إن اجتثاث غابات الأمازون و"الاحترار المتسارع" الذي يشمل بعض أجزائها قد أديا إلى تقلص أو انتفاء دور الغابات المطيرة باعتبارها "بالوعة للكربون"، بمعنى أنها مكان يمتص من الغلاف الجوي كمية من هذا الغاز أكثر مقارنة بما يطلقه منه.
على مدى تسع سنوات، انكبت البروفيسورة لوسيانا غاتي بالتعاون مع زملائها على جمع عينات من الهواء مأخوذة من أربع مناطق في الأمازون، مرتين في الشهر تقريباً، بغية قياس تركيزات الغازات في الغلاف الجوي للغابات المدارية.
كذلك حلل العلماء من "المعهد الوطني لبحوث الفضاء" (اختصاراً INPE) في البرازيل البيانات من أجل تحديد الطريقة التي تتوزع بها تركيزات ثاني أكسيد الكربون (CO2) وأحادي أكسيد الكربون (CO) في أجزاء مختلفة من الأمازون.
عقدوا مقارنة بين عينات مأخوذة من الهواء من جهة، وعينات أخرى مأخوذة من مياه جنوب المحيط الأطلسي كان تبين أنها تمتص من الغلاف الجوي حتى 75 في المئة من الحرارة الزائدة، و40 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن أنشطة الإنسان التي تلتقطها المحيطات.
كذلك استخدم العلماء التدرجات في تركيزات ثاني أكسيد الكربون بغية تقدير حجم الزيادة أو الانخفاض في مستويات انبعاثات الكربون فيما يتصل بنمو الغطاء النباتي، وتحلل النباتات، وحرائق الغابات.
للأسف، اختفت ملايين من الأشجار نتيجة عمليات قطع تعرضت لها ونشوب حرائق فيها خلال السنوات الأخيرة. وفي عامي 2019 و2020، كابدت منطقة الأمازون عدداً غير مسبوق من الحرائق حتى استحالت مساحات شاسعة منها أراضي محترقة.
تكشف بيانات أصدرها علماء "المعهد الوطني لبحوث الفضاء" أن غرب منطقة الأمازون ما زال بالوعة للكربون، وإن كانت بالوعة ضعيفة، نظراً إلى مناخه الدائم الرطوبة تقريباً والتحلل المنخفض للنباتات فيه نسبياً مقارنة مع مناطق أخرى من هذه الغابات المدارية.
أما شرق الأمازون فقد تدهورت قدرته على امتصاص الكربون، بل إنها أخذت اتجاهاً معاكساً، ومرد ذلك إلى اجتثاث الغابات والمناخ الدافئ والجاف الذي يسيطر على المنطقة بصورة متزايدة. وللأسف، تشير النتائج إلى أن الجزء الجنوبي الشرقي من غابات الأمازون، الذي يشكل 20 في المئة منها، قد فقد قدرته على امتصاص الكربون وأصبح مصدراً له، حسبما تبين نتائج الدراسة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لم يكن في مستطاع العلماء أن يدرسوا أجزاء الأمازون كافة، علماً أنها تتباين كثيراً فيما بينها، وذلك بسبب الصعوبة في الوصول إلى بعض المناطق.
نُشر البحث حديثاً، ولكن كان الباحثون تحدثوا إلى "بي بي سي" (هيئة الإذاعة البريطانية) العام الماضي بشأن الآثار السلبية على المناخ التي ستترتب عن تحوّل غابات الأمازون من كونها خزاناً للكربون إلى مصدر له.
قالت البروفيسورة غاتي إن "كل عام أسوأ مما قبله (فيما يتصل بامتصاص الغابات للكربون). لاحظنا أن المنطقة الواقعة في الجنوب الشرقي للأمازون تشكل مصدراً مهماً للكربون، بغض النظر عما إذ كانت سنة رطبة أو سنة جافة. مثلاً، كان 2017- 2018 عاماً ممطراً، لكنه لم يحدث أي فرق."
البروفيسور كارلوس نوبري، الذي شارك في إعداد دراسة البروفيسورة غاتي وهو باحث في "معهد الدراسات المتقدمة" في "جامعة ساو باولو"، رأى أن عملية المراقبة التي تضمنتها الدراسة تبعث على "قلق كبير"، لأنها "ربما تكشف بدايات نقطة تحول خطيرة".
ويعتقد البروفيسور نوبري أن النتائج الجديدة تشير إلى أنه في غضون الثلاثين سنة المقبلة يحتمل أن يتحول أكثر من نصف منطقة الأمازون من غابات مطيرة إلى مساحات من أراضي السافانا الجافة، وذلك في حال فقدت قدرتها على تجديد نفسها وبدأت تنبعث منها كمية من الكربون أكثر مما تمتصه.
في ثمانينيات القرن العشرين وتسعينياته، كانت غابات الأمازون تمتص من الغلاف الجوي ملياري طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، لكن هذه الكمية السنوية انخفضت الآن بنحو النصف، وفق البروفيسور نوبري.
نُشر البحث في مجلة "نيتشر" Nature.
© The Independent