على الرغم من دعوات إخراج القوات الأميركية من العراق وإغلاق سفارة واشنطن في بغداد من قِبل جهات ومجاميع مسلحة شيعية حليفة لإيران، فإن الحكومة العراقية تجاهلت هذه المطالب، وتوجهت نحو تعزيز هذه العلاقات وترسيخها، في رسالة واضحة تؤكد عدم الرضوخ لها.
وحاولت هذه الجماعات استباق زيارة رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، إلى العاصمة الأميركية واشنطن في الـ25 من يوليو (تموز) الحالي، بحملة تصعيد إعلامي واتهامات للحكومة بعدم تنفيذ قرار البرلمان العراقي بسحب القوات الأميركية، فضلاً عن التهديد باستئناف الهجمات الصاروخية على القواعد العسكرية التي يوجد فيها الجيش الأميركي، إلا أن البوصلة العراقية تتجه إلى تجديد وإحياء الاتفاقات بين البلدين في جميع المجالات.
ومنذ إصدار البرلمان العراقي قراراً بأغلبية شيعية لإخراج القوات الأميركية من العراق مطلع يناير (كانون الثاني) 2020، لم تستطع القوى الشيعية النجاح في إقناع ممثلي العرب السنة والكرد بتأييد هذا القرار، الذي جاء عقب مقتل كل من قائد فيلق القدس قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، في غارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي.
نحتاج إلى الدعم الأميركي
وقال وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، من واشنطن، لتحضير زيارة الكاظمي، "(داعش) لا يزال يشكل تهديداً، ونحتاج إلى دعم استخباري أميركي. وهم يوجدون في معسكرات عراقية لا أميركية". مشيراً إلى أن "العراق وأميركا قد يعودان إلى اتفاق 2008 بعد انتهاء جولات الحوار"، لافتاً إلى أن جولة الحوار الجديدة "ستشهد الاتفاق على جدولة الانسحاب الأميركي".
وتتضمن اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن تعزيز العلاقات العراقية الأميركية في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية، فضلاً عن تقديم الدعم الأميركي للعراق في مختلف المجالات، إلا أن أغلب فقراتها لم تأخذ طريقها إلى التنفيذ.
وكشف حسين عن قرب إعادة آلاف القطع الأثرية المهربة، لافتاً إلى وجود تعاون واضح مع الولايات المتحدة لـ"إعادة الآثار المهربة"، إذ إن الإدارة الأميركية الحالية "تفهم الأوضاع في العراق بشكل يخالف الإدارة السابقة".
بحث عدة ملفات
وقال متحدث الخارجية، أحمد الصحاف، إن وزير الخارجية فؤاد حسين، وصل الثلاثاء 20 يوليو، إلى العاصمة الأميركية واشنطن على رأس الوفد المُفاوِض لعقد جولة الحوار الاستراتيجي الرابعة المُزمع إجراؤها في 23 يوليو بين العراق والولايات المتحدة الأميركية.
وأضاف الصحاف أن الوفد العراقي في هذه الجولة التفاوضية سيكون برئاسة وزير الخارجية فؤاد حسين، وسيكون على رأس الوفد الأميركي وزير الخارجية أنتوني بلينكن، مشيراً إلى أن هذه المفاوضات تأتي تمهيداً للحوار الذي سيقوده عن الجانب العراقي رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي وعن الجانب الأميركي الرئيس جو بايدن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واتفق كل من وزيري الخارجية العراقي والأميركي في جلسة مفاوضات عبر تقنية الاتصال المرئي في السابع من أبريل (نيسان) الماضي على تولي القوات الأمنية العراقية "مهمة إدارة القتال ضد تنظيم (داعش) وجعلها بيدها حصراً، وجعل مهمة التحالف الدولي تقتصر على مجال التدريب والدعم اللوجيستي والاستشارة، وحصراً في محاربة الإرهاب".
وأعلن بيان حكومي عراقي في حينها أن المفاوضات "شهدت الاتفاق على جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية والأميركية من العراق"، من دون تحديد الفترة الزمنية، فضلاً عن تأكيد العراق التزامه حماية أفراد وكوادر البعثات الدبلوماسية.
المستشارون باقون
ويرى مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، أن زيارة وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين واشنطن "ستطرح ملفات كثيرة، أهمها الوجود الأميركي بالعراق". موضحاً أن "ذهاب وزير الخارجية إلى واشنطن هو تمهيد لزيارة الكاظمي فيما يتعلق بالنقاط الأساسية التي ستطرح بالحوار والجانب التقني"، لافتاً إلى أن مباحثات حسين "ستشهد اتفاقات عراقية أميركية سيوقع عليها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي".
