تغيرت الأوضاع في أفغانستان وتطورت بسرعة كبيرة حيّرت الرأي العام العالمي، ما دفع الأمم المتحدة إلى دعوة الأعضاء إلى اجتماع طارئ في شأن الأوضاع الراهنة.
ونحن تجاه حقيقة أن حركة "طالبان" هي التي تحكم البلاد، وتدعمها كل من روسيا والصين وتركيا وباكستان بشكل علني.
وعلى الرغم من أن المملكة المتحدة لم تصدر بعد بياناً رسمياً في شأنها، فإن هناك إشارات تدل على أنها توصلت إلى اتفاق مع "طالبان".
وألمانيا وفرنسا مستعدتان لإقامة علاقات دبلوماسية مع كل من سيحكم البلاد، بغض النظر عن توجهاته الفكرية.
ونستشفّ من تصريح جو بايدن القائل، "لم يكن هدفنا في أفغانستان إنشاء دولة قومية"، أن الولايات المتحدة أبرمت اتفاقية ضمنية مع "طالبان".
وفي الوقت الراهن، سيحمل المجتمع الدولي الفاتورة في أفغانستان على أميركا ورئيسها بايدن.
وبمرور الوقت، سنرى إلى أي مدى سيؤثر قرار الانسحاب هذا على انتخاب بايدن لولاية ثانية.
هناك قضية أخرى ينبغي عدم تجاهلها، وهي أنه مع سيطرة "طالبان" على البلاد ستحشد المنظمات المتطرفة عناصرها في الحدود المجاورة لأوزبكستان أو تركمانستان.
وكانت تركيا قد أخذت على عاتقها مهمة تأمين مطار كابول الدولي بسبب انسحاب "الناتو" والولايات المتحدة.
ولكن، وفقاً لآخر المعلومات الصادرة عن وزارة الخارجية التركية، فإن أنقرة أوقفت العملية في شأن تأمين المطار وأعربت عن استعدادها "لدعم قيادة "طالبان" في شأن الموضوع إذا ما أرادت ذلك".
ومن المعلوم أنه ستكون هناك تداعيات مختلفة جراء تغيير الإدارة في أفغانستان، وستكون الهجرة واحدة من أكبر نقاط الفوضى الناجمة عن هذه التطورات.
وكانت تركيا من أكثر الدول تضرراً بموجات الهجرة في الآونة الأخيرة.
وليس من المستبعد أن يستخدم الرئيس رجب طيب أردوغان تدفق الهجرة هذا لتحسين موقفه في علاقته المعقدة مع أوروبا، تماماً مثلما فعل في قضية اللاجئين السوريين.
وتعالوا نُلقِ نظرةً على وضع الهجرة في أفغانستان، ثم نعود إلى موضوعنا.
يبلغ عدد سكان أفغانستان نحو 40 مليون نسمة، وهي منطقة يسود فيها عدم الاستقرار الديموغرافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
لهذا السبب، استمر فيها الوضع كدولة يتدفق منها المهاجرون باستمرار على مدى سنوات طويلة.
وباكستان وإيران وتركيا هي البلدان الرئيسة التي يفضل الأفغان الهجرة إليها، أو عبرها.
وقد توجه الأفغان أخيراً إلى تركيا لأسباب عديدة، مثل الأمن والاقتصاد والصحة والتعليم، وأصبحوا يفضلون التوجه إلى تركيا للإقامة فيها أو الانتقال منها إلى دول أخرى.
وتعد الهجرة من أفغانستان إلى سائر بقاع العالم واحدةً من أكثر موجات الهجرة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. غير أن موجة الهجرة الأخيرة تختلف عن الهجرات السابقة، من حيث إنها حدثت فجأةً، وبصورة مكثفة. وقد هاجر حتى الآن نحو 1.5 مليون أفغاني إلى باكستان، و500 ألف إلى إيران، وقرابة 400 ألف إلى تركيا في العامين الماضيين.
