على الرغم من إعلان وزارة الخارجية الأردنية موافقة الحكومة على دخول 2500 أفغاني للأراضي الأردنية بشكل مؤقت، وبهدف العبور فقط في طريقهم إلى الولايات المتحدة، إلا أن عاصفة من الجدل دارت رحاها على وسائل التواصل الاجتماعي، عبرت عن مخاوف كثير من الأردنيين إزاء توطين هؤلاء اللاجئين الأفغان ولأمد طويل.
وزاد منسوب القلق تسليط الضوء من قبل أعضاء في البرلمان على بنود من اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعتها عمّان مع واشنطن قبل ستة أشهر، وتتيح للقوات الأميركية التحرك بحرية داخل البلاد، بما في ذلك نقل واستضافة متعاونين معها داخل قواعدها العسكرية.
وفي مقابل القلق الشعبي، عّبر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عن اهتمامه بتداعيات سيطرة "طالبان" على أفغانستان، لناحية قلق بلاده من تصدير الإرهاب والتطرف خلال لقائه الأخير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو.
تبريرات حكومية
وفيما برر الناطق باسم الخارجية الأردني ضيف الله الفايز القرار الحكومي بأنه جاء لأسباب إنسانية بحتة، للإسهام في معالجة الأزمة التي تشهدها أفغانستان، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي برفض الخطوة الحكومية.
وقالت الحكومة الأردنية إن دولاً عربية وأجنبية أسهمت في تخفيف الأزمة الإنسانية في أفغانستان من خلال استخدام أراضيها ومطاراتها لغايات عمليات الإجلاء، أو استضافة مواطنين أفغان، حيث استضافت قطر 8000 أفغاني، والكويت 5000 آخرين، والإمارات 5000، و20 ألفاً في كندا.
وأكدت أن استضافة الأفغان جاءت لاستكمال الإجراءات والترتيبات اللوجستية لنقلهم للولايات المتحدة، وأنه لن يتم منحهم صفة لجوء بل سيتواجدون بصفة مرور (ترانزيت).
لكن لاحقاً تعمقت المخاوف الشعبية بعد الإعلان رسمياً عن تخصيص مراكز إيواء مغلقة لاستضافة 2500 لاجئ أفغاني، بالقرب من مدينة المفرق التي تحتضن أكبر مخيم للاجئين السوريين في الأردن وهو مخيم الزعتري، والذي يضم نحو 100 ألف لاجئ منذ عشر سنوات ويرفض أغلبهم العودة الطوعية إلى بلادهم.
وفي مواجهة الإصرار الحكومي على نفي الإقامة الدائمة للأفغان واقتصارها على ستة أشهر فقط، تداول الأردنيون الإشاعات بكثافة بخاصة تلك التي تتحدث عن أن العدد الحقيقي للاجئين الأفغان يصل إلى عشرة آلاف شخص، وأن الولايات المتحدة ستدفع للأردن مقابل ذلك ملايين الدولارات.
اتفاقية الدفاع تحت المجهر
وسلطت هذه القضية الضوء على اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعها الأردن مع الولايات المتحدة في مارس (آذار) الماضي، وقوبلت حينها بانتقادات شديدة، بخاصة من قبل البرلمان، ووصفت بأنها تنتقص من السيادة الأردنية.
ومررت الحكومة الاتفاقية من دون الرجوع إلى مجلس النواب أو حتى مناقشة بنودها، التي يطغى على أغلبها غموض حول الصلاحيات المتاحة للجنود الأميركيين في الأردن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودفع قرار الحكومة باستضافة لاجئين أفغان، بعض النواب في البرلمان الأردني لصب جام غضبهم على اتفاقية الدفاع المشترك، ومن بين هؤلاء النائب صالح العرموطي الذي وصف الاتفاقية بأنها غير دستورية، معتبراً نقل "العملاء" الأفغان إلى الأردن أولى بركات اتفاقية الدفاع مع أميركا، والتي تتيح لها إدخال من تريد إلى الأردن، حتى قوات الجيش الإسرائيلي لتصول وتجول في المملكة من دون أن يعترضها أحد.
وقال العرموطي إن موافقة الحكومة الأردنية على استقبال اللاجئين الأفغان، فيه انتقاص من سيادة الدولة، فمثل هذا القرار سيادي ولا يجوز التعامل معه بهذه الطريقة.
وأضاف "نعاني ظروفاً اقتصادية صعبة، لكن لا يجوز أن نضحي بكرامتنا مقابل المساعدات الأميركية".
الأردن لا يملك حق الرفض
ووفقاً للمادة الثالثة من "اتفاقية التعاون الدفاعي" بين الأردن والولايات المتحدة الأميركية، "يوفر الأردن لقوات الولايات المتحدة وأفراد الولايات المتحدة ومتعاقدي الولايات المتحدة وغيرهم، إمكانية الوصول إلى المرافق والمناطق المتفق عليها واستخدامها من دون عوائق للقيام بأنشطة تشمل الزيارات والتدريب والتمارين والمناورات والعبور والدعم والأنشطة ذات الصلة وتزويد الطائرات بالوقود وهبوط الطائرات وتموين السفن والصيانة وإقامة الأفراد والاتصالات وتجميع ونشر القوات والمواد والإغاثة الإنسانية والإغاثة في حالات الكوارث وعمليات الطوارئ والأنشطة الأخرى".
وتنص المادة نفسها على أنه "يجوز تخصيص مثل تلك المرافق والمناطق المتفق عليها، أو أجزاء منها، إما للاستخدام الحصري من قِبل قوات الولايات المتحدة أو للاستخدام المشترك من قِبل قوات الولايات المتحدة والأردن، ومتعاقدي الولايات المتحدة من دون إيجار أو تكاليف مشابهة".
ووفقاً لهذه المادة ليس للأردن أن يوافق أو يرفض أو يعترض على مجيء أي أحد إلى الأراضي الأردنية تجلبه الولايات المتحدة.
أكبر نسبة لاجئين عالمياً
ويحتضن الأردن ثاني أكبر نسبة في العالم من اللاجئين مقارنةً مع عدد المواطنين بعد لبنان، حيث أن واحداً من بين ثلاثة من سكان الأردن هو لاجئ، وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (أونروا).
ويعيش في الأردن أكثر من 3.788 مليون لاجئ يحملون أكثر من 53 جنسية، غالبيتهم من الفلسطينيين والسوريين.
ويؤكد أستاذ العلوم السياسية حسن البراري أن "خطورة الخطوة الحكومية في استقبال اللاجئين الأفغان تكمن في أن معظمهم من المتعاونين مع الاحتلال الأميركي".
ويضيف "بعيداً من الأسباب الإنسانية التي تسوقها الحكومة لتبرير قرارها، تاريخ الأردن مع استقبال موجات مختلفة من اللاجئين يفيد بأن اللاجئ لا يعود حتى لو زالت أسباب اللجوء، واعتقد أن هذا القرار مرتبط باتفاقية الدفاع المشترك التي وقعتها الحكومة مع الولايات المتحدة وأحد تجلياتها".