علمت "اندبندنت عربية" أن العراق يقود جهود وساطة لتهدئة التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، بعدما أوشكت أراضيه على التحول إلى ساحة لمواجهة عسكرية بين البلدين.
وقال مسؤولون في مكتب الرئيس العراقي برهم صالح إنه تواصل مع رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي، لضمان "فتح قناة تواصل فعالة بين واشنطن وطهران، منعاً لانزلاق الأوضاع نحو هاوية الحرب".
وفقاً لمعلومات خاصة، من المقرر أن يستضيف مكتب الرئيس العراقي اجتماعاً رفيعاً، تشارك فيه قيادات سياسية تمثل الطيف العراقي، خلال الساعات المقبلة، لبحث الدور العراقي في احتواء التوتر العالي بين الولايات المتحدة وإيران.
وكان رئيس الوزراء العراقي أعلن، الثلثاء 14 مايو (أيار)، أن بلاده تتواصل مع الولايات المتحدة وإيران بهدف "تخفيف التوترات بينهما"، مشيراً إلى أن البلدين لا يريدان الحرب.
وقال عبد المهدي إن الصراع بين طهران وواشنطن، "يشكل ملفاً معقداً يعمل عليه العراق بجهد كبير من أجل التوصل إلى حلول"، موضحاً أن "المؤشرات التي حصل عليها من خلال المحادثات مع كلا الجانبين، تشير إلى أن الأمور ستنتهي على خير".
فسرّع العراق جهود الوساطة، بعد إعلان مفاجئ من الولايات المتحدة بسحب موظفيها غير الضروريين من العراق، بسبب تهديدات إيرانية متزايدة.
السفارة الأميركية: تهديدات من 4 فصائل
سرّعت الولايات المتحدة عملية إجلاء موظفيها من بغداد، وسط خشية من أن تتضرر العلاقة بين واشنطن وبغداد، أو أن يتأثر عمل السفارة الأميركية في العراق، لكن السفارة أكدت أن القرار لم يؤثر في أدائها.
وأبلغ موظف بارز في السفارة "اندبندنت عربية" أن التمثيل الديبلوماسي في بعثة الولايات المتحدة إلى العراق، "كبير جداً، وسيبقى كذلك مهما قلّصنا"، مؤكداً أن "الخارجية الأميركية، لديها ثقة كبيرة بأجهزة الأمن والقوات العراقية، وهي شريكتنا ونعمل على تعزيز قدراتها الدفاعية وسيبقى هذا العمل مستمراً". وأضاف أن "التوترات في المنطقة، ستؤثر بشكل محدود في العراق".
وكشف الموظف البارز في السفارة الأميركية ببغداد عن أن "معلومات حصلنا عليها من أطراف متعددة، بينها الحكومة العراقية، تفيد بوجود أربعة فصائل مسلحة، تخطط لأعمال عدائية ضد مصالحنا في العراق والمنطقة"، مشيراً إلى أن "ردة الفعل الرسمية والشعبية ستضع هذه الفصائل في موقف محرج لأن تدخلها (ضدنا) سيكون بمثابة إعلان رسمي على عدم عراقيتها".
ونقل عن مسؤولي السفارة تأكيدهم أن "الميليشيات التي تهدد الاستقرار الأمني العراقي وتهدد المصالح الدولية الأميركية هي خارج سلطة الدولة وهي تابعة لإيران ولا سلطة للحكومة العراقية عليها"، لافتاً إلى أن "الحكومة العراقية وعدت بالقضاء على هذه الميليشيات وطردها والسيطرة على سلاحها الثقيل المتمثل بالصواريخ".
أرتال عسكرية في محيط السفارة
شاهد مراسل "اندبندنت عربية" في بغداد، أرتالاً عراقية عسكرية، تنتشر في محيط السفارة الأميركية ببغداد، فيما ذكرت مصادر أن قيادة التحالف الدولي ضد تنظيم داعش أصدرت أوامر تمنع أعضاءها من مغادرة "معسكر الاتحاد" في المنطقة الخضراء، حيث مقرّها.
ووفق مصادر في السفارة الأميركية، فإن دواعي اتخاذ هذه الإجراءات المشددة في محيط مقار البعثات الدبلوماسية والعسكرية الأجنبية، تتعلق بمعلومات من مصادر متنوعة، بعضها استخباراتي عراقي، "يحذر من أعمال عدائية وشيكة يخطط لها وكلاء إيران".
ونصت بعض المعلومات على "إمكانية قيام وكلاء عراقيين لإيران بأعمال متهورة، ضد الأجانب"، فيما تشير معلومات أخرى إلى "فرص عالية لتنفيذ هجمات صاروخية على مقار سفارات أجنبية في العراق، وتهديدات باختطاف عاملين فيها".
