ليست الكتب سندويشات هامبرغر أو فاصولياء مطبوخة- فكل كتاب جديد هو أداة تثقيفية فريدة وقد يغيّر مسار حياة بأكملها. لكن كل كتاب يمثّل أيضاً مجموعة من المخاطر التجارية واستثماراً هائلاً للخبرة والعمل من المؤلفين والوكلاء والأدباء ودور النشر. ولهذا السبب، فإن التحوّل بعد بريكست نحو "نظام الاستنفاد الدولي" الذي تُضعف فيه قوانين التأليف والنشر، ضربة قاضية لنظام استثنائي يلعب دوراً حيوياً في تجارة الكتب عالمياً.
مِثل العديد من الوكلاء الأدبيين، فإنني أمثّل مجموعة متنوعة من الكتّاب، بدءاً بالكتّاب المخضرمين والذين تتصدّر كتبهم قوائم المبيعات، ووصولاً إلى الكتّاب المبتدئين، وأولئك الذين يعملون على إنهاء "تلك الرواية الثانية الصعبة". والنقطة المشتركة بينهم هي الكمّ الهائل من العمل الشاق، والطريق الوعرة باتجاه مهنة مستدامة في مجال الكتابة- إذ يشغل بعضهم أكثر من وظيفة من أجل تأمين معيشتهم في انتظار فرض وجودهم على الساحة الأدبية.
عندما يبرم الوكلاء عقداً مع كتّاب جدد، يسدونهم النصيحة التالية: "لا تتخلّ عن وظيفتك اليومية"- وقد كتب مؤلفون مشهورون مثل مونيك روفي وبيرناردين إيفاريستو وفال ماك ديرمد عدة كتب قبل أن تبلغ مسيرتهم المهنية منعطفاً مهماً. وبصفتي شاعرة، اختبرت شخصياً الطريق الوعر والطويل نحو النشر أيضاً، وأعلم مدى أهمية نظام الملكية الفكرية البريطاني بالنسبة لصحة القطاع وعافية الكتّاب.
يتعرض دخل المؤلفين بالفعل لكمّ هائل من الضغوطات التي فاقمتها الجائحة. فحسب دراسة من عام 2019 لم يتخطَ الدخل السنوي للمؤلف المحترف 10500 جنيه استرليني (14500 دولار). ولكن فيما زادت نسبة القراءة أثناء الإغلاق، وأفادت بعض دور النشر الكبيرة عن أرباح جيدة في عام 2020، كانت نسبة كبيرة من المبيعات لكتبٍ كلاسيكية ما عادت حقوق النشر والتأليف تنطبق عليها، بينما ذهب القسم الأكبر من بقية المبيعات إلى الكتّاب الكبار. كثرٌ هم المؤلفون الاستثنائيون الذين لا يحصلون على الدخل الذي يستحقونه. لكن تنوع ونوعية الأعمال التي يعرضها الناشرون من كافة الأحجام، تجعل قطاع النشر البريطاني كنزاً- جاهزاً للنهب إذا ما تعرّض القطاع لخطر أكبر بسبب فرض تغيير قائم على سوء تقدير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تعدّ بريطانيا أكبر مصدّر كتب في العالم: 58 في المئة من دخل قطاع النشر يأتيه من الصادرات. وتقدّر رابطة الناشرين أن الاستنفاد الدولي سيكبّد القطاع خسارة تقارب 2.2 مليار جنيه سنوياً، فيما تبلغ حصة المؤلفين من هذه الخسارة 506 ملايين جنيه. وسيعاني المؤلفون بالتالي من ضربة مزدوجة، بسبب عائداتهم الأقل أصلاً من الصادرات، مع عودة دخول الكتب بنسخها الأقل سعراً إلى المملكة المتحدة لكي تستبدل المبيعات المحلية. كما يمكن أن تغرق السوق كذلك بنسخ الكتب الموجودة داخل متاجر البقالة الأميركية، فتُباع بثمن أقل من النسخ المحلية ذات النوعية الفاخرة.
وستكون الضربة الأقوى للمؤلفين، الذين تقوم استمرارية القطاع عليهم، إذ حذّرت رابطة المؤلفين بأنهم قد يخسرون أكثر من 65 في المئة من دخلهم.
وسوف يشكّل نظام الاستنفاد الدولي لحقوق التأليف والنشر زخماً للأسواق الإلكترونية، فيما تحصل المملكة المتحدة في المقابل على عائدات ضئيلة أو معدومة من الضرائب، وتتلقى المكتبات التجارية والمستقلة ضربة جديدة. أمّا من ناحية السعر، فإن الكتب المسموعة والإلكترونية متاحة أساساً للمستهلكين البريطانيين بأسعار منخفضة، فيما يمكنهم كذلك شراء كتب مطبوعة عليها حسومات كبيرة.
وسيؤدي ذلك إلى فوضى إدارية، وإغلاق بعض المؤسسات أبوابها، وخسارة وظائف، وعجز المزيد من الكتّاب عن النشر كلياً. وتقلّص الموارد وزيادة الحذر وتراجع النوعية والتنوّع- أي أثر "تسطيحي" ثقافي. بهذه الطريقة نتخلّى عن السعي الحثيث لعدة أجيال من الكتّاب المبدعين ونسلّم زمام الأمور إلى المنافسين الدوليين.
كما ستغرق الأصوات المتنوعة التي نحن بأمس الحاجة إلى إعلائها. وفي النهاية سيرتب علينا اعتماد إطار استنفاد حقوق التأليف والنشر الدولي ثمناً، هو عدد أقل من الكتب بأقلام عدد أقل من الكتّاب، مع تراجع النوعية والخيارات المتاحة أمام القرّاء.
عوضاً عن تعرية الكنز الأدبي، على الحكومة الإصغاء إلى المبدعين والحفاظ على نظام التأليف والنشر الممتاز الذي نعتمده أساساً، وزيادة تمويل المكتبات لكي نستطيع تغذية قرّاء وكتّاب المستقبل.
تترأس إيزوبيل ديكسون قسم الكتب في وكالة بليك فريدمان الأدبية، كما رابطة وكلاء المؤلفين.
© The Independent