مسرعاً بسيارته، يسير خليل نحو المستشفى ناقلاً مريضاً، لكن الحفر في الطرقات حالت دون تمكنه من إنقاذه، وعلى الرغم من أن الشارع الذي سلكه يعد الأقصر لمكان تلقي خدمة العلاج والأقل ازدحاماً، لكنه مليء بالحفر.
حتى لو سلك خليل طريقاً آخر، فإن مصيره حتماً مصادفة عشرات الحفر في أي شارع، إذ يقدّر اتحاد بلديات غزة أن نسبة الدمار الذي لحق بالطرق والبنية التحتية يصل إلى 75 في المئة، نتيجة الغارات الإسرائيلية التي شنها الجيش في العملية العسكرية الأخيرة والتي جرت في مايو (أيار) المنصرم.
وبحسب المنظمات الدولية التابعة لهيئة الأمم المتحدة وبلديات القطاع، فإن إسرائيل ركزت في عمليتها العسكرية الأخيرة على تدمير البنية التحتية، غالبية الضربات التي أعلنت عنها، ألحقت أضراراً جسمية في شبكات الصرف الصحي والخطوط الناقلة للمياه والطرق الواصلة بين المدن.
إعمار من دون تأهيل البنية التحتية
تبرر إسرائيل فعلتها هذه، بأنها ضربت أهدافاً لحركة "حماس"، ويقول المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي إنهم وجهوا ضربات موجعة للبنية التحتية للحركة في غزة، وحققوا كثيراً من الأهداف التي قد تعرقل نشاطها فترة زمنية طويلة.
وكان من المخطط أن تبدأ عملية الإعمار في إصلاح وتأهيل البنية التحتية لشوارع القطاع والأماكن المستهدفة، ثم الشروع في إعادة بناء المباني التي دمرتها إسرائيل، لكن ذلك لم يتم تنفيذه، إذ أعلنت وزارة الأشغال العامة والإسكان عن انطلاق عملية إعمار غزة على أن تبدأ من المنازل المدمرة.
ويقول رئيس مكتب الإعلام الحكومي سلامة معروف إن أموال المانحين التي جاءت عبر المنحة الأميركية برعاية هيئة الأمم المتحدة، وغيرها من الدول، توجهت لإصلاح وبناء المنازل المدمرة، وجرى إرسال إشعار لهذه الفئة بضرورة إعداد المخططات الهندسية، ويشير معروف إلى أن الجهات المانحة لديها رغبة في إعادة إعمار البيوت السكنية المدمرة، ثم إعمار وإصلاح البنية التحتية، ما يخالف رغبة الجهات الحكومية التي تفضل البدء في مشاريع إصلاح الطرقات وشبكات الصرف الصحي حتى يكون الإعمار على أسس صحيحة.
80 نقطة عرضة للانهيار
في الواقع، المانحون مضطرون لاتباع هذا التوجه، إذ عارضت إسرائيل والكونغرس الأميركي إصلاح وتأهيل البنية التحتية في قطاع غزة، بذريعة أن هذه الخطوة تضيق على حركة "حماس" التي تبني أنفاقاً تحت الأرض. الأمر الذي دفع المانحين إلى إرجاء دفع الأموال لإصلاح البنية التحتية، والتوجه لإعمار المباني المدمرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن هذه الخطوة، أثرت بشكلٍ سلبي في طبيعة الحياة في القطاع حيث ينذر الدمار الذي لحق بالبنية التحتية بانهيارات أرضية، قد تطال أكثر من 80 نقطة مأهولة بالسكان، بخاصة إذا حدث تسرب مياه في الأماكن المدمرة.
ويقول رئيس اتحاد بلديات قطاع غزة يحيى السراج إن صواريخ الطائرات المقاتلة استهدفت الشوارع الرئيسة وتركت حفراً تحت الأرض بعمق يتراوح من خمسة إلى 10 أمتار، ودمرت خطوط الصرف الصحي وأنابيب نقل المياه ومناطق تجميع الأمطار، ويوضح أن الدمار الذي لحق بالبنية التحتية يقع وسط مناطق مأهولة بالسكان، وباتت هذه المناطق فارغة من أي تربة تحمل الأرض المشيّدة عليها المباني والعمارات السكنية، لافتاً إلى أن هذا الفراغ إذا تعرض لتسرب مياه، أو فيضان بسبب الأمطار، تنتج منه انهيارات أرضية.
وبحسب جيولوجيا أرض غزة، فإن تربتها تتشكل من 70 في المئة من الرمال، والباقي من الكلس، وهذا يعني أنها في حال تعرّضت للمياه فإنها تهبط أو تنجرف، ما يجعل المباني والطرقات معرضة فعلياً للانهيار.
إصلاح مؤقت
وفي محاولة لتفادي المخاطر، شرعت بلديات قطاع غزة في إصلاح مؤقت وغير شامل للطرقات وشبكات الصرف الصحي وأنابيب نقل المياه، لكن السراج يعتقد أن هذا الإصلاح غير كاف ولم يصل إلى المناطق المدمرة، فضلاً عن أن هذه الخطوة لا تمنع حدوث الانهيارات المتوقعة، ويعزو السراج عدم تمكن طواقم البلدية من اكتشاف الأضرار أو إصلاحها بشكل نهائي، إلى أن الاستهداف أصاب البنية التحتية العميقة وتسبب في اهتزاز كبير في التربة، مشيراً إلى عدم توافر الأدوات المتطورة وضعف الإمكانيات المادية وندرة المواد الخام.
السلطة تحاول إنقاذ بنية غزة
ووفقاً للتقديرات العاجلة، فإن إجمالي تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية في القطاع تصل إلى 50 مليون دولار، تقدمت الجهات المانحة بوعود لإصلاحها لكن من دون تحقيق ذلك، نتيجة وجود قرار سياسي يمنع الشروع في هذه الخطوة، على حد قول السراج الذي أوضح أن إعادة تأهيل المساكن يعرّضها لمخاطر عدة في حال حدثت مشكلات في البنية التحتية، ولمحاولة إصلاح وتأهيل البنية التحتية، وجهت وزارة الحكم المحلي التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، مطالبات رسمية لعدد من الجهات المانحة وصندوق النقد الدولي لتمويل إعادة إعمار البنى التحتية في قطاع غزّة.
ويقول وزير الحكم المحلي مجدي الصالح إنهم أبلغوا المانحين بأن انهيارات أرضية حتمية تنتظر غزة خلال الأشهر المقبلة إذا لم يتم اصلاح البنية التحتية.