وتؤكد المصادر التي تتحدث عن اطلاع بوضع السفارات الأجنبية في العراق، أن "عناصر استخبارات الجيش الأميركي والتحالف الدولي يفرقون بين مصادر التهديد، ولا يعتقدون أن قوات الحشد الشعبي، بصفتها الرسمية، ضالعة فيها، إنما مجموعات مارقة عن سيادة الدولة العراقية"، من دون تسمية أي منها.
السفارة البريطانية: إجراءات أمن غير مسبوقة
كشف موظف عراقي يعمل في سفارة لندن في بغداد أن الخارجية البريطانية، وجهت باتخاذ إجراءات مشددة للغاية، بهدف ضمان أمن بعثتها الدبلوماسية في العراق.
وأبلغ الموظف "اندبندنت عربية" أن الإجراءات شملت منع حركة الدبلوماسيين البريطانيين، خارج حدود المنطقة الخضراء، شديدة التحصين، وسط بغداد، حيث يقع مقر السفارة البريطانية.
وشددت التعليمات البريطانية لبعثة لندن في بغداد على تجنب التوجه إلى أي منطقة تملك فيها ميليشيات موالية لإيران، نفوذاً، ولا سيما مناطق الفرات الأوسط والجنوب.
وأكد الموظف أن القوات العراقية عززت حضورها بشكل لافت في محيط السفارة البريطانية في بغداد خلال اليومين الماضيين، على وقع معلومات تفيد بإمكانية استهدافها، موضحاً أن السفارة البريطانية تلقت إشعاراً من نظيرتها الأميركية بضرورة التزام أقصى درجات الحيطة والحذر.
وبحسب عاملين في مقار بعثات دولية في العراق، فإن الإجراءات الأمنية التي اتُّخذت خلال اليومين الماضيين، لم يسبق أن تُتّخذ في أشد حالات التهديد الأمني في بغداد، لا سيما عندما هدد تنظيم داعش محيط العاصمة العراقية صيف 2014.
الحشد الشعبي يطمئن القيادة العراقية
يترأس فالح الفياض، قوات الحشد الشعبي، وهو مستشار الأمن الوطني في العراق. ويوفر دور المستشار للفياض اتصالاً مستمراً بقيادة العمليات المشتركة للحرب على داعش، التي يلعب فيها ضباط أميركيون أدواراً رئيسية.
ووفقاً لمصادر في مكتب رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، فإن زعيم منظمة بدر هادي العامري تواصل مع كبرى القيادات العراقية خلال الساعات القليلة الماضية، مؤكداً لها خضوع الحشد الشعبي كلياً لقرار الحكومة العراقية في التعاطي مع الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران، علماً أن العامري يُصنّف على أنه أبرز القادة الميدانيين للحشد الشعبي.
ومع دائرة الاستثناءات التي تتسع يومياً في العراق، في شأن القوى المحلية التي يمكن أن تلعب دور الوكيل الإيراني الذي يتبرع لمهاجمة مصالح الولايات المتحدة في العراق، تبرز عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، على رأس قوى فصائل صغيرة أخرى، عُرفت بالتطرف الشديد في إطار موالاتها للنظام الديني في طهران.
وحافظ ممثلو حركة العصائب على لغة متشنجة لدى حديثهم عن الولايات المتحدة.
إيران: لهجة مهادنة
تحاول إيران نزع فتيل التوتر الذي أشعله قرار الولايات المتحدة سحب موظفيها من العراق.
ونقلت وكالة "فارس" عن ممثلية إيران الدائمة في منظمة الأمم المتحدة، تأكيدها أن "طهران لا تشكل أي تهديد لأحد لا في العراق ولا في أي مكان آخر ولا تعتزم الهجوم على أي مكان".
وبحسب الممثلية الإيرانية، فإن "مزاعم أميركا الأخيرة ومنها الأوامر الصادرة للموظفين غير الضروريين في العراق بالمغادرة أحدث مشهد للحرب الإعلامية الأميركية ضد ايران، استناداً إلى تقارير استخباراتية مزيفة تتخذها ذريعة لمواجهة محتملة".
الهولنديون باقون في العراق
أوضحت السفارة الهولندية في بغداد، الظروف المحيطة بقرار تعليق التدريبات التي يقدمها الجيش الهولندي لنظيره العراقي، مشيرة إلى أن القرار اتخذ من جانب التحالف الدولي. وقالت السفارة في بيان لوسائل الإعلام إن "هذه التدريبات قد تُستأنف في نهاية الأسبوع"، مؤكدة استمرار أنشطتها الدبلوماسية المعهودة في العراق "حالياً، وخلال السنوات المقبلة".