وبما أن الأمم المتحدة لا تدرج في الرقم الإجمالي المهاجرين الأفغان غير النظاميين وغير المسجلين، فإنها تظهر هذا العدد بنحو مئتي ألف في تركيا.
إذاً، كيف أصبحت تركيا فجأةً في قلب المناقشات حول أفغانستان؟
بدأ كل شيء خلال الاجتماع المباشر بين الرئيس أردوغان وبايدن في بروكسل.
وللأسف، لم يتم تسجيل محاضر ذلك الاجتماع السري في أرشيف وزارة الخارجية التركية. ولم يشارك أي دبلوماسي في ذلك الاجتماع. وتم توكيل مهمة الترجمة إلى ابنة برلماني تركي من حزب أردوغان، بدلاً من دبلوماسي أو مترجم محترف من وزارة الخارجية. وبالفعل ترك هذا علامة استفهام كبيرة في الأذهان.
وبعد شهر من الاجتماع، بدأت مجموعات كبيرة من الناس الهجرة من أفغانستان إلى تركيا.
وعلى الرغم من تحذيرات المعارضة والإعلام المعارض، لم تتخذ حكومة حزب العدالة والتنمية أي إجراء في شأن عشرات الآلاف من الأفغان الذين نزحوا إلى تركيا من دون تسجيل.
في الواقع، نفى الرئيس أردوغان أمام الصحافيين تدفق المهاجرين قائلاً، "لا يوجد تدفق غير نظامي للمهاجرين من حدودنا، بالقدر الذي يبالغ فيه البعض على وسائل التواصل الاجتماعي"، لكنه، بعد ثلاثة أيام من هذا الخطاب، ناقض نفسه عندما قال، "نحن تركيا نواجه موجة من المهاجرين الأفغان القادمين عبر إيران".
نعم، تغاضت الحكومة عن دخول قرابة مئتي ألف مهاجر أفغاني إلى البلاد ولم تسجل أعدادهم وأسماءهم.
وتشير معلومات مسربة إلى أنه تقرر خلال الاجتماع السري بين أردوغان وبايدن أن يأتي قرابة مليون مهاجر من المعارضة الأفغانية إلى تركيا.
بالطبع، من الصعب تأكيد هذه المعلومات. مع ذلك، فإن حقيقة وصول أعداد المهاجرين من أفغانستان إلى 200 ألف في الأشهر الماضية تعطينا فكرة عن محتوى الاجتماع.
وبالنسبة إلى أجندة أردوغان، فإنه ليس من المستبعد أن ينتهز الفرصة لاستغلال هؤلاء النازحين ضد الاتحاد الأوروبي، علماً بأن سبعين في المئة من هؤلاء المهاجرين يهدفون إلى العبور إلى أوروبا.
ولا نستبعد أن يضع أردوغان ورقة المهاجرين على طاولة نقاشاته مع الأوروبيين هذه المرة أيضاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبما أن الأوروبيين يعلمون جيداً أن هناك من بين المهاجرين شباباً يحملون أفكار "داعش"، مما يجعلهم يشكلون خطراً حقيقياً تجاه أوروبا، فإن ذلك يعطي أردوغان الفرصة للدخول في مساومة مالية مقابل الإمساك بالمهاجرين داخل الأراضي التركية، كما فعل ذلك في قضية اللاجئين السوريين.
وقد يطلب من الغربيين التغاضي عن سياساته في سائر الملفات الأخرى مقابل استضافة اللاجئين.
من جانب آخر، أصبحت استطلاعات الرأي العام تشير إلى تدني تأييد الناخبين لأردوغان، مما ينذر باحتمال خسارته في الانتخابات. ونعلم جيداً أنه لن يتخلى عن السلطة بسهولة، بل سيستخدم كل الوسائل للبقاء فيها، بما ذلك مجموعات شبه منظمة من المهاجرين تم التأثير عليها من خلال الجمعيات الخيرية، وذلك من أجل إرباك الشارع.