Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شجرة العيد في روسيا: من المنع إلى التطويع الثقافي

بعد الثورة البلشفية منعت زينة الشجرة الدينية التقليدية واستبدلت أخرى بها ذات طابع ثوري لكن السلطات ما لبثت أن حظرت العيد بأكمله

احتفال بعيد رأس السنة في قصر الكرملين، 30 ديسمبر 1970 (أرشيف مدينة موسكو الرئيس)

ملخص

تاريخ شجرة الميلاد في روسيا يعكس التحولات الاجتماعية والسياسية التي مرت بها البلاد. من احتفال أجنبي إلى تقليد ديني مضطهد إلى رمز لمناسبة وطنية، أصبحت الشجرة مثالاً حياً على كيفية تطويع التقاليد لتتلاءم مع السياقات الثقافية والسياسية المختلفة

ليس من السهل فوراً التنبه أن رفع وتزيين الأشجار التنوب أو الشوح في روسيا اليوم لا يرتبط بمناسبة الاحتفال بمولد المسيح الذي يصادف هناك السابع من يناير (كانون الثاني) إنما للاحتفال بنهاية العام وقدوم السنة الجديدة. والحقيقة أن شجرة الميلاد، التي أصبحت رمزاً لاحتفالات السنة الجديدة مرت بمسار طويل من الجدل والتطور السياسي والاجتماعي يفسر هذا التحول.

تقليد ألماني في أرض روسية

منذ صغره، تأثر بطرس الأكبر، القيصر الروسي الذي سيعمل على تحويل مملكته إلى إمبراطورية، بكل شيء غربي وتحديداً ألماني، ربما بسبب تسكعه الدائم في الحي الألماني في موسكو، إذ دار على حانات التجار وتعلم وأحب عادات وطباع هؤلاء الأوروبيين. لذلك حين بدأ بتشييد عاصمته الجديدة سانت بطرسبورغ (ومنحها اسماً على وزن ألماني) أمر بتزيين أشجار التنوب في الساحات للاحتفال بالميلاد والعام الجديد، خصوصاً أنه كان وراء تبديل التقويم السائد حينها من الروسي القديم إلى التقويم الميلادي (انتقلت البلاد من عام 7208 منذ الخليقة إلى 1700 ميلادي) ومن الاحتفال بالسنة الجديدة في سبتمبر (أيلول) إلى مواكبة باقي الدول الأوروبية في الاحتفال به في يناير.

لكن هذه العادات الجديدة لم تجد قبولاً بين الشعب أو النبلاء، وجرى التخلي عنها فوراً عقب موت الإمبراطور عام 1725.

ولم تعد شجرة الميلاد إلى البلاط الروسي إلا في أوائل قرن الـ19 مع الأميرة الألمانية ألكسندرا زوجة نيكولاي الذي سيخلف أخيه ألكسندر على العرش الروسي عام 1825، التي حنت إلى عادات ألفت عليه في بلادها الأصلية. ومنذئذ سيرسخ تقليد تزيين شجرة الميلاد منذ حينها في التوسع ليشمل كل الطبقات الراقية.

الحظر الأول

خلال الحرب العالمية الأولى، ومع تصاعد المشاعر المعادية لألمانيا في روسيا، وتغيير تسمية العاصمة سانت بطرسبورغ إلى بتروغراد، أثيرت مسألة ارتباط شجرة الميلاد بالثقافة الألمانية. وفي ديسمبر (كانون الأول) 1914، أثارت الصحف القومية ضجة بعدما علمت أن جنوداً ألماناً أسرى في أحد مستشفيات تجرأوا على الاحتفال بعيد الميلاد وتزيين شجرة العيد.

بعد مناقشة الموضوع في السينودس الكنسي، لم تحظر الشجرة ولكن جرت توصية بعدم إقامتها في الأماكن العامة. وعلقت زوجة القيصر نيكولاي الثاني، ألكسندرا فيودوروفنا، غاضبة: "لماذا يحرم الجرحى والأطفال من هذه المتعة؟ لمجرد أنه تقليد ألماني في الأصل؟ يا له من ضيق نظر".

