تشكل قنبلة "خنق" تكاليف رعاية الأطفال في المملكة المتحدة أولياء الأمور العاملين، مع شعور عشرات الآلاف من الناس في البلاد بأنهم مقيدون ومحاصرون ويائسون، خبراً سيئاً للجميع باستثناء من تجاوزوا هذه المرحلة.
فقد خرجت من السنوات الكارثية المباشرة حين يتعلق الأمر بتسديد تكاليف الرعاية ليوم كامل لطفليّ، فابني أصبح الآن في سن الخامسة، والتحق بالصف الأول في مدرسة ابتدائية عامة العام الماضي. وهو يحظى بتغطية للسنوات الـ 11 المقبلة من تعليمه (على الأقل حتى الساعة الثالثة بعد الظهر) لكن ماذا عن المرحلة السابقة لذلك؟
كانت عائلتي مجرد عائلة من العائلات التي تدفع ما يصل إلى 8400 آلاف جنيه استرليني ( نحو 11616 دولاراً أميركياً) سنوياً في مقابل ثلاثة نهارات كاملة في الأسبوع من رعاية الأطفال في حضانة لندنية، وكنت أحد الأشخاص "المحظوظين".
في استطلاع حديث لـ 20 ألف ولي أمر عامل، قال 96 في المئة من المشاركين إنهم يشعرون بأن الحكومة لا تقوم بما يكفي لدعم أولياء الأمور على صعيد تكاليف رعاية الأطفال وتوافرها، وقال 97 في المئة إن تكاليف رعاية الأطفال في المملكة المتحدة باهظة، إذ يدفع ثلث أولياء الأمور في مقابل رعاية أطفالهم أكثر مما يدفعونه كإيجارات أو أقساط للرهن العقاري. ولدى صديقة لي تحادثت معها الإثنين في هذا التقرير ونحن في الطريق إلى المدرسة واحد من أكثر الأمثلة شدة.
هي عاملة لحسابها الخاص وتعمل منتجة إعلانات، وهو عمل يجبرها على السفر خلال مهل قصيرة (نسبياً). وليست ساعات عملها ثابتة، وزوجها يعمل أيضاً، ولديهما طفلان تقل سناهما عن السابعة. ونتيجة لذلك قالت لي إنهما ينفقان 30 ألف جنيه سنوياً لتسديد أجور مربية يستدعيانها حين يحتاجانها، وذلك أحياناً لمرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع، ولساعتين في كل مرة.
وقالت لي: "حين أكون في مهمة عمل تكون الحياة شديدة إلى حد كبير. لقد دفعت خلال الصيف أربعة آلاف جنيه في مقابل ستة أسابيع من رعاية الأطفال المخصصة. لقد اضطررت إلى ذلك وإلا فلم أكن لأتمكن من العمل. وبحلول أغسطس (آب) كنت قد دفعت 15 ألف جنيه بالفعل هذا العام على رعاية الأطفال فقط، وبحلول نهاية العام سيصل المبلغ إلى حوالي 25 ألف جنيه. وفي الأعوام السابقة، حين لم يكن الطفلان في المدرسة، بلغ المبلغ 30 ألف جنيه. هل أدفع هذه المبالغ الكبيرة على مضض؟ أحياناً، لكن الخيار هو بين الدفع وعدم الحصول على حياة مهنية، ولا أريد التخلي عن الحياة المهنية".
الوضع وخيم نعم، وتُعد القدرة على تحمل مربية يبلغ أجرها 30 ألف جنيه سنوياً شرفاً بالطبع، لكن القصة ليست غير معتادة، فقبل أيام فقط من بدء الفصل الدراسي كانت مجموعة المدرسة على تطبيق "واتساب" تضج بالذعر مع تسابق أولياء الأمور لمقاتلة بعضهم بعضاً على أماكن في نادي ما بعد الدوام الدراسي العامل من الإثنين إلى الجمعة. ومع توافر عدد محدود من الأمكنة، إذا لم يتمكن المرء من حصول على مكان، فلن يتمكن من الذهاب إلى المكتب. وإذا كان المرء محظوظاً وحصل على أحد الأماكن الشاغرة فسيدفع 15 جنيهاً استرلينياً لكل طفل في مقابل الحصول على فرصة لإعادتهم إلى المنزل عند الساعة السادسة مساء. وليس العثور على رعاية الأطفال المخصصة أو الحصول عليها سهلاً، ليس من دون وجود عائلة تقيم في مكان قريب، ووسط التدافع وقعت مصارعة دموية، إذ تمنينا "حظاً طيباً" لبعضنا بعضاً وتأهبنا لدخول الموقع الإلكتروني. لقد اختُصرت رعاية الأطفال إلى مزاد عبر الإنترنت.
