يقدر المؤشر العالمي حول الأدوية والرعاية الصحية سوق الدواء في لبنان بنحو 1.4 مليار دولار سنوياً، مع تسجيل ارتفاع إلى نحو 2.21 مليار دولار في عام 2021، الأمر الذي برأي بعض المصادر الطبية فتح شهية بعد الدول المجاورة وأبرزها إيران للدخول إلى السوق اللبنانية من بوابة التأثير السياسي ورفع الدعم عن الدواء المستورد نتيجة الأزمة الاقتصادية، ما يتيح منافسة مريحة في فارق الأسعار بين الدواء الغربي والدواء الإيراني، في وقت تبحث طهران عن أسواق واعدة لمنتجاتها لمواجهة الحصار الأميركي والعالمي المفروض عليها.
وأسهمت الانهيارات المتتالية للقطاعات اللبنانية ومن ضمنها القطاع الصحي، فتح المجال لبعض الجهات استغلال الفوضى الحاصلة في القطاع، وفقدان عديد من الأدوية الرئيسة من الأسواق اللبنانية، واستدراج شركات من دول إقليمية لتغطية الفراغ في هذا القطاع.
ونتيجة لأزمة الدواء الحادة أعلن وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن عن خطة تمكّن الدولة من استيراد الأدوية من خارج البلاد، وإعطاء تصاريح لشركات خارجية لتصنيع الدواء محلياً، تحت إطار الترخيص الطارئ لاستيراد وتصنيع الدواء، الذي اعتمد سابقاً في مواجهة فيروس كورونا.
استيراد طارئ
وفي السياق قال حسن، إن الهدف من فتح باب الاستيراد الطارئ والتسجيل السريع لأنواع الأدوية المفقودة في السوق المحلي بموجب موافقة مسبقة من وزارة الصحة العامة، هو لمواجهة النقص الحاد الذي تعانيه السوق اللبنانية، محملاً تجار الأدوية مسؤولية استغلال الأزمة لتحقيق أرباح غير مشروعة.
وأوضح أن الاستيراد الطارئ وفتح المجال لدخول أنواع جديدة من الأدوية سيكون بالالتزام بالضوابط الفنية ومعايير الجودة المعتمدة، على أن يستكمل المستورد الوثائق المطلوبة خلال ثلاثة أشهر من تاريخ الاستيراد. مؤكداً أن هذا الإجراء الاستثنائي يهدف إلى مواجهة وتخطي التحدي الناجم من فقدان بعض الأدوية، مشدداً على أن دوائر وزارة الصحة العامة ستكون جاهزة لاستقبال طلبات الاستيراد، وأن آلية التسعير ستضمن جودة الدواء وفعاليته بسعر تنافسي، نافياً أن تكون الآلية محصورة فقط باستيراد الدواء الإيراني.
وأوضح حسن أن "طريقة التعاطي في موضوع الدواء وما يتعلق بصحة المواطن، يجب أن تكون شفافة بعيدة من التجاذب، والهجمة التي نتعرض لها ليست بريئة والسبب أن صحة المواطن ليست وجهة نظر، بل هي واجب تقدمه الدولة والحكومة بمؤسساتها المالية".
وقال مصدر في وزارة الصحة (رفض الكشف عن اسمه) إن التراخيص الطارئة الممنوحة للاستيراد كانت جاهزة واستحوذت على معظمها الشركات الإيرانية، مشيراً إلى أن تراخيص بعض الأدوية محلياً منح إلى شركات إيرانية من خلال شركائهم اللبنانيين، بهدف تغيير بلد المنشأ وتصديرها إلى الخارج على أنها صناعة لبنانية.
وأشار إلى أنه لا يوجد تجارب ودراسات جدية تثبت أن الدواء الإيراني صالح للاستهلاك البشري، موضحاً أن الأدوية تخضع لتجارب مخبرية دقيقة قبل تعميمها، في حين أن الأدوية الإيرانية كان لها سجل أسود أثناء تجربتها في بعض المحافظات العراقية، حيث سجلت تأثيرات خطيرة على بعض المرضى، إضافة إلى أن تلك الأدوية لم تحصل على موافقة منظمة الصحة العالمية.
حقل تجارب
من جانبه يشير وزير الصحة السابق غسان حاصباني، إلى أن القضية أبعد من تصدير الدواء الإيراني إلى لبنان، حيث "هناك سعي خبيث لتحويل البلاد إلى حقل تجارب سريرية على المرضى اللبنانيين، لتتمكن الشركات الإيرانية من استكمال دراساتها وملفاتها المطلوبة، بالتالي تمكنها من تسجيل أدويتها رسمياً وبيعها في البلدان الأخرى"، موضحاً أن "لبنان ليس أمام غزو للأدوية الإيرانية فحسب، بل هناك نوع من استخدام للواقع اللبناني، وللمعاملة الخاصة لهذه الأدوية، لكي يتم تحويل لبنان لحقل تجارب يُساعدها على تسجيل أدويتها لاحقاً في دول أخرى"، مشدداً على خطورة هذا الأمر على صحة المريض والقطاع الصحي بغياب الضوابط حول نوعية هذه الأدوية.
