دخلت العلاقات بين باريس والجزائر مرحلة جديدة من الاضطراب مع استدعاء السفير الجزائري في باريس السبت (2-10-2021). ما أسباب هذه الخلافات بين البلدين اللذين يفترض أن يحييا خلال أشهر الذكرى الستين لانتهاء الحرب في الجزائر واستقلالها عن فرنسا؟
برّرت الجزائر "الاستدعاء الفوري" لسفيرها في فرنسا محمد عنتر داود "للتشاور"، بأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أدلى بـ "تصريحات لا مسؤولة". وتفاقمت الأزمة مع إغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات العسكرية الفرنسية.
وتحدثت الجزائر عن "تصريحات غير مكذّبة" للرئيس الفرنسي نقلتها صحيفة "لوموند" الفرنسية في مقال السبت أفاد عن عقد ماكرون الخميس لقاء مع أحفاد ممثلين لأطراف فاعلة في حرب استقلال الجزائر .(1954-1962)
بحسب الصحيفة، فإن ماكرون اعتبر أن الجزائر أنشئت بعد استقلالها عام 1962 على "ريع للذاكرة" كرسه "النظام السياسي-العسكري". كذلك تحدث عن "تاريخ رسمي" للجزائر "أُعيدت كتابته بالكامل" وفق قوله، وهو "لا يستند إلى حقائق" إنما على "خطاب يرتكز على كراهية فرنسا".
تقليص منح التأشيرات
وعلّق ماكرون أيضاً على قرار باريس تقليص منح التأشيرات للجزائريين والمغربيين والتونسيين، الذي تسبب باستدعاء السلطات الجزائرية السفير الفرنسي "للاحتجاج" عليه.
ووفق "لوموند"، قال ماكرون إن القرار "لن يكون له أي تأثير" على الطلاب وأوساط الأعمال، موضحاً أن الفكرة هي "مضايقة الأشخاص الموجودين في الوسط الحاكم" الذين "اعتادوا التقدم للحصول على تأشيرات بسهولة".
وبحسب وسائل إعلام محلية، ما أثار حفيظة الجزائر أيضاً هو وصف ماكرون الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأنه "عالق في نظام صارم جداً"، ومن ثمّ تهكّمه من الطريقة التي تقدّم فيها الجزائر بحسب قوله، الفرنسيين على أنهم "المستعمرون الوحيدون" متناسيةً الحكم العثماني بين القرن السادس عشر والقرن الثامن عشر.
تعود الأزمة الأخيرة الخطيرة إلى هذا الحدّ بين البلدين إلى 23 فبراير (شباط) 2005 عندما أقر البرلمان الفرنسي قانوناً يعترف بـ "الدور الإيجابي للاستعمار".
على الرغم من إلغائه لاحقاً، تسبب هذا القانون بإبطال معاهدة الصداقة التي وقعها الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك ونظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة.
وشهدت العلاقات الثنائية توترات حادة أحدث: ففي مايو (أيار) 2020، استدعت الجزائر سفيرها صلاح البديوي على أثر بثّ فيلم وثائقي حول الحراك المناهض للنظام في الجزائر على قناتين فرنسيتين رسميتين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي أبريل (نيسان) 2021، ألغى رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس في اللحظة الأخيرة زيارةً له إلى الجزائر بطلب منها، إذ إنها كانت مستاءة من حجم الوفد الوزاري الفرنسي.
قبل تصريحات ماكرون، لم تكن العلاقات الثنائية سيئة.
فقد أشاد الرئيس الفرنسي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 بنظيره الجزائري في مجلة "جون أفريك" Jeune Afrique، ما تسبب بتعرّضه لانتقادات من جانب الجالية الجزائرية والمجتمع المدني في الجزائر.
"شجاعة" تبون
وأشاد ماكرون حينها بـ "شجاعة" تبون، مؤكداً أنه سيقوم "بكلّ ما بوسعه" لمساعدته في الفترة الانتقالية بعد تظاهرات الحراك الشعبي. وفي يوليو (تموز) 2020، قامت باريس بخطوة إيجابية حيال الجزائر عبر إعادتها جماجم 24 مقاتلاً جزائرياً قُطعت رؤوسهم في القرن التاسع عشر أثناء انتفاضات في جنوب الجزائر ضد الاحتلال الفرنسي.
وفي مارس (آذار) 2020، أقرّت فرنسا للمرة الأولى بأن المحامي الجزائري علي بومنجل تعرّض للتعذيب وقُتل عام 1957 على أيدي الجيش الفرنسي أثناء معركة الجزائر.
وذكّرت الصحافة الجزائرية أيضاً السبت بأن ماكرون وصف خلال حملته الانتخابية عام 2017 الاستعمار بأنه "جريمة ضد الإنسانية" أثناء زيارة إلى الجزائر.
اتفق البلدان عام 2020 على تكليف باحثين من ضفتي البحر الأبيض المتوسط بالقيام بعمل من أجل الذاكرة بهدف تحقيق "المصالحة".
قدّم المؤرّخ الفرنسي بنجامان ستورا تقريره في يناير (كانون الثاني) إلى ماكرون مطالباً فرنسا بالقيام بـ"خطوات رمزية" لكن "من دون اعتذار ولا توبة".
بعد شهر، رفضت الجزائر التقرير معتبرةً أنه "غير موضوعي"، واستنكرت غياب "الاعتراف الرسمي من جانب فرنسا بجرائم حرب وضد الإنسانية ارتُكبت خلال احتلال الجزائر الذي استمر 130 عاماً".
واعتبرت الرئاسة الجزائرية السبت أن الموقف الذي اتخذه الرئيس الفرنسي "يصطدم، أساساً، بالمبادئ التي من شأنها، أن تقود تعاوناً محتملاً، بين الجزائر وفرنسا، بشأن الذاكرة، قد أدى إلى الترويج لنسخة تبريرية للاستعمار".
في المقابل، يرى الخبير في شؤون الهجرة حسن قاسمي أن "مسألة الذاكرة حساسة جداً في الجزائر لأنها تتعلّق بتاريخ الشعب الجزائري وروحه وهويته".