لكن وفي حين قد يكون الأمر مزعجاً لبعض أولياء الأمور، يمكن أن يكون مدمراً لبعضهم الآخر، فالبحوث تبين أن أولياء الأمور والرعاة ذوي المداخيل الأدنى، بما في ذلك أولياء الأمور العازبون أو المستفيدون من الائتمان الشامل أو ذوو الإعاقات أو ذوو الخلفيات الإثنية السوداء، تأثروا أكثر من غيرهم بتكاليف رعاية الأطفال، وأن واحداً من ثلاثة يقل دخلهم الأسري (السنوي) عن 20 ألف جنيه اضطر إلى خفض النفقات على الأغذية الأساسية أو الإسكان في نتيجة مباشرة للفواتير المتصلة برعاية الأطفال. وجرت الإثنين مناقشة حول التكاليف الباهظة لرعاية الأطفال، بعدما وقع أكثر من 100 ألف شخص عريضة أعدتها مجموعة ناشطة تُدعى "حامل إذاً أنت تعيسة".
هل سيتغير أي شيء؟ أشك في ذلك. عام 2019 كشف تقرير أن أولياء الأمور البريطانيين ينفقون ما يوازي تكاليف سنة جامعية كاملة على رعاية الأطفال. وبعد ثلاث سنوات لا يزال أولياء الأمور والرعاة في مشكلة، باستثناء أننا عانينا من جائحة عالمية وجب علينا التعامل معها، قضت على حيوات وسبل عيش، وكانت الضغوط بالتالي ضخمة على أي ولي أمر رغب في الاحتفاظ بحياته المهنية أو احتاج إلى ذلك في حين كانت لديه أيضاً عائلة. والضغوط الآن أكبر من ذي قبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حين كان طفلاي في حضانة كانت الفواتير الشهرية تجعلني أجفل: 700 جنيه في مقابل ثلاثة أيام بين الثامنة صباحاً والسادسة مساء من الرعاية لطفلي البالغ (آنذاك) سنتين، أي ما مجمله 8400 جنيه سنوياً، ولم يأخذ ذلك المبلغ في الاعتبار التكاليف الإضافية للرعاية بعد الدوام المدرسي لطفلتي الأكبر (15 جنيهاً لساعتين) أو في نادي الفطور قبل الدوام المدرسي (أربعة جنيهات يومياً). فالرعاية الشهرية للأطفال تكلف العائلات، كعائلتي، بعد احتساب كل شيء، مبلغاً ضخماً. وفي بعض الأشهر مثل ديسمبر (كانون الأول) بهجمة تقديم الهدايا فيه، كانت تكاليف رعاية الأطفال حرفياً غير قابلة للتحمل.
ولأولئك الذين يقولون لماذا يجب إذاً أن ندفعها أساساً؟ حسناً، إن دفع المال في مقابل رعاية لدى حضانة خاصة هو الخيار الوحيد المتوفر حتى يبلغ أطفالكم الثالثة ويبدأ العمل بالتعليم المبكر المجاني لـ 30 ساعة ورعاية الأطفال للبالغين ثلاث وأربع سنوات (ما يُعرف بـ"التأهل الموسع"). فماذا عن المرحلة بين بلوغ طفلكم سنته الأولى، حين يكون من المتوقع عودة الكثير إلى العمل بعد إجازة الأمومة، وبلوغه سنته الثالثة؟ ثمة فجوة أهملتها الحكومة بوضوح سابقاً وتهملها الآن.
قد يتساءل الناس أيضاً لماذا يعود أولياء الأمور، والمقصود عادة هو النساء، إلى العمل في المقام الأول في ضوء التكاليف. لكن العودة حيوية بالنسبة إلي (ولا سيما بالنسبة إلى أولياء الأمور العازبين).
