مر الشاب الأفغاني عبد الله (17 سنة) بثلاث ساعات لم يتوقعها. وقد بدأت هذه التجربة الطويلة والغريبة عندما وصلت "طالبان"، الأحد 8 أغسطس (آب)، إلى مدينته قندوز في شمال أفغانستان، فقد ألزمه عناصرها التجنيد في صفوف حركتهم.
يستعيد عبد الله، بينما يستظل بفيء خيمة باتت مأوى عائلته في ضاحية في شمال العاصمة كابول، تفاصيل مرعبة من يوم الأحد ذاك، حين كانت قندوز محاصرة. وقد توقع منذ الصباح ألا يتأخر عناصر "طالبان" في الوصول إلى حيه.
وبعد وقت قصير، لم يجد نفسه إلا في قبضة المتمردين الذين أوقفوه في الشارع واصطحبوه إلى تلة قريبة لتزويده بالسلاح: حقيبة مملوءة برؤوس قاذفات "أر بي جي" على ظهره يتجاوز وزنها 20 كيلوغراماً وعلبة ذخيرة في كل يد.
ويقول عبد الله الذي تملأ البثور وجهه ويرتدي لباساً أفغانياً تقليدياً أزرق اللون، إنه تعرف خلال وجوده مع المتمردين إلى طلاب مدرسة قرآنية قريبة من المدينة. وجندت الحركة ثلاثين إلى أربعين شاباً بالكاد لامس عمر بعضهم 14 سنة.
ويروي أنهم "طلبوا منهم حمل السلاح والانضمام إلى صفوفهم. وعندما حضر أهاليهم مطالبين بتحريرهم، هُددوا بالأسلحة".
استمرت محنة عبد الله حتى حضر أقاربه وتمكنوا من إقناع "طالبان" بتركه. عندها قررت العائلة الفرار وتوجه لإبلاغ جده بالأمر.
لكن المتمردين كانوا له مجدداً بالمرصاد. فقد أقدم أربعة مقاتلين "باكستانيين"، على حد قوله بحسب لهجتهم، على توقيفه وأخذه مجدداً لإعداده للقتال.
ويقول "تعرضنا للضرب"، لافتاً إلى وجود آثار كدمات على جسده.
وبعد ساعة، كان الفتى الذي اعتاد العمل مع والده في صالون حلاقة، يحمل بندقية "أم 16"، السلاح الهجومي الذي يستخدمه الجيش الأميركي، ويتوجه مع المتمردين إلى الجبهة حيث كانوا يهاجمون مكاتب للشرطة.
ويستعيد تلك اللحظات قائلاً "كنت أرتجف ولم أتمكن من حمل بندقيتي"، وهو الذي لم يشارك في القتال يوماً أو يحمل سلاحاً في حياته.
لم يكن الوجود على الجبهة سهلاً. ويضيف "كان ثمّة قصف جوي ودبابات تطلق النيران"، لافتاً إلى أن "ثلاثة أو أربعة صبيان كانوا يحملون بنادق قد أصيبوا، ثم قتلوا بعدما انفجرت حقائبهم".
وأسفر القصف عن "مقتل أحد عناصر طالبان وفقدان آخر ساقه وذراعه"، وفق عبد الله.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتابع "كنت خائفاً حقاً. فكرت في والديّ وقلت لنفسي: إذا أُصبت وقُتلت... ماذا سيحل بهما؟".
ومع مقتل وإصابة نصف عدد المجموعة التي اقتادته، وجد فرصة سانحة للهرب. قرر رمي البندقية وركض بعيداً.
تطلب الأمر قرابة الساعة حتى وصل إلى حيه. ويقول "كنت تحت الصدمة. لم أكن قادراً حتى على التعرف إلى بابنا (...) عندما وصلت إلى المنزل، لم أكن حتى متأكداً من أنني ما زلت على قيد الحياة".
وبعد وصوله، استعدت العائلة للرحيل على عجل. اقترضت بعض المال وباعت الهاتف النقال لوالدته من أجل دفع تكاليف الرحلة إلى كابول. ويقول بأسف "لم نأخذ شيئاً معنا. حتى أننا بعنا الطعام الذي توفّر لدينا".
بعد مغادرتهم، لم يبق المنزل على حاله، إذ تعرض لقصف بقذائف هاون سوته بالأرض.
إثر رحلة استغرقت 15 ساعة، وصل أخيراً إلى كابول مع والديه وجده وشقيقتيه وإخوته الثلاثة، عمر أصغرهم (عامان ونصف العام).
ومنذ ذاك الحين، يفترش أفراد العائلة الأرض للنوم، وليس لديهم إلا ملابسهم. في اليوم التالي، ألقى عابر سبيل غطاء لهم.
وبعدما باتت بلاده عالقة بين النيران والدماء، يبقى أمل عبد الله الوحيد هو السفر. لكن وضع والدته المريضة يقلقه.
منذ ذاك اليوم "المشؤوم"، لم تغادره أوجاع معدته بعدما تلقى ضربات "من أعقاب بنادق" عناصر "طالبان"، وهو ما يجعله حتى اللحظة عاجزاً عن تناول الطعام.