على الرغم من أن جهاز الأمن العام الإسرائيلي "شاباك" حصل على ضوء أخضر من مختلف المؤسسات السياسية والأمنية لاختراق المجتمع الفلسطيني داخل الخط الأخضر والعمل من دون قيود ولا حتى قانون، إلا أن قرار الحكومة إشراك "شاباك" في خطة مواجهة الجريمة بين فلسطينيي 48، أثار معارضة وغضباً وأعاد سياسة هذا الجهاز إلى رأس أجندة قيادة فلسطينيي 48 ومختلف الجمعيات الناشطة في مجال حقوق الإنسان، كما اخترق النقاش المجتمع الإسرائيلي عموماً، ما بين مؤيد ومعارض، جمعتهما المصلحة الأمنية لإسرائيل.
فبعد هدوء أشهر غير طوال، عادت جرائم القتل بشكل متزايد إلى مختلف البلدات العربية في وقت تستمر سرقة الأسلحة من قواعد الجيش ومخازنه من دون رقيب ولا حتى أدنى جهد لمنعها. وإزاء القتل اليومي والمتزايد، أثارت قيادة فلسطينيي 48 من جديد القضية وطالبت الحكومة الإسرائيلية بالتحرك والعمل أسوة بعملها تجاه البلدات اليهودية في مواجهة هذه الظاهرة.
وبدل اتخاذ خطوات عملية وتحريك الشرطة في تنفيذ الحد الأدنى من واجبها لضمان أمن السكان، في مقابل منع سرقة الأسلحة من معسكرات الجيش، عرضت خطة تشمل مشاركة "شاباك" في مواجهة الجريمة.
بمعنى آخر، منح "شاباك" الضوء الأخضر لدخول البلدات العربية وتجنيد شباب وشابات في صفوفه، وبذلك تحوّل الحكومة الإسرائيلية هذه القضية من أمنية إلى مدنية، ما يتيح لها تعزيز وجودها الاستخباراتي في هذه البلدات، وهو أمر ترفضه، منذ عام 1948، الغالبية الساحقة لفلسطينيي 48.
الذريعة التي وضعتها الحكومة لإشراك الجهاز هي أنها عاجزة عن التوصل إلى "رؤوس الإجرام الكبيرة"، التي تقف خلف الجريمة وبيع الأسلحة وتجنيد شبان للعمل معها في تصفية الحسابات والقتل.
هذا التفاعل الكبير لموضوع الجريمة في المجتمع العربي جاء بعد أن سجلت هذه الظاهرة ارتفاعاً كبيراً وتجاوز عدد ضحايا الجريمة والسلاح غير المرخص الـ70 قتيلاً منذ مطلع العام الحالي، إضافة إلى مئات الجرحى. ومساء الأربعاء الماضي، أصيب في الناصرة رجلين بفارق نصف ساعة من قبل مجهولين، الذين سيكون مصيرهم كمصير غيرهم بالبقاء أحراراً من دون محاكمة ولا عقاب، وهنا تكمن المشكلة الكبيرة.
العودة إلى الاحتجاج
رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت ورؤساء أحزاب الائتلاف تناولوا خلال اجتماعات عدة هذا الموضوع. وفي أعقاب الاحتجاج الواسع الذي واجه إشراك "شاباك"، دافع بينيت عن موقفه بالادعاء أن مشاركة الجهاز ستكون محدودة، لكن المستشار القضائي للحكومة خرج بموقف مغاير يعلن فيه عدم قانونية إشراكه، ما أبقى الموضوع على رأس أجندة القياديين في الحكومة وبين فلسطينيي 48.
ويُتوقع أن تُتّخذ مطلع الأسبوع المقبل سلسلة قرارات تشمل أعمال احتجاج، بما في ذلك إغلاق شوارع مركزية في إسرائيل تعتبر "شريان بلدات المركز والشمال"، في محاولة لإلزام الحكومة العمل لمواجهة الجريمة في مقابل إلقاء الشرطة الإسرائيلية القبض على المجرمين وتقديمهم إلى المحاكم. والأهم من هذا وذاك، أن يمنع الجيش تهريب وسرقة أسلحة من قواعده العسكرية، التي باتت تشكل اليوم الشريان الرئيس لجرائم القتل اليومية بين فلسطينيي 48.
رؤساء السلطات المحلية العربية وصفوا قرار إشراك الجهاز بـ"السيّء"، وأشاروا إلى أنه ينبع من فهم يقضي بأن فلسطينيي 48 هم تهديد أمني على إسرائيل.