ويكشف حاصباني عن "مؤامرة دبرت بشكل ممنهج من قبل وزارة الصحة التي تركت فوضى استيراد الدواء قائمة"، ولم تسلم المصرف المركزي لائحة بالأدوية الأساسية لحصر الدعم فيها، واعتماد سياسة ترشيد الدعم منذ أكثر من سنتين بهدف استنزاف الأموال المخصصة لقطاع، إضافة إلى ترك مجال التهريب مفتوحاً ما أدى إلى خسارة ما يقارب المليار دولار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أن "التمهيد لانهيار الدعم كلياً كان فرصة مؤاتيه لفتح المجال أمام الاستيراد الاستثنائي للأدوية الذي يخضع لاستنسابية وزير الصحة، على الرغم من تشكيل الأخير لجنة مختصة لهذا الموضوع، لأن رأي اللجنة بالنتيجة هو استشاري فقط، بينما القرار في نهاية المطاف هو لوزير الصحة"، بالتالي الاستنسابية من قبل الوزير الذي ينتمي إلى "حزب الله"، "يفتح المجال أمام إدخال أدوية لجهات وشركات معيّنة تنتمي إلى الخلفية السياسية نفسها، مقابل عدم إدخالها لشركات وجهات أخرى".
تفكيك القطاع الصحي
وأضاف أن "هدف تمسك حزب الله بوازرة الصحة في الحكومات المتعاقبة لا يتوقف عند مشروع الأدوية الإيرانية، إنما ينسحب نحو التفكيك الممنهج لكل الأسس، التي اعتُمدت للشفافية ولضبط الإنفاق والإدارة في وزارة الصحة، خصوصاً في ما يتعلق بالمراقبة المستقلة على المستشفيات وما يتعلق بآليات تسعير الأدوية، وإنصاف الصيادلة وضبط الأسعار المرتفعة للأدوية"، مؤكداً أن كل تلك الآليات التي وضعت خلال توليه للوزارة قد ألغيت من قبل وزراء الحزب".
وبرأي حاصباني فإن "حزب الله اعتمد سياسة التفكيك الممنهج للحوكمة السليمة التي تم إنشاؤها في الوزارة سابقاً، حيث تمت إزاحة العقود مع شركات التدقيق المستقلة على فواتير المستشفيات، بالتالي فتح المجال للاستنسابية بتوقيع الفواتير ورفع السقوف المالية لمستشفيات مقربة من الحزب. إضافة إلى تجميد العمل بتمويل البنك الدولي لتطوير المستشفيات الحكومية ومراكز الرعاية الصحية الأولية. وإزاحة آلية تسعير الدواء وترشيد دعمه، وهو ما أدى إلى تفكيك ممنهج، وصولاً إلى تفكيك ملف الدعم".
تخريب النظام الصحي
من ناحيته يشير المدير الطبي في مركز الجامعة اللبنانية الأميركية الطبي الدكتور جورج غانم، إلى أن مشروع إدخال الأدوية الإيرانية إلى لبنان، انطلق منذ ما يقارب العامين، بطريقة ممنهجة من خلال تخطي القوانين التي تتحكم بإدخال أي دواء إلى لبنان. مؤكداً أنه تم تخطي جميع الهيئات الفنية التي يفترض أن تكشف عن الأدوية كافة قبل دخولها إلى لبنان، وتم إدخال أدوية تُعنى بالأمراض المستعصية مثل الأمراض السرطانية والدم، والروماتيزم، مشدداً على أن فتح الأبواب للأدوية الإيرانية كان مُخطط له منذ وقت طويل.
وأشار إلى "وجود خطة ممنهجة لتخريب النظام الصحي في لبنان، وضرب القوانين كافة، بهدف تحقيق المصالح الضيقة لفريق معين من اللبنانيين، يمكنّهم من السيطرة على القطاع الصحي في سياق استهداف القطاعات الناجحة في البلاد"، موضحاً أن "المشروع الإيراني سواء من ناحية الدواء أو السياسي، هو تخريبي بهدف السيطرة على لبنان وتحقيق الأرباح لمساعدة جماعتهم في لبنان"، مشدداً على أن الدواء الإيراني ليس البديل المناسب، ولا يشكل مشروعاً صحياً ناجحاً للبنان.
مشروع إيراني
وكشف أن السياسة المعتمدة تفتح المجال أمام استغلال وزارة الصحة لتمرير أدوية عبر "الخط العسكري للمشروع الإيراني"، مشيراً إلى أن التهريب لا يحصل فقط عبر الحدود، إنما داخل الإدارات الرسمية وعبر الحكومة اللبنانية ووزارة الصحة لتمرير أدوية إيرانية وغيرها.
ورأى غانم أن "سياسة فتح السوق اللبنانية أمام الأدوية الإيرانية ستنسحب أيضاً على استيراد المستلزمات الطبية غير الصحية، بحيث يتم تعمد خلق فراغات متتالية لتعبئتها لاحقاً بمواد وأدوية ومستلزمات ومعدات مشكوك بجودتها، عبر استيرادها من بلدان فاقدة للمرجعيات الدولية الشرعية".
ويلفت إلى أن هذا المشروع يؤكد وجود إصرار لضرب القطاع الصحي والعاملين فيه، من مستوردين أدوية ومستلزمات، مؤكداً أن "هذه الجماعات تسعى اليوم لتغيير النظام الاقتصادي للبنان من طريق خط الأدوية الإيرانية، لقلب الطاولة على المواطنين العاملين في هذا القطاع، وإدخال زمرة جديدة من الناس تابعة لهذا الخط".
ويعتبر غانم أن السبيل الأمثل لتنظيم قطاع الدواء في لبنان وخفض أسعاره على المواطنين، هو تشجيع الصناعة الوطنية التي تمثل حالياً بين 7 إلى 10 في المئة من الصناعة المحلية، حيث يمكن رفعها إلى 80 في المئة، الامر الذي يخفض كلفة الاستيراد وفتح فرص عمل جديدة.