ملخص
تعد الصحراء الكبرى بحكم اتساعها واحدة من أخطر المسالك على الإطلاق، وهو ما يظهر في عدد حالات الموت عطشاً بالنسبة إلى المهاجرين الذين غالباً ما تتركهم جماعات تهريب البشر يواجهون مصيرهم، وهذه الطبيعة القاسية تجعل العيش غير ممكن في المناطق القاحلة، وتصبح النجاة من هذه الظروف أقرب إلى المعجزة منها إلى الواقع.
تعد الصحراء الجزائرية واحدة من أكثر البيئات قسوة في العالم، إذ تمتد كثبانها الرملية الشاسعة والغور العميق كتحد كبير للمسافرين والباحثين عن المغامرات أو المستكشفين، ففي هذه البيئة الصعبة يضيع كثير من الأشخاص، سواء كانوا مهاجرين أو سياحاً أو حتى أفراداً محليين ليختفوا بين الرمال، ومنهم من يعثر عليه وبعضهم يختفي إلى الأبد.
مسالك قاتلة
وتمثل مساحة الصحراء في الجزائر أكثر من 80 في المئة من المساحة الإجمالية للبلاد، وتُعتبر من أكثر المناطق الصحراوية في العالم سخونة، وهي واحدة من أكبر الصحاري في العالم وجزء من الصحراء الكبرى التي تغطي معظم شمال أفريقيا، وتتسم بمساحاتها الشاسعة والمفتوحة التي تضم مناطق متنوعة بين الكثبان الرملية الضخمة والسهول الحصوية والأودية الجافة والهضاب الجبلية.
ويعد الجنوب الجزائري من أكثر الأماكن حرارة في العالم حيث يسجل درجات مرتفعة للغاية تتجاوز 50 درجة مئوية في بعض الأحيان، كما حدث في ولاية أدرار التي سجلت أعلى درجة حرارة في العالم خلال صيف العام الحالي.
وبحسب تصنيفات مراكز الرصد الجوي العالمية فإن الصحراء الجزائرية تأتي ضمن 10 مناطق التي سجلت فيها درجات حرارة قياسية وصلت إلى 49.5 درجة في الظل، حيث احتلت منطقة أدرار المرتبة الأولى عالمياً بـ 49.5، وفي المرتبة الثالثة منطقة إن صالح بـ 48.8 درجة، ومنطقة تيميمون في المرتبة الرابعة بـ 48.7 درجة، ومنطقة ورقلة في المرتبة الخامسة بـ 48.6 درجة، فيما احتلت منطقة حاسي مسعود المرتبة الثامنة بـ 48.2 درجة، ومنطقة بني عباس المرتبة الـ 10 بـ 48.1 درجة.
وتعد الصحراء الكبرى بحكم اتساعها واحدة من أخطر المسالك على الإطلاق، وهو ما يظهر في عدد حالات الموت عطشاً بالنسبة إلى المهاجرين الذين غالباً ما تتركهم جماعات تهريب البشر يواجهون مصيرهم، وهذه الطبيعة القاسية تجعل العيش غير ممكن في المناطق القاحلة، وتصبح النجاة من هذه الظروف أقرب إلى المعجزة منها إلى الواقع، ولا تزال قصص البحث عن التائهين في أعماق الصحراء الجزائرية تروى على الألسن، سواء على المستوى المحلي أو حتى خارج البلاد، بعد أن ابتلعت الفيافي الخالية عشرات الأشخاص ومن بينهم أبناء المنطقة وأجانب ذهبوا من دون رجعة لأهلهم وذويهم.
وبحسب تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة، ومجموعة أبحاث مركز الهجرة المختلطة فإن المهاجرين الذين يسلكون الطرق البرية عبر أفريقيا يواجهون خطر الموت أو التعرض للعنف بصورة أكبر، مقارنة بالمهاجرين الذين يسلكون الطرق البحرية.
وأشارت التقديرات إلى أن الطرق البرية في أفريقيا، وهي أكثر فتكاً بمقدار الضعف، مقارنة بالمسارات البحرية عبر البحر الأبيض المتوسط الذي يعد الطريق البحري الأكثر فتكاً بالمهاجرين في العالم.
وعلى رغم أن المسؤولين عن إعداد التقرير يعترفون بمحدودية إحصاءاتهم في شأن الطرق البرية بسبب نقص البيانات، لكن التقديرات تشير إلى أن آلاف يموتون عليها كل عام.
قصص مرعبة
ويروي مؤسس جمعية النجدة "غوث" للبحث والإنقاذ بولاية تقرت (660 كيلومتراً جنوب شرق الجزائر) عبدالقادر كيحل كثيراً من القصص التي تصف الظروف العصيبة التي مر بها المفقودون في الصحراء قبل العثور عليهم، أو الذين سبق الموت فرق البحث إليهم.
ويقول كيحل لـ "اندبندنت عربية" إن "ساعات معدودات من الضياع داخل الصحراء كافية لإنهاء حياة الإنسان وتجعله يعاني الويلات إن لم تسعفه فرق البحث والإنقاذ في الوقت المناسب".
وعاد بنا محدثنا لتفاصيل فاجعة وفاة 12 مواطناً سورياً واثنين من مرافقيهم الجزائريين بعدما تاهوا في الصحراء بولاية إليزي الحدودية مع ليبيا جنوب شرقي البلاد في يوليو (تموز) 2024، إذ شارك شخصياً رفقة أعضاء من الجمعية في عمليات البحث.
