أعلن رئيس الوزراء الكندي المنتهية ولايته، جاستن ترودو، يوم الثلاثاء، عن فوز حزبه بالانتخابات التشريعية التي جرت يوم الاثنين، وأشارت النتائج بعد فرز 95 في المئة من الأصوات حصول الحزب الليبرالي على 157 مقعداً في البرلمان مقابل 122 مقعداً للحزب المحافظ. وتأتي الانتخابات وسط حالة من الانقسام داخل المجتمع الكندي حول قضايا من أهمها: إلزامية التطعيم ضد فيروس كورونا، فاتورة الإنفاق الحكومي العالية على البرامج الاجتماعية، وبرامج التعويض عن فقدان العمل خلال فترة الجائحة، إضافة إلى قضايا المناخ وسياسات الهجرة.
استقبلت كندا عدداً هائلاً من اللاجئين وخصوصاً السوريين الفارين من ويلات الحرب التي اندلعت في بلدهم عام 2011، وخلفت حتى الآن ما يقارب 600 ألف قتيل ومفقود، وحوالى 5.6 مليون لاجئ، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. وبعد حصول العديد من السوريين على الجنسية الكندية والحق في التصويت في الانتخابات، هل شكل هؤلاء قوة انتخابية؟
قاعدة انتخابية
استقبلت كندا منذ الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 حوالى 44620 لاجئاً سورياً، بحسب إحصائيات وزارة الهجرة الكندية، وعلى الرغم من غياب إحصائيات حكومية بخصوص عدد اللاجئين السوريين الذين تم تجنيسهم، إلا أنه يرجح أن يكون جلهم قد حصل على الجنسية الكندية خلال العامين الأخيرين، بالنظر إلى قوانين الهجرة التي تتيح لهم تقديم طلبات الجنسية بعد ثلاث سنوات من وصولهم إلى كندا، بالتالي يشكل المهاجرون السوريون قوة انتخابية حاسمة في رسم مستقبل كندا السياسي للسنوات الأربع المقبلة، خصوصاً مع التقارب الشديد في استطلاعات نوايا التصويت على الحزبين الرئيسيين (حزب المحافظين والحزب الليبرالي)، فبحسب آخر استطلاع للرأي قامت به مؤسسة إبسوس، يتقدم حزب المحافظين (32 في المئة) بنقطة فقط على الحزب الليبرالي (31 في المئة).
في تصريحه لـ "اندبندنت عربية" يعتبر اللاجئ السوري أحمد ياسين (43 سنة)، التصويت لحزب جاستن ترودو "واجباً أخلاقياً للاجئين السوريين المجنسين، وذلك من باب العرفان بالجميل والامتنان لحكومته الليبرالية التي بدلت جهوداً من أجل احتضان آلاف السوريين وتوفير المساعدات الحكومية لهم، وإطلاق برامج إعادة التوطين"، ويلتزم أحمد قدومه إلى كندا بدعم مالي سنوي للحزب الليبرالي، موضحاً أن تلك المساهمة لها رمزية كبيرة لأنها بمثابة شكر للحزب على تحسين ظروف عيش أسرته، وضمان الأمان والاستقرار لها.
لكن ابنه محمد (22 سنة)، وعلى رغم دعمه للحزب الليبرالي، إلا أنه يرى في أدائه الحكومي بعض النواقص التي تعيق الاندماج الاقتصادي للاجئين السوريين، كصعوبة الحصول على فرص عمل، وصعوبة إنشاء وتمويل المقاولات، وقد تعكس وجهة نظر محمد الوضع العام لعدد كبير من اللاجئين السوريين الذين يعيشون على إعانات البرامج الاجتماعية، والذين لم يتمكنوا من إيجاد فرص عمل مناسبة، نظراً لعدة عوائق ذاتية وموضوعية، منها عائق اللغة، وعدم الاعتراف بالخبرات المهنية الآتية من خارج كندا، واعتماد أرباب العمل الكنديين على معايير عامة لا تأخذ في الاعتبار خصوصيات اللاجئين.
