عاد المجلس العسكري الانتقالي و"قوى الحرية والتغيير" في السودان، الأحد 19 مايو (أيار)، إلى طاولة المفاوضات بعدما عُلّقت 72 ساعة. وتستعد المعارضة لتسمية رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة الانتقالية وثلثي أعضاء البرلمان وسط عددٍ كبير من ملفات ساخنة وآمال من الشعب السوداني.
واتفق المجلس العسكري و"قوى الحرية والتغيير"، خلال المفاوضات بينهما، الثلثاء 14 مايو، على مهمات مجالس السيادة والوزراء والتشريعي، خلال فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات. وبذلك، لم يبق أمام الطرفين سوى الاتفاق على تحديد نسب المشاركة في مجلس السيادة بين العسكريين والمدنيين.
حكومة من 17 وزيراً
شرعت "قوى الحرية والتغيير" في إعداد قائمة وزراء الحكومة الانتقالية القومية. وتشير الترشيحات المقدمة إلى أن عدد الوزراء لن يكون كبيراً بهدف تخفيف الترهل في الجهاز التنفيذي. وقال القيادي في تجمع المهنيين السودانيين أمجد فريد إن الحكومة المقبلة ستكون حكومة كفاءات لإنجاز المهمات التي تُسند إليها. وأكد فريد لـ"اندبندنت عربية" أن عدد الوزراء في الحكومة العتيدة لن يتجاوز 17، وسيكون أمامها برنامج إسعافي لإصلاح الاقتصاد بهدف إنقاذ السودان والتخلص من الجهويات والإثنيات التي صنعها نظام الرئيس المعزول عمر البشير.
في أعقاب سقوط البشير، وفي الاجتماع الأول للمجلس العسكري و"قوى الحرية والتغيير"، طالب الأول بأن يكون رئيس الوزراء من الكفاءات أو التكنوقراط، واتفق المجلس والمعارضة على أن يكون رئيس الحكومة من الكفاءات ذات القدرة على العمل وجبه التحديات التي تنتظر الحكومة الانتقالية.
بناء عليه، رُشحت أسماء عدة لتولي رئاسة الوزارة، ووفق مصادر معارضة، فإن مكونات "قوى الحرية والتغيير" الأساسية لم تتفق على اسم رئيس الحكومة، وشُكّلت لجنة من شخصيات منها رجل المال والأعمال أسامة داؤود والصحافي محجوب محمد صالح، أسندت إليها مهمة دراسة الترشيحات المقدمة من مكونات تحالف قوى المعارضة، وتحديد المعايير لشغل المنصب، وترددت أسماء الخبير الاقتصادي عبد الله حمدوك والأستاذ في جامعة الخرطوم مضوي إبراهيم والباحث في مركز التنمية العالمية في واشنطن إبراهيم البدوي والأستاذة الجامعية إنتصار الزين صغيرون.
المهمات والتحديات
ملفات ساخنة تنتظر عملاً دؤوباً من الحكومة الانتقالية لإنجازها، أبرزها إصلاح الاقتصاد الذي كان سبباً رئيساً في خروج التظاهرات التي استمرت أربعة أشهر إلى أن سقط نظام البشير، والتصدي للبطالة، فغالبية من خرجوا على النظام السابق من الشباب الذين لم يجدوا فرصاً للعمل واستبد بهم الإحباط واليأس، ما دفع بعضهم إلى هجرة جماعية من السودان إلى المجهول عبر البحار والمحيطات مغامرين بأرواحهم.
وتبرز تحديات أخرى مرتبطة بالاقتصاد، منها استمرار اسم السودان في القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب التي أدت إلى توقف المعاملات المصرفية مع الدول الأوروبية، وعرقلة إعفاء الديون الخارجية للسودان التي تبلغ 58 مليار دولار، وضعف التعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين، وتباطؤ القروض والمنح.
في هذا السياق، رأى خبراء أن ارتفاع سقف توقعات الثوار وغالبيتهم من الشباب الذين ينتظرون حلاً سريعاً لقضاياهم، وسقف توقعات الشعب السوداني الذي صبر على نظام البشير طويلاً قبل أن ينتفض عليه، يقضيان بأن تلتزم الحكومة العتيدة التقشف والنزاهة والإسراع في معالجة الأزمة المعيشية الطاحنة.
