عاد خطاب الكراهية والعنصرية بقوة في الجزائر منذ جريمة إحراق شاب بتهمة إشعال النيران في الغابات، وانتشرت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تدفع إلى الفتنة عبر اللعب على وتر الجهوية، ما استدعى تدخل السلطات من أجل وضع حد لهذه الأزمة التي من شأنها إحداث فوضى عنصرية.
ولم يمر إحراق الشاب جمال بن إسماعيل، المنحدر من مدينة مليانة وسط غرب الجزائر، في منطقة "الأربعاء ناث إيراثن"، التابعة لمحافظة تيزي وزو، من دون أن يكشف عن تصدع يهدد المجتمع الجزائري الذي أظهر التضامن ووحدة الصف، غير أن تصاعد منشورات الكراهية والتعصب والعنصرية بشكل لافت كشف عن تنامي الحقد الجهوي الذي تنفخ فيه أطراف باتت تستهدف النسيج المجتمعي، وأثار المخاوف من حدوث صدام بين أبناء الشعب الواحد.
الخطاب التحريضي الذي تفشى كالنار في الهشيم، استدعى تدخل الأمن الذي اعتقل العشرات، معلناً أنه سيقدمهم إلى العدالة قريباً، لكن التصرف يبقى غير كافٍ لاقتلاع جذور هذا الخطر، في حين تبقى أهم خطوة من شأنها تهدئة الأوضاع وإعادة التماسك الذي ميز المجتمع الجزائري، في فتح نقاش وطني عميق حول من زرع خطاب الكراهية والعنصرية في عقول الجزائريين حتى سمّمها تماماً، وهي مهمة كل المؤسسات النخبوية، من سياسيين ودعاة ومثقفين وإعلاميين، وغيرهم، وفي مناهج المدارس والجامعات والمساجد لمحاصرة الفكرة العنصرية ونبذها من كل الأوساط المجتمعية، والكف عن استخدامها كقناع لمعارضة السلطة أو الاستقواء بها ضد الخصوم، مقابل إشاعة قيم التسامح والتعايش والمواطنة والوحدة الوطنية.
حرب إلكترونية
وفي السياق ذاته، يرى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، رابح لونيسي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "تصاعد هذا الخطاب يعود إلى حرب إلكترونية تعرضت لها الجزائر بداية من 2013، ويبدو أن خلفها دولاً معادية للجزائر بمساعدة عملاء لها في الداخل، وكان الهدف منها تفجير الجزائر بضرب شعبها".
وقال إن "الحملة بدأت بالتهجم على منطقة القبائل وتخوين رموزها، بل تخوين المنطقة كلها، على الرغم من أن الداني والقاصي يعلم ما قدمته هذه المنطقة من تضحيات"، مبرزاً انسياق البعض من عدة مناطق وراء الحملة، و"دخلنا في منشورات كراهية كفعل ورد فعل، ووظفت الذاكرة ومكونات الأمة الجزائرية في ذلك ممثلة في مثلثها الذهبي الإسلام والعربية والأمازيغية".
ويواصل لونيسي أنه "كان من المفروض على الدولة أن تضرب بيد من حديد منذ بداية ظهور هذه الظاهرة، ومتابعة صفحات وحسابات تروج للكراهية والعنصرية من طرفين أحدهما ضد الأمازيغية ومنطقة القبائل، وأخرى ضد باقي مناطق البلاد"، منتقداً ركوب الموجة من قبل إعلاميين وجامعيين وسياسيين. وشدد على أنه "لو ضربت الدولة بقوة منذ البداية لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم، وعليه، فإن الدولة مطالبة بأن تكون صارمة ضد كل هؤلاء من دون أي تمييز، ومهما كان وضعهم"، مشيراً إلى أن الظاهرة موجودة بقوة على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي وهي ضعيفة في الواقع، لكن التجاهل قد يسمح بتطور الظاهرة إلى ما لا يحمد عقباه مستقبلاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خطاب التعايش والتسامح والتضامن
من جانبه، يعتبر الناشط السياسي، يزيد بن عائشة، أن خطاب الكراهية وسيلة من وسائل زرع التفرقة بين أبناء الوطن الواحد، وتشجيع صراع الإثنيات العرقية والقومية، تعتمدها "الدول الاستعمارية والعنصرية، وعلى رأسها الصهيونية". وأوضح أن الظاهرة يمكن مكافحتها بخطاب التعايش والتسامح والتضامن، وقد أعطى الجزائريون في هذه المحنة درساً لدعاة الكراهية والتفرقة والتمييز بين الشعب الواحد، مضيفاً أن السلطة قنّنت تجريم خطاب الكراهية، لكن في الواقع لم توفر البيئة التي تحقق محاربة الظاهرة، ومن ذلك مشكلة التوظيف لأبناء الجنوب والتمييز في منحة البطالة وفي تقلد المسؤوليات.
