كشفت مؤسّسة إعلامية أن ديفيد كاميرون رئيس الوزراء الأسبق في المملكة المتّحدة، عقد اجتماعاً مع ناظم الزهاوي الوزير البريطاني المسؤول عن نشر اللقاحات المضادة لـ "كوفيد"، بحضور ممثّلين عن شركة صحّية خاصّة، نصح كاميرون بالتعامل معها، وذلك قبل شهرين من فوز الشركة الأميركية نفسها بعقودٍ عامّة، تصل قيمتها إلى 870 ألف جنيه استرليني (مليون و209 آلاف دولار أميركي).
هذا اللقاء الذي تحدّثت عنه منظّمة "أوبن ديمكراسي" Open Democracy (مؤسّسة إعلامية تضع تقارير اجتماعية وسياسية تتعلّق بممارسات السلطات حول العالم، وتشجّع على النقاش الديمقراطي)، هو مدرجٌ في سجلات الشفافية الرسمية للحكومة البريطانية، على أنه عقدٌ بين كلٍّ من الوزير الزهاوي والسيد كاميرون وشركة "إيلومينا" Illumina (تتولّى تطوير وتصنيع أدوات علوم الحياة وأنظمة متكاملة لتحليل التباين الجيني) في مطلع مارس من عام 2021، "بهدف مناقشة تسلسل الجينوميّات في المملكة المتّحدة".
وقد تمّ في التاسع والعشرين من أبريل (نيسان) أي بعد الاجتماع بفترةٍ وجيزة، منحُ شركة "إيلومينا كيمبريدج ليمتد" Illumina Cambridge Ltd عقداً من جانب "هيئة الصحّة العامّة في إنجلترا" Public Health England ، بقيمة697788 جنيهاً استرلينياً (969925 دولاراً)، لتزويد الهيئة بمعدّات طبّية وأدوية ومنتجات العناية الشخصية وأدوات للمختبرات والاستخدامات البصرية والدقيقة. وبعد أسبوع من توقيع العقد في السابع من مايو (أيار)، تمّ منح الشركة نفسها عقداً ثانياً من "هيئة الصحّة العامّة في إنجلترا" بقيمةٍ تتفاوت ما بين34,564 جنيهاً استرلينياً (48 ألف دولار) و172824 جنيهاً استرلينياً (240 ألف دولار) لقاء تزويدها بمجموعةٍ مماثلة من الإمدادات.
إلا أن متحدّثاً باسم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق أصرّ على الإشارة إلى أن كاميرون لم يمارس على الإطلاق أيّ ضغوطٍ على الحكومة لمصلحة شركة "إيلومينا"، في حين أكّدت وزارة الصحّة والرعاية الاجتماعية، أن لقاء مطلع شهر مارس (آذار) "لم يتطرّق بأيّ حالٍ من الأحوال إلى العقود الحكومية".
تجدر الإشارة إلى أن ديفيد كاميرون كان قد عُيّن مستشاراً في شركة "إيلومينا" في عام 2018. وأثناء تقديمه طلباً للحصول على إذنٍ لتولّي هذا الدور، أبلغ "اللجنة الاستشارية للتعيينات في المؤسّسات التجارية" Advisory Committee on Business Appointments (ACOBA) (هيئة مستقلّة تقدّم النصح لكبار المسؤولين والوزراء بشأن ما إذا كانت الوظائف التي يتولّونها بعد تركهم العمل الرسمي تتوافق وقواعد تعيينات الأعمال) بأنه سيتقاضى أجراً لقاء عمله مع الشركة ما بين يومين وثلاثة أيام في الشهر.
وأكّد كاميرون في المقابل أن دوره يشمل مساعدة شركة "إيلومينا" على التعامل مع حكوماتٍ أجنبية وأصحاب المصلحة، خصوصاً مع توسيع الشركة نطاق أعمالها ليشمل بلداناً أخرى، كما يُتوقّع منه في إطار هذا الدور، أن يقدّم "مشورةً استراتيجية، ومساعدةً في تطوير الأعمال، لا سيما على مستوى دولي، إضافةً إلى أداء واجباتٍ أخرى، وفقاً لما يطلبه منه مجلس الإدارة، ضمن حدود معقولة".
وفي المقابل، أبلغ كاميرون "اللجنة الاستشارية للتعيينات في المؤسّسات التجارية" بأنه لن يضطلع بأيّ دورٍ في المفاوضات على العقود ما بين شركة "إيلومينا" و"وزارة الصحّة والرعاية الاجتماعية، أو شركة "جينوميكس إنغلاند"Genomics England ، وهي شركة مملوكة من وزارة الصحّة كان كاميرون قد أنشأها عندما كان رئيساً للوزراء في عام 2013.