يشير أيوب الدقاقي، المدير التنفيذي للمركز الكندي لضحايا النزاعات المسلحة أن برامج إعادة توطين المهاجرين في كندا، والتي تمتد على مدى السنة الأولى من وصول طالبي اللجوء، ليس بوسعها تأهيل اللاجئين للاندماج الاقتصادي في المجتمع الكندي، بل يجب تبني مقاربة واقعية تأخذ في الاعتبار المهارات والخبرات الخاصة باللاجئ، والعوائق الهيكلية في بنيات التوظيف وإنشاء المقاولات، معتبراً أن ما يأخذه المهاجرون على حزب المحافظين ومن بينهم اللاجئون السوريون المجنسون، تبنيهم لسياسات هجرة ولجوء قاسية تقلص أعداد المهاجرين واللاجئين، وتضع شروطاً صعبة للجوء، كما كانت عليه الحال خلال سنوات حكم حزب المحافظين برئاسة ستيفن هاربر( 2006-2015)، إضافة إلى تقليص برامج الدعم للفئات الفقيرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتبر الدقاقي أن أصوات اللاجئين السوريين المجنسين تذهب للحزب الليبرالي، على اعتبار أنه الحزب الأكثر انفتاحاً ودعماً للمهاجرين والأقليات العرقية، لكن الاستفهام الذي قد يطرح هو مدى مشاركة هذه الفئة في العملية الانتخابية، نظراً لعوامل ثقافية وتاريخية، مشيراً إلى أن معظم اللاجئين السوريين المجنسين لم يسبق لهم المشاركة في أي عملية انتخابية في السابق، خصوصاً جيل اللجوء؛ وهم الشباب اللذين نزحوا من سوريا وهم لم يبلغوا سن 18 سنة وقضوا سنوات كلاجئين في بلدان الجوار السوري قبل الوصول إلى كندا.
تشجيع تصويت الأقليات
وعياً منهم بتلك المعطيات، أنشأت فعاليات عربية من المجتمع المدني في كندا مبادرات لتشجيع العرب الكنديين على التصويت، كمبادرة "يالا فوت" التي أطلقها المعهد العربي الكندي، وبرنامج "الصوت الكندي - المسلم" الذي يسهم في توفير معلومات لتسهيل مشاركة الأقليات المسلمة في الانتخابات الكندية.
من جانبه، يعتبر المدير التنفيذي للمركز الكندي لضحايا النزاعات المسلحة أن تلك المبادرات وإن كانت جيدة إلا أنها لا تمثل سوى بداية تأطير اللاجئين السوريين وتأهيلهم للانخراط في الحياة السياسية في وطنهم الجديد، وممارسة أحد أهم حقوق المواطنة، متسائلاً إن كان المستقبل سيشهد وجود سوريين مجنسين في البرلمان والحكومة الكندية، كما كانت عليه الحال بالنسبة للاجئين أتوا في السابق إلى كندا من دول أخرى، كوزير الطفولة، العائلة والتنمية الاجتماعية، أحمد حسين، والذي وصل إلى كندا عام 1994 لاجئاً هارباً من الحرب الأهلية في الصومال؟
حظوظ متقاربة
وقرر رئيس الوزراء الكندي إجراء انتخابات سابقة لأوانها بعد عامين فقط من آخر انتخابات، والتي حصل فيها الحزب الليبرالي على المركز الأول بـ 156 مقعداً من أصل 338 من دون حصوله على الغالبية المطلقة، مما جعله مضطراً إلى الدخول في مفاوضات وتفاهمات مع حزب المحافظين وأحزاب صغرى أخرى، ويطمح الحزب الليبرالي من خلال تلك الانتخابات الحصول على غالبية مطلقة لتمرير قرارات كبرى ومهمة، كإلزامية التطعيم على جميع الكنديين الذين يفوق عمرهم 12 سنة، وإنشاء حسابات التوفير من أجل تمكين الكنديين من اقتناء منازل بإعفاءات ضريبية كبيرة، والعمل على تخفيض مستوى الانبعاثات الغازية الملوثة للبيئة بنسبة 50 في المئة، ورفع عدد المهاجرين واللاجئين إلى أكثر من 400 ألف سنوياً ابتداء من عام 2023 وفق مخطط الهجرة الذي طرحته وزارة الهجرة الكندية، مع خطة لاستقدام حوالى 40 ألف لاجئ أفغاني.
ويشير الدقاقي أن مختلف الأحزاب المنافسة لترودو انتقدته هو وحزبه بسبب قرار إجراء انتخابات مبكرة خلال جائحة كورونا، بالتالي اتهمته بالانتهازية السياسية، كما انتقدت الإنفاق الهائل لحكومته خلال فترة الجائحة على البرامج الاجتماعية وإعانات البطالة، واعتبرت أن الأجيال القادمة من الكنديين ستقوم بتسديد فاتورة هذا الإنفاق الهائل، كما انتقد الأداء الحكومي بخصوص إدارة أزمة اللاجئين الأفغان اللذين تعاونوا مع الجيش الكندي في أفغانستان وعائلاتهم، في حين يعتبر الدقاقي أن حزب المحافظين قدم نفسه للناخبين على أنه الحزب الأقدر على تجاوز الأزمة الاقتصادية الناتجة من الجائحة، وعلى تحقيق الإقلاع الاقتصادي، وذلك من خلال توفير فرص عمل أكثر، وإلغاء برامج إعانات البطالة وتقليص النفقات الاجتماعية للحكومة، بهدف إعادة التوازن للميزانية العامة لكندا، مضيفاً أن الحزب يتبنى كذلك سياسات تشديد قوانين محاربة الفساد، إضافة إلى مبدأ حرية الاختيار بخصوص التطعيم ضد فيروس كورونا، والتركيز على برامج الصحة النفسية للكنديين.