تدخل ديفيد كاميرون شخصياً لمنع خفض التمويل لمشروع يحمل إرثه على الرغم من المراجعات التي أظهرت أن المنظمة الشبابية كانت تفشل في تلبية المستهدفات، حتى بعد تلقي مبالغ ضخمة، وفق مصدر كبير في الإدارة العامة.
وتبين الشهر الماضي أن هيئة "خدمة المواطنين الوطنية"، التي أسسها السيد كاميرون عام 2011 لإدارة برامج صيفية لمن تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عاماً، تلقت تمويلاً بقيمة 1.3 مليار جنيه استرليني (1.8 مليار دولار) على مدى العقد الماضي من الزمن، على الرغم من فشلها في تلبية الأهداف الحكومية.
والآن، يقول أحد مسربي المعلومات، الذي عمل على مستوى عالٍ داخل الإدارة العامة، إن الرئيس التنفيذي لـ"خدمة المواطنين الوطنية"، مايكل ليناس، وسعه "الوصول إلى حد مدهش" إلى رئاسة الوزراء عندما كان السيد كاميرون في السلطة، وهذا عنى، كما يزعم، أن الخطط الإدارية التفصيلية والمعللة لخفض التمويل المقدم إلى المنظمة "أفشلها في شكل مستمر" السيد ليناس بالذهاب إلى مقر رئاسة الوزراء للحصول على دعم السيد كاميرون من أجل رفض أي تخفيضات.
والسيد كاميرون في دائرة الضوء في شأن "غرينسيل كابيتال"، التي عمل مستشاراً لها، ومسعاه إلى ضم شركة التمويل إلى برنامج للقروض والمساعدات في مواجهة كوفيد. وهذا الأسبوع، أعلن عن تحقيقات في ممارسة الضغط على خلفية هذا الكشف، في حين أبلغ موظفو الخدمة المدنية بضرورة الإعلان عن أي وظائف أخرى يتولونها في القطاع الخاص.
وكشفت "اندبندنت" الشهر الماضي عن أن "خدمة المواطنين الوطنية"، التي لا يزال السيد كاميرون يرأس مجلس رعاتها، تنال حالياً أكثر من 90 في المئة من ميزانية قطاع الشباب، على الرغم من أنها قد تواجه الآن وقفاً جزئياً أو كاملاً للتمويل. وكان السيد ليناس، وهو أرستقراطي على غرار السيد كاميرون، وعمل سابقاً في وحدة السياسات بمقر رئاسة الوزراء، قد غادر منصبه في فبراير (شباط) 2020.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال المصدر الذي لم يعد يعمل في الحكومة: "منذ أن شاركت في الموضوع، أثارت مسألة خدمة المواطنين الوطنية قلقي. وظننت بأن فضيحة كبرى كانت قيد التشكل ما لم نضع حداً لما يجري. كانت المنظمة تتلقى تمويلاً ضخماً من دون داعٍ يعتد به، أو تخضع لما يكفي على الأقل من المحاسبة. وحاولنا تغيير الأمر، لكن كلما سعينا إلى لجمها، كان السيد ليناس يهرع إلى مقر رئاسة الوزراء وكانت جهودنا تحبط. ومن بين المنظمات كلها التي عملنا معها، كانت هيئة خدمة المواطنين الوطنية الأسوأ والأكثر تحايلاً بأشواط".
وأضاف، "كانت معركة مستمرة. كلما حاولنا تطبيق إجراءات مناسبة لتحقيق ضبط أكبر، كان السيد ليناس يذهب مباشرة إلى مقر رئاسة الوزراء ويبطل إجراءاتنا. ومرة قصدنا جيريمي هايوود [وزير شؤون مجلس الوزراء] وقلنا: هذا جنون ويجب أن يتوقف. ووافق السيد هايوود، لكن السيد كاميرون كان صاحب القول الفصل".
وأفادت الرسالة الواضحة وغير الملتبسة التي كانت تصدر عن رئاسة الوزراء بأن "خدمة المواطنين الوطنية كانت لا تمس"، على حد زعم المصدر... "وكلما طرحنا أسئلة صعبة، كان كبار المسؤولين فيها يقولون: لماذا لا تساندون خدمة المواطنين الوطنية؟. وكانت المنظمة الرئيسة لدى "المجتمع الكبير" الذي أيده السيد كاميرون، وكان يتوق إلى إنجاحها. كنا نغدق المال حرفياً على المنظمة، لكن السيد كاميرون لم يهتم بشكل خاص بتقديم مقابل قيم. كانت مهمتنا تتلخص في الاستمرار في منحها مزيداً من المال إلى أن تنجح".
