تثير جريمة بيع الأطفال ولا سيما الرضع القلق في تونس، وإن كانت الأرقام غير مفزعة وفق بعض وسائل الإعلام إلا أن الجهات المعنية دقت ناقوس الخطر. وتُعتبر الأمُ العزباء الضحية والمتهم في انتشار هذه الظاهرة علماً أن هناك دراسات رسمية تفيد بأن هذه الجريمة لا تقتصر على الأمهات العازبات، بل تمتد إلى بعض الأسر الفقيرة وقد امتهنت بيع الرضع أو البنات في سن الطفولة للعمل كمعينات منزليات لدى أسر ميسورة.
الضحية
في هذا الصدد يفيد عضو الهيئة الوطنية للاتجار بالبشر مالك الخالدي بأن جريمة بيع الأطفال تفاقمت في تونس من ثماني حالات سنة 2019 إلى 13 حالة خلال سنة 2020 أي ارتفعت بنسبة 60 في المئة". ويقول الخالدي، "رُصدت الحالة الأولى لبيع رضيع في محافظة جندوبة في شمال غرب البلاد، إذ باعت أم عزباء رضيعها الذي أرادت التخلص منه بسبب ضغوط اجتماعية". ويواصل بأنه "يوجد شبكات تترصد مثل هذه الحالات، وفي معظم الأحيان الأم العزباء لا تأخذ مالاً مقابل بيع طفلها بل تؤمن شبكات ولادتها مقابل أن تأخذ منها المولود وتبيعه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف، "نحن كهيئة نتعامل مع مثل هذه الحالات عبر آلية الإحاطة والتوجيه، فالأم العزباء في المجتمعات العربية غالباً ما تكون ضحية لا يقبلها الجميع مما يُضطرها إلى إيجاد حلول للتخلص من مولودها، ونحن نتعامل نفسياً واجتماعياً مع الأسر التي تبيع أطفالها ونترك الجانب القانوني لوزارة الداخلية والقضاء، فهذه الجهات هي المخولة تحديد إذا ما كانت عملية البيع جريمة أم لا بحسب الحالة الاجتماعية".
ويلفت إلى أن "ظاهرة بيع الأطفال امتدت في تونس إلى الأسر الفقيرة والمهمشة، وبعضها قد امتهن بيع الأطفال من أجل تأمين بعض المال".
ويكشف أنه تم رصد إعلانات بيع للأطفال عبر صفحات التواصل الاجتماعي، مؤكداً أنهم يتعاملون مع كل منشور في هذا الصدد بجدية ويتم التحقق منه وإن كان "معظمها غير جدي".
وينتقد الخالدي تجاهل الحكومة التقارير السنوية التي تعدها الهيئة بشأن هذه الظاهرة قائلاً، "لا أحد يأخذ هذه التقارير بعين الاعتبار من أجل معالجة هذه الظاهرة التي تتفاقم عاماً بعد آخر".
جدير بالذكر أنه تم تجريم الاتجار بالبشر في تونس بمقتضيات القانون الأساسي الرقم 61 المؤرخ في 3 أغسطس (آب) 2016 الذي يتصدى لمظاهر الإتجار بالبشر سواء بالاستغلال الاقتصادي أو بالتشغيل القسري أو الاستغلال الجنسي للأطفال.
معالجات
من جهته، أكد مندوب حماية الطفولة في تونس، مهيار حمادي، في تصريح خاص، أن دورهم يتمثل في المتابعة الاجتماعية النفسية لمثل هذه الحالات، وأن القضاء يتعهد بالجانب القانوني، مفيداً بأن "القضاء يكيف عمليات البيع حسب الحالات الاجتماعية".
في السياق ذاته، يضيف حمادي أن "مجلة حماية الطفل تعرضت لمثل هذه الجرائم". وهي مجلة قانونية صادرة بموجب قانون 9 نوفمبر (تشرين الثاني) 1995، وهي تُعنى حصرياً بحقوق الطفل، وتضم أسساً ومبادئ وآليات قانونية لتوفير أقصى ما يمكن أن تمنحه الدولة والمجتمع للأطفال في تونس .
ولم ينكر مندوب حماية الطفولة وجود حالات عدة لبيع الأطفال بطرق مختلفة إن كان لتونسيين أو مهاجرين، وأنهم يتابعون كل الحالات عن كثب.
من جانب آخر، قال حمادي "إنهم لا يتخلفون عن أي حدث يهتم بموضوع بيع الأطفال أو أي ظواهر أخرى من أجل محاولة معالجتها".
قصة وراء كل حالة بيع
وتعتقد الاختصاصية النفسية والناشطة في جمعية تعنى بحماية الأطفال غادة برباري شعبان أنه "لا يمكن حصر هذه الظاهرة في حالة واحدة فوراء كل حال بيع طفل قصة كاملة، ولم يعد الحمل أو الإنجاب بالنسبة إلى الأم العزباء في تونس عائقاً بسبب تكاثر المراكز المهتمة بهذا الجانب".
وتلفت شعبان إلى أن "اختلاف قصص الأسر التي تبيع أطفالها فمنها من تبيع مولودها الجديد ومنها من تبيع طفلتها لأسرة ميسورة تستخدمها معينة منزلية". وتفيد شعبان بأن "العامل المشترك بين هذه القصص غالباً ما يكون الفقر".
ويلاحظ رئيس الجمعية التونسية لحقوق الطفل لزهر الجويلي أن "معظم هذه الجرائم تختفي وراء طرق قانونية على غرار التبني والكفالة، أي يُباع الطفل لكن بطرق قانونية".
ويلفت الجويلي إلى أنه "يصعب إجراء إحصاء دقيق لظاهرة بيع الرضع نظراً لتعقيد عملية إثبات الجرم"، مفيداً بأن "غالبية الإشعارات التي ترد إلى السلطات الرسمية أو إعلانات البيع التي تتم عبر مواقع التواصل غير جدية".
ويدفع ارتفاع مؤشرات بيع الرضع في تونس إلى تدهور أوضاع الطفولة خلال السنوات الماضية على الرغم من ترسانة القوانين التي تحمي هذه الفئة العمرية الهشة، وتؤكد الهيئة الوطنية للإتجار بالبشر أن هذه الظاهرة لا تقتصر على الأطفال في تونس بل تمتد إلى فئات أخرى، إذ رصدت الهيئة قرابة 1000عملية اتجار بالبشر بحسب تقريرها الصادر سنة 2020.