لينين يحتفل بالشجرة وحزبه يحظرها

بعد الثورة البلشفية عام 1917، ألغيت معظم القيود المرتبطة بالعهد القيصري، بما في ذلك التوصيات بعدم إقامة شجرة الميلاد. وعلى رغم أن الزينة الدينية التقليدية المرتبطة بعيد الميلاد أزيلت، واستبدلت بأخرى ذات طابع ثوري مثل النجوم الخماسية الحمراء وأكاليل الأعلام الحمراء ودرجت الأناشيد الثورية مكان الدينية، إلا أن الشجرة استمرت كرمز للاحتفال خصوصاً أن زعيم الثورة فلاديمير لينين كان من محبي تقليد العيد هذا.

لكن في منتصف عشرينيات القرن الماضي بعد وفاة لينين مباشرة، بدأت السلطات السوفياتية بحملة مناهضة للدين، وتقاليد التدين، والمؤسسات الدينية، وعدت أن الشجرة لا تزال تمثل ارتباطاً دينياً بعيد الميلاد، مما أدى إلى حملة دعائية ضدها، وصفتها بأنها "مخدر ديني" و"عادة برجوازية". وفي عام 1929، ألغي عيد الميلاد رسمياً، وشمل حظر المنع بإقامة شجرة الميلاد. وبُرر الحظر ليس فقط بحجة مناهضة الدين فقط بل حفاظاً على الغابة.

الشجرة تعود ولكن

لم يطل الحظر طويلاً، شهدت شجرة الميلاد عودة مفاجئة في أواخر عام 1935. قبل أيام قليلة من حلول العام الجديد، نشر مقال في إحدى الصحف الرسمية الكبرى يدعو إلى إحياء شجرة الميلاد كجزء من احتفالات رأس السنة للأطفال. وأشار كاتبه إلى أن الحظر السابق كان نتيجة "حركات يسارية" مغالية، واقترح إعادة الشجرة إلى المنازل والمدارس، ولكن بصفتها رمزاً لرأس السنة وليس لعيد الميلاد.

عودة الشجرة هذا اقتضى تحويل الرموز والشخصيات الدينية إلى شيء يلائم التوجه العلماني الملحد ويكون الثقافة الروسية في الوقت نفسه. فأعيد إحياء شخصية "جد الثلج" أو (ديد موروز) ليحل مكان سانتا كلوز الغربي الهوى. وبما أن الاتحاد السوفياتي هي دولة جماهيرية عمالية وكثيرة النشاطات الشعبية فقد كان على الجد أن يتنقل كثيراً ويشارك في عروض ومناسبات اجتماعية لذلك استعدت الحاجة إلى ابتداع مساعدة له، أيضاً من الفولكلور الروسي.

ويقول المؤرخ ستانسيلاف تساليك أن الخيار لم يكن صعباً "إذ كانت هناك مسرحية شهيرة لألكسندر أوستروفسكي بعنوان ’عذراء الثلج‘ (سنيغوراتشكا) كتبت عام 1873. وكانت العذراء - وهي ابنة الثلج والربيع - محبوبة جداً لدى الجمهور الروسي الذي تعرف إليها أكثر من خلال أوبرا بالعنوان ذاته للموسيقي ريمسكي-كورساكوف.

فاعتمدت "سنيغوراتكشا" مساعدة وحفيدة في الوقت نفسه لـ"جد الثلج" تساعده على الترحل وزيارة الاحتفالات وتوزيع الهدايا.

منذ ذلك الحين، أصبحت شجرة الميلاد جزءاً أساساً من تقاليد رأس السنة في روسيا، وتحولت من رمز ديني إلى رمز للاحتفال بالعام الجديد. ومع سياسة الإلحاد السائدة في البلاد خلال سبعة عقود، أصبحت الشجرة واحتفال رأس السنة توأماً لمناسبة رسمية سوفياتية بكل ما يرافقها من تقاليد بعيدة تماماً عن الدين ومولد المسيح.

المزيد من منوعات