وتتبع "خدمة المواطنين الوطنية" مكتب المجتمع المدني، وتولى خمسة وزراء على الأقل مراقبتها منذ إنشائها. وأشرف نيك هورد على "خدمة المواطنين الوطنية" بين عامي 2010 و2014، ثم انتقل الإشراف إلى روب ويلسون (2014-2017) وترايسي كراوتش (2017-2018) وميمس ديفيس (2018-2019) قبل أن يصل إلى البارونة باران، وزيرة الدولة المساعدة للشؤون البرلمانية في يوليو (تموز) 2019. وكان مكتب دائرة شؤون المجتمع المدني يقع في مكتب شؤون مجلس الوزراء قبل أن ينتقل عام 2016 إلى وزارة التكنولوجيا الرقمية والثقافة والإعلام والرياضة التي يتولاها حالياً أوليفر دودن.
وقال المصدر في الإدارة العامة: "بمجرد تعيين وزير جديد، تبرز "خدمة المواطنين الوطنية" في وجهه، فتمارس الضغط بقوة، وتوضح خط وصولها [نفوذها] المباشر إلى رئاسة الوزراء". ولا تتوفر أي إشارة إلى خطاً ارتكبه السيد ليناس.
ومن بين المخاوف الكبرى – التي أثارتها علناً السيدة كراوتش وعلى المستوى الداخلي العديد من وزراء الدولة الآخرين – ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، إنفاق "خدمة المواطنين الوطنية" ملايين من الجنيهات على آلاف من الشباب الذين "يسجلون" في البرنامج، لكنهم لا "يأتون" على الإطلاق، بتكلفة مقدرة بـ25 مليون جنيه من أموال دافعي الضرائب خلال السنوات الثلاث الأخيرة فقط.
ويظهر التقرير السنوي الأخير لـ"خدمة المواطنين الوطنية" أن برنامجها لعام 2019-2020 أخفق في التزام أي من معايير مؤشرات الأداء الرئيسة الخاصة به في ما يتعلق بالتماسك الاجتماعي، والتنقل الاجتماعي، والقيادة، والمشاركة المدنية، لكن في الماضي حققت بعض مستهدفات مؤشرات الأداء الرئيسة، واستخدمتها "خدمة المواطنين الوطنية" للضغط بقوة في ترجيح كفة قضيتها والحاجة إليها في "بناء ثقة الشباب".
كيف كانت النظرة إلى "خدمة المواطنين الوطنية" في ذلك الوقت؟ قال المصدر: "لكي نكون صريحين، كنا غير مرتابين في تلك التقارير. كانت البحوث تجرى بتكليف داخلي وفي مقابل أتعاب مسددة داخلياً، لذلك بدا قليلاً أن "خدمة المواطنين الوطنية" كانت تقوم بعملها. وكان من الواضح أن بعض الأطفال استفادوا حقاً من نظام "خدمة المواطنين الوطنية"، لكن الهيئة كانت غير مكتملة إلى حد رهيب، وكانت هزيلة بالنسبة إلى بعض الأطفال".
والواقع أن "كانتار"، شركة البحوث المستقلة التي كلفتها وزارة التكنولوجيا الرقمية والثقافة والإعلام والرياضة قياس مؤشرات الأداء الرئيسة لأثر البرنامج، أبلغت "اندبندنت" بأن استطلاعات التقييم الخاصة بـ"خدمة المواطنين الوطنية" استندت إلى "الشباب الذين يكملون البرنامج فقط"، واستبعدت الشباب الذين يلتحقون بالبرنامج، لكنهم يعبرون عن استيائهم بأن يغادروه قبل انتهائه، أي إن النتائج نفسها التي أظهرت عدم تحقيق مؤشرات الأداء الرئيسة كانت تميل لصالح "خدمة المواطنين الوطنية".
ولم يرد ديفيد كاميرون على طلبات للتعليق، في حين رفضت "خدمة المواطنين الوطنية" التعليق. وقال السيد ليناس: "في ظل قيادتي التي دامت عقداً من الزمن لـ"خدمة المواطنين الوطنية" قمت بالأمور الصحيحة على النحو الصحيح، وأفتخر بأنني وسعت البرنامج لجمع 600 ألف شاب من خلفيات مختلفة في سبيل هدف مشترك، فحققت 3.49 جنيه كعوائد اجتماعية عن كل جنيه أنفق وعززت الالتحاق بالجامعات بنسبة 50 في المئة بين الشباب الأكثر حرماناً".
لكن التقرير الذي يعتمد عليه السيد ليناس في زعمه بأنه "عزز [نسبة] الالتحاق بالجامعات" يعود إلى ست سنوات خلت. ويتناقض زعمه في شأن القيمة في مقابل المال في شكل صارخ مع تقرير صادر عن المكتب الوطني لتدقيق الحسابات أشار إلى أن "خدمة المواطنين الوطنية" – التي تكلف ألفاً و700 جنيه لكل مشارك – تقدم القليل مقابل مال دافعي الضرائب.
© The Independent