يضيف كيحل أنه "في حدود منتصف الليل تلقيت اتصالاً من شقيقة أحد المفقودين في منطقة الدبداب الحدودية مع ليبيا تطلب المساعدة في البحث عن أخيها الذي لم يعد إلى المنزل، فأخبرتها أن تتصل بمصالح الدرك أو الجمعيات في ولاية ورقلة، كما أنني هاتفت مصالح الدرك في حاسي مسعود وأبلغت بالحادثة"، ويتابع أنه "بعد الاستعدادات والتنسيق مع المصالح المعنية من الدرك والجيش والحماية المدنية، أطلقت عملية بحث واسعة لإنقاذ الرعايا السوريين ومرافقيهم من الجزائريين، وبعد يومين من البحث عثر على جثث السوريين وتحديد هوياتهم وتحويل الجثامين إلى مصلحة حفظ الجثث بمستشفى برج عمر إدريس، شمال ولاية إيليزي".
ويفيد عبدالقادر كيحل بأنه وأعضاء الجمعية واصلوا البحث عن بقية المفقودين، "درسنا المنطقة جيداً وباشرنا البحث عن شخصين أحدهما سوري ويدعى حسين العبدالله، كانا ضمن المجموعة، حيث جُند 30 متطوعاً وكثير من السيارات الرباعية والمعدات الضرورية للعملية، وبعدما نال التعب من المجموعة وأوشك الجميع على الاستسلام قررت رفقة بعض الرفقاء الترجل والقيام بعملية البحث مشياً على الأقدام ليعثر أثناءها على جثة مرافق جزائري أمام شجرة على بعد ستة كيلومترات من موقع وفاة الرعايا السوريين".
ويقول المتحدث ذاته إن فريق بحث مكون من 35 شخصاً استأنف العملية بعد التقاط الأنفاس بأيام قليلة بواسطة طائرات شراعية وأجهزة متطورة لرصد أية حركة وذلك لمدة سبعة أيام متواصلة لكن من دون جدوى، ليبقى السوري حسين العبد الله مفقوداً إلى يومنا هذا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أغرب القصص
ومن أغرب القصص، بحسب محدثنا، فقدان شخص يعمل في منطقة الدبداب، وقد استمر البحث عنه 42 مرة من طرف فرق للبحث من دون أن تتمكن من العثور عليه وذلك لمدة 14 شهراً، ليعثر على جثته من طرف رعاة الإبل أثناء تنظيمهم حفلة شواء في الصحراء على بعد 10 كيلومترات فقط غرب منطقة تقرت.
ويلفت عبدالقادر كيحل بتأثر إلى إن "أقوى اللحظات التي أعيشها في عملية البحث هي لحظة إسعاف المفقود وهو بين الحياة والموت، حينها تختلط علي المشاعر وأعرف قيمة إنقاذ حياة إنسان كان قاب قوسين أو أدنى من الهلاك". وحول أسباب وفاة المفقودين في الصحراء يقول كيحل إنها ترتبط بجفاف جسم الإنسان بفعل الحرارة المرتفعة نهاراً والبرد القارس ليلاً، إذ يعاني الشخص الأمرين ويتوقف عن المقاومة بعد مرور أيام قليلة فقط.
ويشير محدثنا إلى أن جمعية "غوث" للبحث والإنقاذ تضم متطوعين ينشطون في مختلف الفروع عبر 18 ولاية بها مقتفو الآثار والدراجين وكلاب الشم، كما أنها تنسق باستمرار مع المصالح الأمنية والجيش والحماية المدنية لتغطية أكبر مساحة ممكنة في الصحراء.
وعلى رغم هذه الجهود فإن أفراد الجمعية يعانون ضعف الإمكانات، إذ يضطرون أحياناً إلى استخدام سياراتهم الخاصة لنقل جثث الموتى عبر الصحراء مما يشكل تحدياً إضافياً بسبب الروائح وصعوبة الوصول، ومن أبرز مطالبهم توفير سيارات إسعاف مجهزة ووسائل إنقاذ أفضل لضمان استمرار عملهم المهم في إنقاذ المفقودين في واحدة من أخطر البيئات في العالم.
مخطط طوارئ
ومنذ تسعة أعوام اعتمدت قيادة "الجيش الوطني الشعبي" بالتنسيق مع الدرك الوطني مخططاً خاصاً للبحث والإنقاذ بهدف إنقاذ الأشخاص التائهين في الصحراء الجزائرية، وأثبت هذا المخطط نجاحه في إنقاذ حياة عشرات الأفراد الذين ضاعوا في صحراء الجزائر، إذ تراوح فترات البحث ما بين 12 و 72 ساعة، وقد تتطلب بعض الحالات عمليات بحث معقدة وصعبة في ظروف جوية قاسية.
ويبدأ العمل الرسمي بالمخطط الأمني لإنقاذ الأشخاص التائهين في بداية مايو (أيار) ويستمر حتى بداية نوفمبر (تشرين الثاني) كل عام، نظراً إلى ارتفاع درجات الحرارة في مناطق الجنوب الجزائري خلال فصل الصيف، إذ يتضمن المخطط إجراءات وقائية عدة تهدف إلى تقليل حوادث التيه وضمان سرعة الاستجابة لحالات الطوارئ.
ويتضمن المخطط تأمين الدعم اللوجستي والتقني، ويعتمد على فرق بحث مدربة تستخدم المعدات الحديثة في عمليات الإنقاذ مما يسهم في تقليص الخطر الذي يواجهه الأشخاص الضائعون في الصحراء.