شهد الأسبوع الأول من شهر رمضان المبارك 6 جرائم قتل مروعة في الأردن، ما أثار تساؤلاً حول سبب ارتفاع عدد الجرائم في الشهر الفضيل تحديداً. وقُتل في اليوم الأول من رمضان، شاب على يد قريبه في العاصمة الأردنية عمّان، وأعقبت ذلك أعمال شغب وتخريب توفي على أثرها شاب آخر بعد اختناقه بدخان منزل أحرقه غاضبون. وتوالت بعد ذلك جرائم القتل، فقتل شاب أخاه وقُتل شاب آخر على يد والده في مدينة المفرق شمال الأردن وسقط ثالث في مشاجرة جماعية، لكن أكثر الجرائم التي أثارت غضب الأردنيين كانت تلك التي راحت ضحيتها طفلة لم يتجاوز عمرها الثلاث سنوات بعدما قُتلت ضرباً على يد زوجة أبيها.
رمضان بريء من الجرائم
ويرى الدكتور حسين محادين المتخصص في علم الجريمة أن "خلفيات المشاكل وجذورها لا تنقطع في رمضان، بالتالي فهي امتداد طبيعي للسلوك العدواني طوال الوقت"، مشيراً إلى أن أغلب الجرائم التي تحدث في رمضان عائلية أو مناطقية بامتياز، ما يعني وجود عوامل محفزة للصدام أو اقتراف الجرائم. ويصر محادين على أن "لا علاقة للجرائم بالشهر الفضيل. وثمة سمات لمرتكبي هذه الجرائم لا ترتبط علمياً ودينياً بشهر رمضان"، خصوصاً أن "الفعل الجرمي القصدي يحتاج إلى مقدمات ومحفزات حتى يكتمل".
"تبعات الربيع العربي"
ورأى الطبيب النفسي أشرف الصالحي، أن الجرائم الأخيرة "تظهر تغيراً نوعياً بطريقة تفكير المجتمع، وتعكس زيادة منسوب ثقافة الكراهية وغياب الأخلاق والدين". وأضاف الصالحي أن "المجتمع أصبح يرضخ لثقافة عدم استقرار المنطقة، من حيث تأثر المنطقة بالصراعات وتبعات الربيع العربي وعدم الشعور بالأمان اليومي. وأصبحت مناظر القتل عادية للعين ومستسهَلة، فضلاً عن تأثير الوضع الاقتصادي المتردي للمواطن الأردني في مزاجه وسلوكه".
جرائم النساء "أكثر بشاعة"
من جهة أخرى، أكد مستشار الطب الشرعي هاني جهشان أن "جرائم القتل داخل الأسرة تشكل ثلث الجرائم. وأكثر الأدوات شيوعاً لارتكاب جرائم القتل هي الأسلحة النارية يليها الطعن والذبح". ولفت جهشان إلى نسبة الجرائم المرتكبة على يد نساء في العقد الأخير، إذ بلغت نحو 6.5 في المئة، مشيراً إلى أن جرائم النساء "تكون أعنف وأبشع من جرائم الرجال". وعلى الرغم من الزيادة اللافتة في عدد الجرائم ونوعيتها، يصر جهشان على أن نسبة جرائم القتل في الأردن منخفضة فهي لا تتجاوز 2.6 لكل مئة ألف من السكان، في العام الواحد، مقارنةً مع النسبة العالمية وهي 7.2 لكل مئة ألف في العام.
الجرائم العائلية تحول سلوكي مقلق
ويزخر تاريخ الأردن بقصص جرائم القتل المروعة والقاسية والبشعة، التي تركت علامة فارقة في أذهان الأردنيين، فلا تزال جريمة "أبو شاكوش" والجرائم المتسلسلة للزوجين "سوزان وبلال" ماثلة في ذاكرة المجتمع الأردني، لكن السنوات الماضية حملت في طياتها جرائم قتل فظيعة من حيث طريقة وأسباب ارتكابها، ما يدل على تحول سلوكي مقلق للمجتمع الأردني وفق خبراء ومختصين. فما الذي يدفع أماً لقتل أطفالها الثلاثة وهم نيام، وكيف ينهي شاب حياة خطيبته بدلاً من ترتيب إجراءات الزواج؟ وما هي الأسباب التي تدفع شاباً إلى قطع رأس والدته؟ وفي الذاكرة الأردنية أيضاً، أكبر جريمة عائلية عُرفت بقضية "سعيد القشاش"، الذي أردى عائلته البالغ عدد أفرادها 12 فرداً في يوم واحد، والقائمة تطول. ويطلق الخبراء الاجتماعيون والمراقبون تسمية الجرائم التي حدثت أخيراً في الأردن بالجرائم العائلية، فالقاسم المشترك بينها هو أنها طاولت أحد أفراد العائلة من قبل آخرين من أسرته.
الثأر... ومليون قطعة سلاح
في سياق متصل، تحدثت الإعلامية الأردنية إيمان العكور عن عودة ظاهرة "الثأر" إلى الواجهة مجدداً بعد غياب، معتبرةً أنها إحدى أخطر الملفات المسكوت عنها في الأردن، فضلاً عن انتشار السلاح في المملكة على نحو مقلق، بخاصة السلاح غير المرخص.
ووفقاً لإحصاءات صادرة عن وزارة الداخلية، فإن عدد قِطع السلاح المرخصة في الأردن يزيد على 300 ألف قطعة، حتى عام 2015، في حين يُقدَّر عدد المحلات التي تبيع الأسلحة بـ95 محلاً ومؤسسة مرخصة، بينما يقدّر مراقبون عدد قطع السلاح بين أيدي الأردنيين بنحو مليون قطعة سلاح. وهي أرقام تؤكدها دراسة ميدانية أجرتها الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، بيّنت أن نحو 24 في المئة من المواطنين يملكون أسلحة نارية ورشاشة.