وكشف ساطع الحاج القيادي في "قوى الحرية والتغيير" أن ثمة مقترحات بعدم تقاضي الوزراء في الحكومة الانتقالية أي أجور أو مخصصات والعمل تطوعاً لتوجيه رسالة قوية للشعب أنهم موجودون لخدمته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
برلمان جديد
وقضى الاتفاق بأن تحصل "قوى الحرية والتغيير" على ثلثي مقاعد المجلس التشريعي المؤلف من 300 عضو، فيما تؤول الـنسبة المتبقية للأحزاب الأخرى. وهو ما جعل التساؤلات تمتد عن هوية القوى السياسية الأخرى المقصودة بالتمثيل، هل هي أحزاب كانت معارضة لكنها لم توقع على إعلان الحرية والتغيير، أم سيشمل التمثيل قوى سياسية شاركت في حكومة البشير في نسختها الأخيرة، وهل يشمل ذلك الحركات المسلحة في غرب البلاد وشرقها التي كانت تشارك في السلطة باتفاقيات سلام.
هناك حركات مسلحة وقوى سياسية تحفظت على النسبة المحددة للقوى الأخرى التي لا تنتمي إلى المعارضة، وترفض نصاً في الاتفاق بأن يُحدّد تمثيل القوى الأخرى بالتشاور بين المجلس السيادي و"قوى الحرية والتغيير"، وترى أن الاتفاق منح المعارضة حق النقض في مشاركتها بالبرلمان، وأن مهماته المصادقة على تشريعات تنظم عملية الانتخابات. لذا، ينبغي أن يحصل توافق حتى تشارك القوى كلها في القوانين التي تنظم الانتخابات المقبلة.
وثمة نظرة سالبة للمواطنين من تجارب البرلمانات في عهد البشير، فيتطلعون إلى تجربة مختلفة تمارس فيها الديمقراطية بصورة كاملة، ويقدم الأعضاء فيها تمثيلاً جيداً للمواطنين من التعبير عن قضاياهم ومراقبة أداء الحكومة ومحاسبتها، إلى المحافظة على مكتسبات الثورة وحمايتها عبر تشريعات وسياسات فاعلة.
ورأى الأستاذ في جامعة الخرطوم صلاح الدومة أن ثلثي البرلمان سيذهب إلى المعارضة، ولذا ينبغي أن يذهب المتبقي إلى تحالف "الجبهة الثورية" الذي يضم حركات مسلحة في إقليم دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وفي سياسة إقليمية أخرى للتعبير عن قوى الهامش في أقاليم السودان حتى يعبر البرلمان عن إرادة جميع المواطنين بأطيافهم السياسية والفكرية والجهوية المختلفة.
السلام أولوية
بإعلان المجلس العسكري والحرية والتغيير أن الأشهر الستة الأولى من عمر الحكومة المدنية المزمع تشكيلها، ستُخصص لإبرام اتفاقات السلام مع حاملي السلاح، فإن الأنظار تتجه خلال المرحلة المقبلة إلى المفاوضات بين الحكومة الانتقالية وعدد من الحركات المسلحة وأبرزها "حركة العدل والمساواة" بزعامة جبريل إبراهيم و"حركة تحرير السودان" بقيادة مني أركو مناوي و"حركة تحرير السودان" تيار عبد الواحد نور، إضافة إلى "الحركة الشعبية- الشمال" بجناحيها بقيادة عبد العزيز الحلو ومالك عقار.
وأشار رئيس حزب التحرير والعدالة القومي التجاني سيسي إلى أن دولة الإمارات العربية بدأت مشاورات لإحلال السلام في السودان، ودعت بعض قادة الحركات المسلحة في دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق للتشاور. وتوقع أن تكون أبو ظبي هي المحطة المقبلة لعملية السلام بالتنسيق مع السعودية ومصر بدلاً من الدوحة والعاصمة الإثيوبية أديس أبابا التي استضافت عدداً من جولات التفاوض بين الحكومة السابقة والحركات المسلحة.
وشدد السيسي الذي أبرم اتفاق الدوحة للسلام في دارفور مع الحكومة في العام 2011 إلى ضرورة توفر الضمانات الإقليمية والدولية في الاتفاقات التي يُتوقع إبرامها بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة الإقليمية، معتبراً أن جهات مثل الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والأمم المتحدة وعند ضمانها الاتفاقات، ستساهم في مراقبة إنفاذها. ورجّح أن تشهد المرحلة المقبلة انفراجاً كبيراً في ملف السلام بكل أنحاء البلاد.