ويضيف فيصل، "سحب القوات القتالية لا يعني سحب القوات غير القتالية، مثل المستشارين والمدربين والدعم والمساعدة العسكرية وتطوير القدرات العسكرية للجيش العراقي بصنوفه المختلفة، مثل القوة الجوية والدفاع الجوي". مبيناً أن هذا الأمر "ينطبق على حلف شمال الأطلسي والدول المشاركة ضمن قوات التحالف الدولي التي ستبقي على قوات غير قتالية، مما يعني الاعتماد الأكبر على القوات العراقية".
ويشير إلى أن الملفات التي ستطرح في الزيارة هي "الملف العسكري والحرب على الإرهاب ومسألة الاستثمارات ومجال الطاقة والغاز والشركات الأميركية بالعراق وتطوير الفرص الاستثمارية". موضحاً أن الزيارة "ستبحث كل ما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والنفط والطاقة والغاز والكهرباء والجوانب الثقافية المتعلقة بالآثار والتعاون العلمي والتعليمي وإعادة إعمار المدن".
النفط والكهرباء
ويقول المتخصص في مجال الطاقة، كوفند شيرواني، إن ملفي الكهرباء والنفط "سيناقشهما وزير الخارجية فؤاد حسين في واشنطن". موضحاً أن "الاستمرار في الاستثمار بالصناعة النفطية بالعراق أمر مهم للاثنين، العراق الذي يحتاج إلى تلك الشركات النفطية الأميركية في تطوير النفط والغاز وعملية الاستخراج وتطوير الإنتاج النفطي، وأميركا التي تعتبر العراق منطقة جيدة، باعتبار أن بغداد تملك رابع احتياطي بالعالم ودولة مصدرة للنفط".
ويتابع، "المسألة الأمنية أحد التحديات التي تواجه الشركات النفطية بالعراق، والجانب الأميركي سيطلب من العراق ضمانات أمنية لاستمرار عمل العاملين والمنشآت والآليات"، لافتاً إلى أن "عدم توفير الأمن سيعني تفكير الشركات الأميركية وشركات أخرى بجدية الانسحاب، في وقت أن الشركات الوطنية لا تملك التقنيات والخبرات التي تملكها الشركات الأجنبية".
فرصة تاريخية للمفاوض العراقي
من جانبه يبين المختص بالاقتصاد، عبد الحسن الشمري، أن العراق "ممكن أن يحقق أهدافه الاقتصادية من خلال التعاون مع واشنطن"، معتبراً أن المفاوض العراقي "في وضع أطر الاتفاقية الاستراتيجية كان ضعيفاً".
ويضيف الشمري، "العراق لم يستغل الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة مع واشنطن بالشكل الأمثل، لا سيما أن هذه الاتفاقية كان من المفترض أن تحقق خدمة للشعب العراقي بالجانب الأمني والاقتصادي"، لافتاً إلى أن تنفيذها سابقاً "كان سيحقق ما يصبو إليه العراق في الجانب الاقتصادي من خلال توفير خطوط الإنتاج التي من الممكن أن تُنشأ بالعراق من خلال التعاون مع واشنطن".
ويستكمل، "موضوع الكهرباء أمر مهم جداً، ومن الممكن أن يطرح بقوة في هذه المفاوضات الجديدة، لأن العراق بحاجة إلى الكهرباء من أجل إقامة الصناعة التي لا يمكن أن تنهض إلا بتوفير الطاقة الكهربائية لها"، مؤكداً أن الولايات المتحدة الأميركية "قادرة على توفير هذه الإمكانية".
ويتابع، "تحقيق أهداف العراق يعتمد على قوة المفاوض العراقي وسرعة بديهيته وقابليته للاستنتاج، وأن يكون بالمستوى المطلوب بالتفاوض مع أميركا، لأنها صاحبة الدبلوماسية العالية بالعالم والدولة الأولى".
ويعتبر أن المفاوض العراقي منذ التوقيع على الاتفاقية الاستراتيجية إلى الآن كان أداؤه ضعيفاً، ولم يستغل هذه الاتفاقية لبناء العراق ومشروع اقتصادي كبير، باعتبار أن الولايات المتحدة الأميركية تمتلك أقوى اقتصاد بالعالم.