أما "اللجنة الاستشارية للتعيينات في المؤسّسات التجارية"، فأوضحت من جهتها أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق أكّد لها أنه في حين أن دوره قد يشمل إجراء "بعض الاتّصالات المحدودة مع وزراء في الحكومة من وقتٍ إلى آخر"، إلا أنه "لن يقدم على ممارسة أيّ ضغوط على الوزراء أو على حكومة المملكة المتّحدة بأيّ شكلٍ من الأشكال، لمصلحة شركة "إيلومينا" أو شركائها".
ويأتي الكشف عن الاجتماع (ما بين الوزير الزهاوي وكاميرون وشركة "إيلومينا") بعد وقتٍ قصير من توصّل تحقيقٍ أجراه البرلمان البريطاني، إلى أن ديفيد كاميرون "افتقر إلى حسن التقدير" خلال مساعيه الضاغطة لحشد الوزراء في الحكومة بالنيابة عن شركة التمويل "غرينسيل كابيتال" Greensill Capital، التي كانت تسعى إلى الاستفادة من خطط الدعم التي قدّمتها وزارة الخزانة البريطانية للمؤسّسات، خلال فترة تفشّي فيروس "كورونا" في عام 2020.
وفي تصريح لموقع "أوبن ديمكراسي"، وصفت نائبة زعيم حزب "العمّال" البريطاني المعارض أنجيلا راينر سلوك ديفيد كاميرون بأنه "خير دليل على أن القواعد التي من المفترض أن تنظّم حملات الضغط لكسب التأييد، هي غير مناسبة لتحقيق الغاية المنشودة، وتحتاج إلى إصلاحٍ جذري وعاجل".
وأضافت راينر: "يبدو أنه لا يوجد أحدٌ في الحكومة البريطانية، لم يمارِس عليه رئيس الوزراء الأسبق ضغطاً، في محاولةٍ منه لتحقيق الثراء لنفسه ولعملائه خلال هذا الوباء".
إلا أن متحدّثاً بإسم وزارة الصحّة والرعاية الاجتماعية أكّد أن "الاجتماع لم يكن مرتبطاً بأيّ شكلٍ من الأشكال بالعقود الحكومية، ولم تتمّ في خلاله مناقشة أيّ منها". وأشار إلى أنه في العادة "يُجرى تطبيق إجراءات العناية الواجبة المناسبة في ما يتعلّق بجميع العقود الحكومية، ونقوم بأخذ هذه التدقيقات على محمل الجد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونفى متحدّث باسم رئيس الوزراء الأسبق أن يكون "ديفيد كاميرون قد ضغط بأيّ شكلٍ من الأشكال على حكومة المملكة المتّحدة لمصلحة شركة "إيلومينا"، أو أن يكون قد ناقش أيّ عقودٍ أو شروطٍ تجارية لحسابها". وأوضح أن كاميرون "أجرى مكالمةً عبر تطبيق "زوم" مع ناظم الزهاوي في شهر مارس (آذار)، بناءً على اقتراح الوزير، على أثر مراقبته لتطوّر الوباء على المستوى العالمي، بما في ذلك الدور الذي يضطلع به التسلسل الجيني".
وقال الناطق إن "الهدف من الاجتماع كان معرفة المزيد عن تعهّد الحكومة بتقديم خبراتها في الجينوميّات للبلدان الفقيرة، من أجل مساعدتها على تحديد أنواع جديدة من فيروس "كوفيد–19"، ولم ينطوِ اللقاء على طلب حشد أيّ ضغوط، كما لم يتمّ التطرّق إلى أيّ حديثٍ عن عقود حكومية".
أما شركة "إيلومينا" فأكّدت بلسان متحدّث باسمها أنها "تتّبع دائماً المسار الصحيح والضروري في مفاوضاتها مع العملاء"، وقالت: "عملنا مع شركة "جينوميكس إنغلاند" منذ عام 2013، عندما فزنا بمناقصة تنافسية على عقدٍ بقيمة 78 مليون جنيه استرليني (108 ملايين دولار) لتنفيذ "مشروع 100 ألف جينوم" 100,000 Genomes Project (استهدف ترتيب جينومات نحو 85 ألف مريض مصابين بالسرطان أو بأمراض نادرة)، وقد اختارت شركة "جينوميكس إنغلاند" منشآتنا في كيمبريدج، المعتمدة من "المنظّمة الدولية للمقاييس" ISO، باعتبارها الأنسب في المملكة المتّحدة من حيث القدرة على تطبيق هذا البرنامج المتقدّم في مجال الجينومات".
وختم الناطق باسم شركة "إيلومينا" قائلاً إن "غالبية مهمّات ديفيد كاميرون مع شركتنا، كانت خارج المملكة المتّحدة، وتركّزت على تقديم أفضل الممارسات البريطانية المعتمدة في مجال الجينومات لدولٍ أخرى".
© The Independent