في السياق نفسه، نفت وزارة النفط العراقية حقيقة الأنباء التي تحدثت عن "مغادرة الموظفين في شركة إكسون موبيل الأميركية مواقع العمل داخل الأراضي العراقية".
وقال وكيل الوزارة لشؤون الاستخراج فياض حسن نعمة إن "المسؤولين في شركة إكسون موبيل الأميركية، قد أكدوا لي عدم إجلاء موظفيهم من حقل غرب القرنة في محافظة البصرة كما تردد وتناقلته بعض وسائل الصحافة والإعلام"، موضحاً أن الموظفين الأميركيين "يعملون جنباً إلى جنب زملائهم من العراقيين والأجانب في ائتلاف الشركات المقاولة المطورة لحقل غرب القرنة وفق البرنامج المخطط له".
وزير النفط العراقي: الشركات الأجنبية مستمرة في العمل
أكد وزير النفط العراقي ثامر الغضبان أن "بغداد طمأنت الشركات الأجنبية بأن جميع المواقع النفطية في البلاد آمنة"، قائلاً إن "منشآت البترول في عموم البلاد تخضع لحماية قوات الأمن".
وتابع أن حكومة بلاده تلقت تطمينات صريحة من الشركات العالمية الكبرى بالاستمرار في العمل، لضمان ثبات معدلات الإنتاج المعروفة.
وأعلن المتحدث باسم وزارة النفط العراقية عاصم جهاد أن "الوزارة حريصة على توفير البيئة الأمنية المناسبة لعمل الشركات العالمية والحفاظ على سلامة العاملين فيها"، مؤكداً أن "العاملين في الشركات الأجنبية لا يواجهون أي مشاكل أمنية أو تهديدات".
المقاتلات الأميركية تنفذ طلعات مكثفة في غرب العراق
مع تسارع وتيرة التطورات في بغداد، تكثف الطائرات الأميركية المقاتلة، طلعاتها في مناطق غرب العراق، المشرفة على الحدود السورية، حيث تملك فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران، مقرات متقدمة.
ويشير جانب من المعلومات الاستخباراتية التي في حوزة الأميركيين، إلى أن إيران زودت وكلاء عراقيين بصواريخ متوسطة المدى، يمكن لها إصابة أهداف في العمق السوري، في حال إطلاقها من مواقع في غرب العراق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وينطلق الأميركيون في نشاطهم غرب العراق، من قاعدتين عسكريتين في محافظة الأنبار، تخضعان لسلطة القوات المسلحة العراقية.
وخلال الأشهر الماضية، شهدت القاعدتان أعمال تعديل واسعة، شملت إضافة مرافق جديدة، لاستيعاب نشاط طائرات أميركية مقاتلة.
وترجح المصادر العراقية أن يتجه الأميركيون إلى تصفية النفوذ الإيراني في غرب العراق، حال اندلاع مواجهة عسكرية بين البلدين، بغض النظر عن سعتها.
علاوي: منصات صواريخ إيرانية في البصرة
أغضب رئيس الوزراء العراقي الأسبق أياد علاوي، حلفاء طهران في العراق، عندما أعلن أن لدى الولايات المتحدة معلومات تشير إلى وجود منصات صواريخ في مدينة البصرة، جنوب العراق، موجهة إلى دول الخليج وإسرائيل.
وتلقى علاوي سيلاً من التهم والشتائم، بعد تصريحه هذا، على الرغم من أنه نقله عن مسؤولين بارزين في أجهزة الاستخبارات الأميركية، على حد وصفه.
إقليم كردستان يطالب باستثناء أميركي
كما كان متوقعاً، عبّر إقليم كردستان العراق عن موقف واضح إزاء المصالح الأميركية في المنطقة، داعياً الإدارة الأميركية إلى استثنائه من أي إجراءات مشددة تتعلق بالأزمة مع إيران.
وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في برلمان كردستان العراق ريبوار بابكي إن سلطات الإقليم لن تسمح لأي قوة عسكرية، بتنفيذ "هجمات بالوكالة"، ضد المصالح الأميركية.
وتابع أن الأوضاع في ما يتعلق بأمن القوات الأميركية وموظفي الولايات المتحدة في إقليم كردستان "مختلفة عن وسط وجنوب العراق".
ويتمتع إقليم كردستان، شبه المستقل عن سلطات بغداد، باستقرار أمني منذ أعوام.
ويفخر بابكي بأن الإقليم لم يشهد مقتل عسكري أميركي واحد منذ اجتياح العراق في 2003، مشيراً إلى أن ملفَّيْ السياسة والاقتصاد في كردستان العراق مستقران أيضاً.