أعلنت وزيرة الخارجية الليبية، نجلاء المنقوش، خروج مجموعات من المقاتلين الأجانب في ليبيا، بالتزامن مع تواتر أنباء عن موافقة تركيا على تجميد اتفاقاتها العسكرية والأمنية مع طرابلس إلى حين انتخاب سلطات جديدة للبلاد.
وعلى الرغم من التفاؤل الذي عم الشارع الليبي بعد إعلان المنقوش، فإن الترقب عاد ليحيط بتطورات هذا الملف المرتبط بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في نهاية العام الحالي، بعد تجديد تركيا رفض اعتبار قواتها العسكرية الموجودة في ليبيا أجنبية ما يلزمها مغادرة البلاد.
بداية مغادرة المقاتلين الأجانب
وأعلنت المنقوش أن "مجموعات من المقاتلين الأجانب قد خرجت من ليبيا"، واصفة هذه الخطوة بـ"البداية".
وقالت المنقوش، خلال مؤتمر صحافي مع نظيرها الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، أثناء زيارتها الكويت، رداً على سؤال بشأن الأخبار المتداولة عن خروج بعض المقاتلين والقوات الأجنبية من ليبيا، "هي بداية بسيطة جداً، وما زلنا نسعى إلى خروج أعداد أكبر"، من دون أن تحدد أعداد المغادرين وجنسياتهم.
أضافت "ما زلنا نسعى إلى تنظيم أكبر وشامل لخروج المرتزقة، وهذا ما نطمح إليه في مؤتمر استقرار ليبيا، الذي سيعقد نهاية الشهر الحالي، لوضع خطة مع لجنة 5+5 وفق جدول زمني".
ونص اتفاق وقف إطلاق النار، الذي وقعه الفرقاء الليبيون في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، على إخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة خلال 90 يوماً من تاريخ إبرامه. وانتهت المهلة المقررة لخروج هذه القوات، من دون أن يتحقق ذلك.
وقدرت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة عدد القوات الأجنبية والمقاتلين المنتشرين في مختلف أنحاء ليبيا بنحو 20 ألفاً.
اتفاق مصري- تركي
وربط مراقبون في ليبيا وخارجها هذا التطور الإيجابي في ملف خروج المقاتلين الأجانب بالأنباء التي تداولتها تقارير صحافية عربية ودولية، وأشارت إلى وجود اتفاق وشيك في المفاوضات الجارية بين مصر وتركيا، ينص على تجميد الاتفاقية الأمنية التركية مع ليبيا، إلى حين انتخاب رئيس جديد.
وكانت مصادر دبلوماسية مصرية صرحت، بحسب التقارير، أنه "خلال الأسبوع الماضي، عقد اجتماع على مستوى أمني استخباراتي بين مصر وتركيا، لبحث عدد من الملفات العالقة وعلى رأسها الوضع في ليبيا".
ولفتت المصادر إلى أن "النقاشات بشأن الوضع الليبي ركزت على تهيئة الوضع، بما يسمح بتنفيذ الاستحقاقات الانتخابية في تاريخها المحدد بشكل آمن، بالإضافة إلى الملفات الأمنية المشتركة في ليبيا".
وقالت إن مصر "تمسكت بمطالبها المتعلقة بإنهاء الوجود العسكري التركي في غرب ليبيا، خصوصاً المرتزقة السوريين العاملين تحت الإدارة التركية، بينما تمسك الجانب التركي ببقاء المدربين العسكريين الموجودين وفقاً للاتفاقية الموقعة مع حكومة الوفاق المنتهية ولايتها".
وذكرت المصادر نفسها أن "اللقاء لم يحرز تقدماً كبيراً بشأن هذا الملف، ولم يتمكن الجانب المصري من إقناع تركيا بإلغاء الاتفاقية الأمنية مع ليبيا، وتم الاكتفاء بموافقة أنقرة على تجميد الاتفاقية إلى حين انتخاب رئيس جديد، يكون من حقه إعادة النظر في تلك الاتفاقات، سواء بالموافقة أو الإلغاء، كي لا تكون تلك السلطة الجديدة مرهونة بالضغوط العسكرية التركية".
وأشارت المصادر إلى أن "أنقرة أبدت مرونة في مسألة إخضاع قواتها إلى إشراف أممي أو أميركي، لتهدئة المخاوف المصرية، الأمر الذي طلب الجانب المصري دراسته والرد عليه لاحقاً في اجتماع آخر يتم تحديده بالتنسيق بين الجانبين".
مصر تؤكد تقدم المفاوضات
في الأثناء، أكدت مصر على لسان وزير الخارجية، سامح شكري، إحراز تقدم في المفاوضات بين القاهرة وأنقرة بشأن القضايا الخلافية بينهما. وقال شكري في تصريحات الأحد إن "القاهرة تنتظر حلولاً مرضية للقضايا العالقة مع أنقرة من أجل استعادة العلاقات"، موضحاً أن "هناك قدراً من التقدم في العلاقات مع تركيا نأمل البناء عليه".