البقرة المقدسة حتى إن أخطأت
على الرغم من التقارير التي تشير على مدار أربعة أعوام، على الأقل، إلى أن نسبة 80 في المئة من الأسلحة المنتشرة في بلدات فلسطينيي 48 هي أسلحة سُرقت من معسكرات الجيش الإسرائيلي، إلا أن الحكومة وكافة المؤسسات الأمنية الفاعلة في بحث الجريمة، تواصل الدفاع عن الجيش، الذي يوصف في كثير من المرات بـ"البقرة المقدسة"، ولم تقُم بمحاسبة أي كان من المسؤولين على الرغم من الحسم بعد معظم عمليات السرقة أنها نُفذت بمساعدة وتنسيق ودعم عناصر من داخل القاعدة العسكرية.
طرح تجاهل مسؤولية الجيش جاء في أعقاب اجتماع عقده رئيس الحكومة مع الطاقم الوزاري الذي شكّله لمحاربة الجريمة في الوسط العربي. وشارك في الاجتماع جميع المسؤولين في الوزارات المختلفة سواء الأمن الداخلي والقضاء وحتى وزارة المالية وشخصيات رفيعة المستوى باستثناء الجيش الذي تجاهل الاجتماع ولم يحضره أي ممثل عنه. وهو أمر أثار نقاشاً عاصفاً، وهذه المرة ليس من قبل قيادة فلسطينيي 48 والجمعيات الناشطة في مواجهة العنف، إنما من داخل الطاقم الوزاري ومختلف الشخصيات الإسرائيلية، إذ اعتبروا عدم حضور الجيش أكبر دليل على تحمّله المسؤولية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهته، وصف رئيس معهد أمن القضاء الجنائي بوعز سنجيرو، إشراك "شاباك" بالقرار السيّء، قائلاً إن "إشراكه يشير إلى أننا نقف أمام منحدر سلس سيلحق في نهايته بأضرار كبيرة بحقوق المواطنين والنظام الديمقراطي. فشاباك، وكما هو معروف، يستخدم وسائل متطرفة تمس بحقوق الفرد وهذه ليست ملائمة للتحقيق في الجريمة".
ويشرح سنجيرو موقفه من خلال قانون الجهاز الذي أُقرّ عام 2002، وجاء فيه أنه "مسؤول عن الحفاظ على أمن الدولة وأنظمة النظام الديمقراطي ومؤسساته من تهديدات الإرهاب والتخريب والتآمر والتجسس وكشف أسرار الدولة. كما يعمل الجهاز على الحفاظ على مصالح رسمية حيوية أخرى للأمن القومي لإسرائيل، وكل ذلك كما تقرره الحكومة وتبعاً للقانون".
ويضيف "من غير المعقول تعريف نشاط شاباك بحيث يتجه إلى أقلية معينة من مواطني إسرائيل. الأمر شاذ من ناحية أخلاقية وقانونية ودستورية وديمقراطية".
ويؤكد سنجيرو أنه "من غير المتوقع أن يعطي التصدي للجريمة، التي توجد في كل مجتمع في العالم وعلى مدى كل التاريخ، نتائج جيدة إذا ما حُصر باستخدام الشرطة. من الضروري أن تعالج أيضاً المشكلات الاجتماعية التي تغذي الجريمة، وتخصيص مقدرات للتعليم والرفاه والتشغيل وغيرها. وبالنسبة إلى الشرطة، يتوجب عليها الحفاظ على أمن العرب من العنف، هذه وظيفتها المركزية، والمفتش العام مطالب بأن يحرص على أن تؤديها، لا أن ينقل المسؤولية إلى شاباك".
15 مليون دولار سنوياً
تتواصل عمليات سرقة الأسلحة من معسكرات وقواعد الجيش، على الرغم من كشف تعاون عناصر من الداخل مع منفذي سرقات عدة. وفي آخر تقرير حول هذه المسروقات، قُدّرت قيمتها السنوية بحوالى 15 مليون دولار. ويتراوح سعر القطعة الواحدة من السلاح أو المتفجرات والعبوات الناسفة ما بين خمسة إلى عشرة آلاف دولار.
آخر عملية سرقة شملت 30 بندقية من طراز "تافور"، وقبلها تمت سرقة 93 ألف رصاصة بقطر 5.56 من قاعدة "تسيئيليم" العسكرية في الجنوب. وعملية السرقة هذه أشارت إلى مدى تعاون العسكريين من داخل المعسكرات، حيث تم تحميل مئات صناديق الذخيرة في سيارة كبيرة في غضون دقائق معدودة.
وفي المعطيات التي نشرت مطلع العام، تبيّن أن هناك أكثر من 420 ألف قطعة سلاح في بيوت فلسطينيي 48، وأن بيتاً من كل خمسة تتوافر فيه قطعة سلاح.