تصدرت الفيضانات التي اكتسحت أجزاء من غربي ألمانيا وهولندا وبلجيكا العناوين، وليس أقله لأنها أوقعت 120 وفاة حتى الساعة، وهو رقم هائل بالنسبة لظاهرة مناخية وقعت في بعض أكثر مجتمعات العالم تقدماً. برهنت الطبيعة مرة جديدة أنها الأقوى، فخربت إمدادات الطاقة وإشارات بث الهواتف الجوالة بالإضافة إلى تدمير الممتلكات. وهذا هو نوع الظواهر التي وقعت حول العالم- من حرائق كاليفورنيا إلى أستراليا وحتى سيبيريا مؤخراً، مثلاً.
وفي أنحاء أخرى، تجد المجتمعات الواقعة في بلدان منخفضة مثل بنغلاديش والمالديف والدول الصغيرة في المحيط الهادئ نفسها مضطرة للتعايش مع تبعات احترار الكوكب. ولحسن الحظ أن الأصوات التي توحي الآن بأن تغير المناخ خدعة، أو أن ازدياد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لا علاقة لها بالنشاط البشري، أو التي تقول بأن محاولة تحديد [كمية] انبعاثات غازات الدفيئة ليست سوى مؤامرة صينية لتدمير الغرب أصبحت قليلة. إن كان من الضروري تأمين برهان على أن الهواء الأكثر دفئاً يمكنه أن يحمل المزيد من الرطوبة، ما علينا سوى النظر خارج النافذة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعبارات أخرى، فإن الحجة التي تدعو لضرورة التحرك من أجل الحؤول دون المزيد من تغير المناخ الكارثي قد قُدمت -وحُسم الجدل لصالحها- منذ زمن. بات سكان الغرب يتقبلون إجمالاً حقيقة ما يحصل حولهم، ويوافقون بشكل متزايد، ولو على مضض أحياناً، بأن طريقة حياتنا يجب أن تتغير إن كنا جديين في مسألة مكافحة أزمة المناخ. فالدليل والمنطق العلمي متين ومُحترم على نطاق واسع. ما هناك سوى دونالد ترمب وأمثاله ممن ينفون الوقائع ويتهربون منها.
إنما بالنسبة لمن يسكنون في هذه البقعة الصغيرة نسبياً من العالم، أي أوروبا، يعتقد البعض بأن تغير المناخ "يعود إلى الديار" - إن لم تكن هذه عبارة تافهة. والآن يبدو أنها تؤثر فينا، في أماكن لا تبعد سوى رحلة قصيرة نسبياً في الطائرة أو القطار. فالمناظر الطبيعية المألوفة تُدمر، والمناخ المعتدل عادةً تحول إلى مناخ شبه استوائي، ولا تستطيع خدمات الطوارئ ومواطنو الدول الأوروبية التأقلم حين يرتفع منسوب الأنهار من ستة إلى ثمانية أمتار فوق مستواه الطبيعي. وصل تغير المناخ كما كان متوقعاً ظهوره منذ زمن، بشكل درامي وغير مرحب به. ونحن عاجزون أمامه.
تتردى أصداء التحذيرات في آذاننا منذ عقود- منذ ثمانينات القرن الماضي فعلياً، حين بدأ العلماء يدركون عواقب الحقبة الصناعية السابقة. ففي النهاية، كانت أوروبا الغربية نواة الثورة الصناعية الأولى، وهي تتحمل إلى هذه الدرجة تحديداً نصيبها من المسؤولية عن التلوث والتدهور البيئي اللاحق.
لقد قطع البريطانيون والألمان وغيرهم منذ زمن بعيد غاباتهم وضحوا بأنهارهم وبحيراتهم لصالح النمو الاقتصادي السريع وارتفاع مستويات المعيشة (إن لم نحتسب الأضرار البيئية). ليس من المفاجئ جداً إذن أن تصرح حكومات دول مثل البرازيل أو أندونيسيا أن دورها قد أتى الآن لكي تتبع نموذج التصنيع الذي كان رواده لبلدان الأوروبية وأميركا واليابان والاتحاد السوفياتي السابق، في أكثر أشكاله تطرفاً وتهوراً. لا يحتل الغرب موقعاً يسمح له بوعظ البلدان النامية حول سيئات النمو الاقتصادي، لكن هذه الظواهر الجوية تضيف بعض التواضع على الأقل إلى دعوات التحرك الصادرة عن الغرب.
وتضفي الفيضانات بالتالي، حساً من الإلحاح والطوارئ إلى أزمة المناخ التي قد تبدو أحياناً بعيدة جداً. ويجب أن تفضي، كما الأحداث الموازية في أماكن أخرى، إلى إقناع المزيد من الحكومات ببذل جهد أكبر من أجل إنقاذ أرواح أكثر، وليس فقط في القرن الثاني والعشرين وما بعده، بل الآن وهنا. يقدم مؤتمر كوب 26 حول المناخ المنعقد في غلاسكو أفضل الفرص الآن لكي يتصرف العالم بشأن محنته. إن مشاهد الدمار التي تعرضها شاشات التلفاز مؤثرة أكثر بكثير من غريتا ثنبرغ أو ديفيد آتنبورو، وهي تحمل على إدراك النتائج الوخيمة لما يجري في كل مكان.
© The Independent