أضاف "هناك مراجعة للسياسات على المستوى الإقليمي، والأمر لم يصل بعد إلى أي مدى أبعد، لكن هناك قدراً من التقدم ونأمل أن يتم البناء عليه، وسنرصد الأمر ونقوّمه وفقاً لما تنتهجه الحكومة التركية من سياسات، سواء في علاقاتها الثنائية مع مصر أو في إطار سياستها الإقليمية"، مشيراً إلى أن "الاتصالات ما زالت تسير على الوتيرة نفسها لما تم في الجولتين الأولى والثانية".
جمود الموقف التركي
وسط هذه الأنباء الإيجابية، في شأن ملف الوجود العسكري الأجنبي في ليبيا، الذي يثير قلقاً داخل البلاد وخارجها، أعلنت وزارة الدفاع التركية أنها "مستمرة في أنشطة التدريب والمساعدة والتعاون العسكري في ليبيا، بناءً على الاتفاقية الثنائية الموقعة مع رئيس حكومة الوفاق فائز السراج".
واعتبرت الوزارة، في بيان لها، أن "تركيا ليست قوة أجنبية في ليبيا، وأنها موجودة بدعوة رسمية من خلال الاتفاقية الثنائية الموقعة مع حكومة الوفاق".
وتابعت، "أنقرة تهدف لضمان سلامة أراضي ليبيا، ووقف دائم لإطلاق النار، وهي منفتحة على الحوار من أجل الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة".
وشددت على "استمرار أنشطتها في ليبيا وفقاً للقانون الدولي، وفي إطار الاتفاقات التي وقعت مع الحكومة الشرعية في ليبيا المعترف بها من قبل الأمم المتحدة".
نفي خروج "المقاتلين الأجانب"
من جانبه، نفى مدير المركز السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، أي انسحاب للمقاتلين من ليبيا، على الرغم من تأكيد وزيرة الخارجية ذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال عبد الرحمن في تصريحات لوسائل إعلام ليبية، "لا توجد أي أعداد وصلت منها إلى الأراضي السورية، وتحديداً مراكز الاحتلال التركي أو إلى مناطق النظام".
أضاف أن "هناك بعض الأهالي القاطنين في مناطق النظام سمع أن هناك عودة لهؤلاء المرتزقة من ليبيا، ولكن لا معلومات عن وصولهم".
وسأل عن "مصادر معلومات وزيرة الخارجية الليبية بخصوص انسحاب المرتزقة، حتى ولو بأعداد قليلة"، قائلاً "أتمنى من وزيرة الخارجية مدَّنا بمعلومات عن هؤلاء المرتزقة والمناطق التي انسحبوا منها، وإلى أين ذهبوا، كي نتمكن من مراقبة عملية انسحابهم".
وأشار عبد الرحمن إلى أنه "في الأسبوع الماضي، كانت هناك عملية تبديل للمرتزقة وليس انسحاباً، بل خروج عشرات المرتزقة ودخول عشرات آخرين، وعملية التبديل هذه لم تتوقف منذ بداية العام من ليبيا إلى تركيا، ومن ثم إلى مناطق الاحتلال التركي في عفرين".
اجتماع مرتقب
في السياق ذاته، كشف عضو اللجنة العسكرية الليبية المشتركة، اللواء الفيتوري إغريبيل، عن أن "اللجنة ستجتمع في جنيف نهاية الأسبوع الحالي، للتباحث في ملف إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية".
وقال الفيتوري إن "البعثة الأممية ستكون حاضرة في جنيف ومن المتوقع حضور أطراف دولية"، منبهاً إلى أن "المراقبين الدوليين لم يصلوا بعد إلى سرت، عدا زيارة واحدة سابقة حددوا فيها بعض المواقع". ولفت إلى أنه "لم يتم الاتفاق خلال جلسة اللجنة في طرابلس على موعد معين لخروج المرتزقة".
انتهاكات قد تشمل جرائم حرب
وسط ذلك، قال محققون في الأمم المتحدة، الاثنين، إن كل الأطراف في الصراع الليبي، ومنهم المرتزقة الروس، ارتكبت انتهاكات قد تشمل جرائم حرب. وأضافوا أنهم أعدوا قائمة سرية بالمشتبه فيهم.
وتشهد ليبيا اضطرابات منذ نحو عشر سنوات، وفي السنوات الماضية، شهدت قتالاً بين فصائل تدعم الحكومتين المتنافستين في البلاد وتحظى بدعم قوى إقليمية مختلفة ومقاتلين أجانب ومرتزقة. وتدعم مصر وروسيا والإمارات قوات في الشرق في حين تدعم تركيا الحكومة في الغرب.
وقالت بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة التي يقودها محمد أوجار "أشارت التحقيقات إلى أن أطرافاً عدة في الصراع انتهكت القانون الإنساني الدولي وربما ارتكبت جرائم حرب".