Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن
0 seconds of 2 minutes, 16 secondsVolume 90%
Press shift question mark to access a list of keyboard shortcuts
00:00
02:16
02:16
 

معتقلون سابقون يعودون إلى "فرع فلسطين" في دمشق تحديا لزنزانات التعذيب

يصفون "اليأس" في فترات الاعتقال والانتهاكات التي تعرضوا لها تحت ذريعة "الإرهاب"

ملخص

يقول أدهم إنه عاد إلى "فرع فلسطين" الآن تحدياً للخوف الذي كان يشعر به من أروقته. ويروي الرجل، "بعدما خرجت من هنا... بت أخاف أن أمر من قربه، حتى لو كان على طريقي، أبدل الطريق وأختار طريقاً أطول لكيلا أمر من أمامه".

بعد أيام من سقوط بشار الأسد عاد محمد درويش إلى الزنزانة رقم تسعة في "فرع فلسطين" أحد فروع الاستخبارات العسكرية السورية في دمشق، إذ أوقف قيد التحقيق لأكثر من 120 يوماً قبل سنوات متحدثاً عن "اليأس" الذي راوده خلف القضبان.

في الزنزانة الواقعة تحت الأرض في المبنى الكبير المؤلف من طوابق عدة تنتشر رائحة العفن ومياه الصرف الصحي الجارية في الأروقة بين الزنزانات.

لا نافذة تدخل الضوء من الجدران السوداء المليئة بالدبق في الغرفة الضيقة التي بالكاد اتسعت لأكثر من 100 شخص. وهذا الفرع الذي يخشاه السوريون كثيراً كان يستقبل خصوصاً موقوفين بتهم "الإرهاب"، لكن كثراً يدخلونه على قيد التحقيق وتنقطع أخبارهم تماماً عن ذويهم.

إنهاء الاعتقال القسري

دخل الصحافي محمد درويش (34 سنة) السجن في فرع فلسطين لمدة 120 يوماً قيد التحقيق عام 2018 بتهمة "تمويل الإرهاب بالمعلومات، والترويج للإرهاب".

في الزنزانة رقم تسعة يتذكر البقعة الضيقة التي حجر فيها مع 50 آخرين لإصابتهم بالسل. يتذكر الشاب التركي الذي كان موقوفاً معهم وأصيب بـ"الجنون" على حد قوله من كثرة الضرب.

ويروي الشاب، "أنا من أكثر الأشخاص الذين حققوا معهم لأن تهمتي بالنسبة لهم كانت كبيرة جداً، تهمة الإعلام. كانوا يحققون معي مرة في الصباح ومرة في المساء". ويضيف، "كانوا يقولون لي إن المسلح برصاصة يقتل شخصاً واحداً، بينما أنا بكلمتي أقتل الآلاف"، بينما يقول إنه كان يصور تقارير عن الواقع الخدمي في دمشق. وبعدما نقل إلى سجن آخر، خرج بعد عام وأكثر من "التوقيف العرفي".

ويصف درويش الشعور خلف القضبان "بشعور فقدان الأمل واليأس، عندما يغلقون هذا الباب عليك، تفقد الأمل بالغد، هذه البقعة شهدت مآسي، عائلات فقدت معيلها، فقدت أباها، فقدت أخاها". ويتابع، "يكفي كنتيجة لهذه الثورة كلها، إنهاء الاعتقال القسري والعرفي من دون أي تهمة واضحة".

 

بحثا عن "خيط"

وفرغ "فرع فلسطين" أو الفرع 235 في الاستخبارات العسكرية تماماً من كل العناصر الأمنية التي كانت موجودة فيه منذ الأحد، لكن زواره الآن على غرار محمد، هم موقوفون سابقون جاؤوا تحدياً للألم الذي عانوه هنا، أو تحدياً للخوف.

آخرون قرروا زيارة المكان للبحث في الوثائق والأوراق والملفات التي تركت فيه علهم يجدون قريباً لهم فقد في السجون السورية ولم يسمعوا عنه خبراً، كما فعل كثر منذ سقط حكم حزب البعث قبل أيام.

