شهد اليوم الرابع، وقبل الأخير من المؤتمر السنوي لحزب العمال المعارض في بريطانيا، استقالة أحد وزراء حكومة الظل، ليزيد من تركيز المؤتمر الأول لزعيم الحزب، كير ستارمر، على مشاكله الداخلية بدلاً من التصدي للقضايا التي تهم الجماهير. وعكس مؤتمر الحزب الوضع الهش للمعارضة البريطانية، خصوصاً منذ إقالة الزعيم السابق للحزب جيريمي كوربين، على خلفية اتهامات بتجاهل قيادة الحزب مشاكل "معاداة السامية" في صفوفه.
وأعلن القيادي في حزب العمال، آندي ماكدونالد، الاستقالة من منصب وزير حقوق العمال في حكومة الظل لحزب المعارضة الرئيس. وقال في خطاب استقالته إن وضعه في الصفوف الأولى للحزب "أصبح لا يحتمل" بعدما طلب منه مكتب رئيس الحزب المشاركة في جلسة على هامش المؤتمر السنوي، والدفاع عن تخلي الحزب عن حد أدنى للأجور عند 20 دولاراً (15 جنيهاً استرلينياً في الساعة). وقال ماكدونالد "لا يمكنني أن أفعل ذلك".
وينقسم الحزب بين جناح يساري يريد تضمين بيان الحزب للانتخابات المقبلة التعهد برفع الحد الأدنى للأجور بهذا القدر، واختيار من هم حول زعيمه ستارمر الذي يريدون حداً أدنى عند 13.5 دولار (عشرة جنيهات استرلينية للساعة). يذكر أن هذا أقل حتى مما تسعى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إقراره في الولايات المتحدة الأميركية بحد أدنى للأجور عند 15 دولاراً في الساعة.
انقسامات ومشاكل
ومنذ تولى كير ستارمر زعامة الحزب خلفاً لكوربين وهو لا يظهر قدرات قيادية واضحة. ويشهد الحزب صراعات داخلية جعلت أداءه في انتخابات تكميلية وفي الانتخابات المحلية الأخيرة سيئاً جداً. وعلى الرغم من شعار المؤتمر عن الوحدة الداخلية وفي البلاد، "نحو مستقبل أفضل معاً"، فإن صفوف الحزب ليست كلها "مع" رئيسه والفريق الملتف حوله.
وتزيد المشاكل بين قيادة الحزب ونقابات العمال، التي تعد الممول الرئيس للحزب وعصب عضويته الجماهيرية، منذ تولي كير ستارمر الزعامة. ولم تشارك الرئيسة الجديدة لأكبر نقابات العمال (يونايت)، شارون غراهام، في المؤتمر السنوي للحزب الذي تعد نقابتها أكبر مموليه. وعلى الرغم من أن قادة في النقابة ذكروا في مقابلات صحافية أن ذلك لا يعني تخلي النقابة عن تمويل الحزب، فإن عدم مشاركة رئيسة النقابة في المؤتمر السنوي للحزب ليست أمراً جيداً لزعيم الحزب كير ستارمر.
ووجه القيادي في الحزب، ووزير الخزانة السابق في حكومة الظل للحزب، جون ماكدونيل، تلميحاً قوياً إلى رئيس الحزب. وطالب ماكدونيل من كير ستارمر إعادة زعيم الحزب السابق جيريمي كوربين إلى صفوف الحزب الأمامية، إذا ما كان يريد توحيد صفوف الحزب استعداداً لخوض الانتحابات العامة المقبلة بعد سنوات.
معارضة ضعيفة
وحسب تقارير معظم الصحافيين والمعلقين السياسيين الذين يتابعون مؤتمر حزب العمال في مدينة برايتون الساحلية ويتحدثون إلى الأعضاء، فإن هناك شعوراً بأن قيادة الحزب لا تقوم بما يجب بشأن التصدي للأزمات التي تواجهها بريطانيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يبدو ذلك واضحاً في فشل قيادة الحزب في استغلال أخطاء حكومة حزب المحافظين في التعامل مع أزمات متتالية، آخرها أزمة نقص الوقود في محطات البنزين وطوابير السيارات أمام المحطات على مدى الأيام الماضية. وبدلاً من التوجه إلى الجماهير وطرح البديل الذي يجنب الشعب البريطاني مثل هذه الأزمات، كان الحزب وقيادته مشغولين بصراعات داخلية ومشاكل الحزب نفسه.
ويدلل أكثر من معلق سياسي على ضعف الحزب الرئيس في المعارضة بأن القيادة "تعيد تدوير" شعارات الحزب في وقت زعامة رئيس الوزراء السابق توني بلير. وكان يوم الاثنين مخصصاً لقضايا المجتمع والجريمة، وتميزت كلمات قيادات الصفوف الأولى للحزب من فريق كير ستارمر بتكرار شعار الحزب أيام بلير عن الحاجة إلى مواجهة "الجريمة وأسبابها".
ويوفر ذلك فرصة للمحافظين لتعزيز اتهامهم حزب العمال بأنه حزب "توظيف وتضخيم البيروقراطية من دون نتائج حقيقية"، خصوصاً أن الحزب سيضمن برنامجه في نهاية المؤتمر تعهداً بتوظيف مزيد من العاملين في "الشرطة المجتمعية".
أنصار توني بلير
ربما يرى بعض بقايا من يسمون "أنصار توجه بلير" في حزب العمال فرصة في ضعف القيادة الحالية للحزب للتخلص مما بقي فيه من جناح يساري التوجه. لكن ذلك في النهاية سيعني خسارة الحزب ليس تمويل النقابات الذي من دونه لا يستطيع الاستمرار فحسب، وإنما سيخسر قدراً كبيراً من قواعده الانتخابية التي تصوت للعمال باعتباره "حزباً أكثر ميلاً إلى اليسار" ومبادئه.
وكان بلير، في منتصف تسعينيات القرن الماضي، طرح توجهاً شهيراً، هو "العمال الجديد"، للموازنة بين القواعد اليسارية للحزب والتوجهات الأقرب إلى الرأسمالية الاجتماعية. وأحدث ذلك بعض المشاكل وقتها، لكن قيادة الحزب القوية تمكنت من التوصل إلى حلول وسط وتوجهت بقوة إلى الجماهير، ما أكسبها أكثر من انتخابات عامة متتالية.
بعد ذلك، اكتسب الحزب زخماً في ظل جيريمي كوربين وخطابه اليساري جداً، لكن ذلك لم يلقَ قبولاً جماهيرياً واسعاً يمكن الحزب من الفوز بانتخابات عامة. وإن كان حقق نتائج أفضل كثيراً من ذي قبل. وبعد ذهاب كوربين وتولي ستارمر تراجعت شعبية الحزب كثيراً نتيجة انغماسه في مشاكله وضعف تصديه للقضايا الجماهيرية.
هذا الضعف الواضح للمعارضة السياسية هو ما جعل البعض يكتب ويعلق أن بوريس جونسون، ومعه حزب المحافظين الحاكم، يطمح للبقاء في السلطة لفترة طويلة جداً. وبغض النظر عن أي استطلاعات رأي أو استبيانات، يمكن لأي متابع للحياة السياسية في بريطانيا أن يخلص من دون تردد إلى أنه لو أجريت انتخابات عامة اليوم لفاز حزب المحافظين الحاكم بها على الرغم من المشاكل والأزمات التي يواجهها.