ويواصل ابن عائشة، أن "الكراهية غذتها القومية العربية التي تحولت في مرحلة ما إلى عقيدة محت العرقيات الأخرى، ما تسبب في الاستبداد السياسي الذي يحمل الناس بالإكراه والقوة، والتعامل مع المخالف بالتهميش والإقصاء والقهر، ومن ثم التضييق على الحريات واستئثار تيار معين على الحكم وإقصاء تيارات أخرى تماماً، كل هذه الأمور تساهم في زرع الكراهية والاحتقان والعنف في المجتمع".
نصوص قانونية رادعة
ووضعت السلطات نصوصاً قانونية رادعة من أجل محاربة الكراهية والتعصب والعنصرية، حيث جاء في المادة 2، أن أفعال الكراهية والتمييز هي "جميع أشكال التعبير التي تنشر أو تشجع أو تبرر التمييز، وكذلك تلك التي تتضمن أسلوب الازدراء أو الإهانة أو العداء أو البغض أو العنف، الموجهة إلى شخص أو مجموعة أشخاص على أساس الجنس أو العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني أو اللغة أو الانتماء الجغرافي أو الإعاقة أو الحالة الصحية"، كما حدد النص القانوني التمييز بـ"كل أشكال التفرقة أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس الجنس أو العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني أو اللغة أو الانتماء الجغرافي أو الإعاقة أو الحالة الصحية، يستهدف تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، أو التمتع بها أو ممارستها على قدم المساواة في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي أو في مجال آخر من مجالات الحياة العامة".
وبالنسبة لآليات الوقاية من التمييز وخطاب الكراهية، فقد تناولتها تدابير المادة 30، التي نصت على عقوبة السجن من سنتين إلى 5 سنوات، مع تغريم مرتكبها بدفع مبلغ يتراوح بين 50 و2000 دولار، في حق المتورطين في نشر التمييز وخطاب الكراهية، كما أن المحرضين من دون ارتكاب جريمة فعقوبتهم الجزائية بين سنة و3 سنوات سجناً، وغرامة من 800 دولار إلى 2000 دولار.
وتطرقت المادة 31 من النص إلى من يستغلون وسائل الإعلام والاتصال، للترويج لخطاب الكراهية والتمييز، وشددت بعقوبات تصل إلى 5 سنوات سجناً وغرامة 3200 دولار، كما يمكن للعدالة أن تستعين بالعقوبات التكميلية الواردة في قانون العقوبات، إذا خرج الفعل المرتكب من دائرة الجنحة الى دائرة الجناية، بحسب ما تنص عليه المادة 41 من النص.
تجنيد كل القوى الحية
وشدد الحقوقي فاروق قسنطيني، على أهمية تجنيد كل القوى الحية والمؤثرين من المجتمع المدني والسلطات والأئمة، بشكل عاجل لمجابهة خطاب الكراهية والتمييز الذي انتشر بشكل مقلق، بعد تطورات الأوضاع على خلفية مقتل جمال بن إسماعيل، ووضع حد للخطاب الانفصالي والاستئصالي الذي يهدد الوحدة الوطنية، مؤكداً أنه من الأهمية بمكان أن تكون هناك حملات توعوية لمناهضة خطاب الكراهية والتفرقة والتمييز الذي أصبح معول هدم للجزائر ومصدر تهديد حقيقياً لتماسكها الاجتماعي ووحدتها الوطنية.