لم أستطع تحمل تفويت أجزاء كبيرة من حياتي المهنية ورغبت في العمل. وفي الواقع احتجت إلى العمل للحفاظ على إحساسي بذاتي وصحتي العقلية بعدما أصبحت أماً للمرة الأولى، للشعور بالارتباط بالمهنة التي أمضيت فيها 15 سنة صعبة وأنا أعمل لتحقيقها، ولتسديد الفواتير.
لم أستطع تحمل التخلي عن ذلك كله لأنني كنت بالكاد أعيش بموازنة متوازنة، على الرغم من أنني كنت خلال بعض الأشهر أدفع مالاً في الواقع لكي أتمكن من الذهاب إلى العمل.
وواصلت أيضاً حياتي المهنية، على الرغم من الصعوبات، لأنني أردت أن أظهر لطفليّ أهمية القيام بذلك بالنسبة إلى النساء، ولا سيما من بينهما ابنتي. لقد بينت دراسة بارزة أجرتها جامعة هارفارد عام 2015 أن بنات الأمهات العاملات يملن إلى تحقيق حياة مهنية أفضل والدخول في علاقات أكثر تساوياً.
وأعرف عدداً لا يُحصى من النساء اللواتي قمن بالأمر نفسه تماماً، وهذا هو الجانب الآخر من المخاوف المتعلقة برعاية الأطفال التي يجب أن نصيح ونرفع الصوت في شأنها. هي تؤثر في شكل غير متناسب في النساء، ولا عجب أن الحيوات المهنية لنساء كثيرات تعاني جموداً في هذه السنوات المبكرة الحيوية حين يصبحن والدات، فهن إما يدفعن مالاً لكي يعملن، أو لا يستطعن تحمل تكاليف العمل مطلقاً. ووجد صندوق العائلة ورعاية الأطفال عام 2015 أن "العمل لا يحقق دخلاً" ببساطة في هذه الحالة.
بالنسبة إلى نساء كثيرات، يمكن أن يكون البقاء في المنزل مع أطفالهن خياراً يستمتعن به ويشعرهن بالفخر، لكن بالنسبة إلى أخريات تلغي التكاليف الباهظة لرعاية الأطفال مبدأ "الخيار".
وليس نظام رعاية الأطفال الحالي غير مناسب في شكل محزن وحسب، بل هو يشجع أيضاً وبفاعلية المعايير الأبوية "التقليدية" في شأن بقاء المرأة في المنزل للاهتمام بالأطفال، في حين يذهب الرجل إلى العمل، وهذا قد لا يكون مفاجئاً إذا صدر عن الحكومة الحالية التي تضم متحدثين باسمها يشبهون (رئيس مجلس العموم) جاكوب ريس موغ الذي قال "إنني لم أغير حفاظاً (لطفل) يوماً".
وقد أعادت الجائحة بالفعل النساء إلى الوراء، تبين استنتاجات أن النساء خلال الشهر الأول من الإغلاق الشامل الأول في المملكة المتحدة تحملن في المتوسط واجبات يومية في مجال رعاية الأطفال أكثر من الرجال بنسبة الثلثين. وإذا واصلت الحكومة تخييب أمل أولياء الأمور العاملين فسيتفاقم الاتجاه وستتوسع الفجوة أكثر حتى.
أما الذين يقولون "لا تنجبوا أطفالاً إن كنتم لا تستطيعون تحمل تكاليفهم" فيبسطون الأمور إلى درجة التعتيم عليها. المسألة الحقيقة هنا أن توفير رعاية الأطفال في المملكة المتحدة يحتاج إلى إصلاح كامل، عندئذ فقط نبدأ في معالجة التفاوت بين الجنسين، ويجب أن تأتي المعالجة من الأعلى.
يجب ألا نلوم أولياء الأمور، بل نظاماً يواصل الفشل في دعم قوته العاملة. ووفق الإحصاءات تمثل النساء 71.8 في المئة من تلك القوة العاملة. ألم يحن الوقت لمعاملة النساء العاملات وأطفالهن معاملة أفضل؟
© The Independent