في غرفة سوداء توزعت فيها آلاف الأوراق والملفات وقفت امرأة وهي تقلب بين بطاقات هوية بحثاً عن قريب لها. وتقول فيما غطت وجهها بوشاح رمادي إن "اليائس يبحث عن أي خيط" يوصله إلى ما يريد، مفضلة عدم كشف اسمها.

آلاف فعلوا مثلها منذ الأحد الماضي حين فتحت أبواب السجون والمقار الأمنية في مناطق مختلفة من سوريا، لا سيما سجن صيدنايا السيئ الصيت.

اقرأ المزيد

تحدي الخوف

عند مدخل "فرع فلسطين" شاحنة عسكرية متوقفة وفرش مبعثرة وأوراق خضراء وصفراء صغيرة رميت على الأرض. تركت بعض البدلات العسكرية والأحذية في مكانها. عاد أدهم بجبوج (32 سنة) أيضاً لزيارة زنزانته السابقة، الزنزانة رقم سبعة.

ويقول الشاب المتحدر من درعا، والذي سجن في 2019 لانشقاقه عن الجيش مع بداية خروج التظاهرات المناهضة للسلطة عام 2011، "قيل لنا إن دخولنا هنا إلى (فرع) فلسطين، من الشرطة العسكرية، لن يتعدى السؤال والجواب، لكنني بقيت 35 يوماً، أو 32 يوماً، لم أعد أذكر، في الزنزانة هذه".

يقاطعه شقيقه الذي كان يقف قربه قائلاً، "دخل وزنه 85 كيلوغراماً، وخرج 50 كيلوغراماً".

كانت وظيفة القابعين في هذه الزنزانة تحديداً هي "السخرة" وفق أدهم. ويقول، "نخرج من الخامسة صباحاً، نمسح الأرضيات، ننظف مكان التعذيب، نخرج الموتى من الزنزانات، ننظف الحمامات والمكاتب".

ويضيف أدهم النحيل الجسد أنه عاد إلى هنا الآن تحدياً للخوف الذي كان يشعر به من هذه الأروقة. ويروي الرجل، "بعدما خرجت من هنا... بت أخاف أن أمر من قربه، حتى لو كان على طريقي، أبدل الطريق وأختار طريقاً أطول لكيلا أمر من أمامه".

ويتذكر اللحظة الأولى التي دخل فيها الفرع قائلاً، "ضربونا ضربتين أو ثلاثاً بالكرباج... يحتاج المرء إلى علاج يومين من بعدها من شدة قوتها".

أوراق وسندات محروقة

في الطابق الأعلى، "غرف التعذيب"، كما يصفها المساجين السابقون. غرف معتمة رمادية، على أحد جدرانها نافذة زجاجية كبيرة، لكن "كانوا يعذبوننا في الرواق أيضاً"، يقول أحدهم.

في الجناح الآخر من المبنى الضخم مكاتب وغرف الضباط والمسؤولين التي حرقت بالكامل. تنبعث رائحة دخان قوية من المكان الذي خلعت أبوابه وتحول أثاثه إلى رماد.

في غرفة بالكاد فتح بابها تظهر رفوف وزعت عليها آلاف الأوراق المحروقة التي يعتقد زوار المقر أنها أوراق "مهمة" و"سرية" أحرقها المسؤولون قبل فرارهم.

من بين تلك الأوراق، رسالة من القيادة العامة للجيش إلى "النيابة العامة المتخصصة في معالجة قضايا الإرهاب" تحوي تفاصيل توقيف مجند في الجيش لملاحقته "بجرم علاقته بالمجموعات الإرهابية المسلحة وبكل جرم يظهر بحقه خلال مرحلتي التحقيق والمحاكمة" موقعة من رئيس شعبة الاستخبارات عام 2022.

يقول وائل صالح (42 سنة) الذي جاء أيضاً لزيارة زنزانته رقم تسعة، "جرموني بالإرهاب، حتى اللحظة أنا مجرم بالإرهاب". ويضيف الرجل فيما حدق بسجنه السابق، "كانت مأساة، حتى هذه اللحظة أتذكر الأيام التي كنا فيها هنا، كنا 103 أشخاص، كنا نقف نحن ونترك كبار السن ينامون".

المزيد من تقارير