أصبح الابتزاز عبر الإنترنت من أكثر الجرائم التي تتناولها أخبار الحوادث في مصر، الأمر الذي يتمثل في صور وفيديوهات فاضحة لاستغلال فتاة بهدف الحصول على مكسب مادي، وأحياناً جنسي، وغالباً ما تكون تلك الوقائع بين من ربطت بينهما سابقاً علاقة عاطفية أو خطبة، وأحياناً زواج، لكن هناك أساليب أخرى يصل بها أحياناً المبتز للوسيلة التي يهدد بها ضحيته بالفضيحة.
وقد تناول تلك القضية أخيراً مسلسل "إلا أنا"، التي أظهر قصة لشاب وفتاة ارتبطا بعلاقة عاطفية، وحين قررت الأخيرة إنهاءها نشر صورها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى مشكلات كبيرة لها ولعائلتها.
ولا توجد إحصاءات رسمية عن معدل جرائم الابتزاز الإلكتروني، لكن دراسة أعدتها لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب المصري، كشفت عن أن شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) عام 2018 شهدا تقديم 1038 بلاغاً بجريمة إلكترونية، منها جرائم ابتزاز إلكتروني، ونجحت وزارة الداخلية في ضبط أغلب المتهمين فيها، وقد صدرت تلك الدراسة بمناسبة إصدار قانون مكافحة جرائم المعلومات في العام نفسه. وبسبب طبيعة الوقائع التي تتصل بالشرف والسمعة، لا تصل كثير من وقائع الابتزاز إلى السلطات، وتخشى الضحية من طلب المساعدة، ما يعرضها لاستمرار الابتزاز أو التعرض لإيذاء بدني من أسرتها.
مبادرة "قاوم"
صفحة "قاوم" على موقع "فيسبوك"، لدعم ضحايا الابتزاز الإلكتروني مثلت خطوة رائدة في التصدي لتلك الظاهرة، حيث تتلقى شكاوى ضحايا الابتزاز، وتعمل على دعمهن، والضغط على المبتز لوقف ما يقوم به، واللجوء إلى القضاء إن لم تفلح الحلول الودية، ولاقت تلك الصفحة إقبالاً كبيراً حتى وصل متابعوها إلى 600 ألف شخص حالياً منذ إطلاقها في منتصف العام الماضي.
يكشف محمد اليماني، مؤسس المبادرة لـ"اندبندنت عربية" عن آلية عملها، فيقول إن "الشكاوى يتم استقبالها عبر صفحة (قاوم) على (فيسبوك) عن طريق فريق من المشرفين، الذي يتكون من أكثر من 20 فتاة تدربن بشكل احترافي على دعم صاحبة الشكوى نفسياً، وتشجيعها على اتخاذ خطوات أكبر في استعادة حقها ضد المبتز، ويتم جمع المعلومات المطلوبة لحل المشكلة، ثم إرسالها إلى فريق البيانات، المسؤول عن تجميع المعلومات عن المتهم، ويلي ذلك عمل (فريق الحل) المؤلف من نحو 200 شاب، مهمتهم دراسة كافة حيثيات الحالة وتحديد وسيلة الحل المطلوبة، دون معرفة أي بيانات عن الضحية، باستثناء اسمها الأول".
وأوضح اليماني، "عادةً يتم حل 70 في المئة من حالات الشكاوى، وتكون ناتجة عن وجود علاقة عاطفية سابقة بين المبتز والضحية، ولا يكون الأول مدركاً أن ما يفعله يسمى جريمة جنائية، لذلك يقوم أفراد المبادرة بمحاولة الوصول لعائلة المبتز وتوعيتها بالمشكلة، بهدف حلها من جذورها، وحماية الأسر من التفكك".
اللجوء للقضاء
لكن هناك حالات أخرى تصل إلى القضاء، حيث يوضح مؤسس المبادرة، أن "بعض الحالات لا يمكن اللجوء فيها إلى الحل الودي لأن المبتز يكون مدركاً لأفعاله، بالإضافة إلى محاولة ضمان أمان الضحية". موضحاً "أن تلك الحالات يكون فيها من (يمتهن الابتزاز)، بمعنى أنه يستدرج الفتيات تحت شعار معين مثل العمل أو العلاج أو حتى الدجل، من أجل الوصول لمكسب مادي أو جنسي، ما يعني أنه مدرك لأفعاله وسيعيدها مرة أخرى مستقبلاً، بالتالي لا يمكن المحاولة للوصول إلى حل ودي. وهناك أيضاً من ينتهك عرض الأسر، سواء بفضح الضحية بالفعل أو الوصول لمكسب جنسي عبر الابتزاز، ما يعني وقوع الضرر عليها وعدم إمكانية وجود حل ودي، كما أن من يكرر واقعة الابتزاز مع أخرى يحيل مسؤولو المبادرة ملفه إلى القضاء، لأنه قد تمت توعيته في الواقعة الأولى، وكرر الفعل ذاته".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يضيف اليماني، "أن المبادرة حلت مشاكل ألف حالة منذ إطلاق الصفحة على (فيسبوك) في منتصف العام الماضي، ووصل متابعوها حالياً إلى أكثر من 600 ألف شخص". وأوضح "أنها تلقت عشرات الآلاف من المشكلات خلال عام، ليس من مصر فقط، بل من عدة دول، لأن الابتزاز ظاهرة عالمية، وتقوم الحملة بتوجيه الشاكية للجهة المناسبة أو دعمها قانوناً".
صفحات "للبنات فقط"
وحذر اليماني الفتيات من الاشتراك في المجموعات (غروبات) على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تقول إنها للفتيات فقط، مؤكداً "أن 99 في المئة من تلك المجموعات يكون بها نسبة ليست قليلة من الحسابات المزيفة فتحها شباب باسم فتيات، ولكن إذا اشتركت إحداهن في تلك المجموعات عليها الحذر وعدم إرسال صور خاصة، حتى لو بالفعل الأعضاء فتيات، لأن من الممكن أن تكون هناك غير سويات، وإن اختارت الفتاة نشر صورة تكون عادية قد تستخدمها على حسابها الشخصي ولا تمانع أن يراها العامة، ولا يمكن لأحد أن يستغلها ضدها".
ونصح اليماني الفتيات بعدم مشاركة أي معلومات عن حياتهن الشخصية في المجموعات المسماة "للفتيات فقط"، لأنها قد تتعرض للاستغلال، وحذر من مجموعات الوظائف على مواقع التواصل، مؤكداً، "أن 90 في المئة منها يكون هدفها استقطاب الفتيات ذات الاحتياج المادي لصالح عصابات دعارة أو نصب"، وطالب الفتيات بعدم التعرف على أشخاص عن طريق المجموعات بمواقع التواصل، ومنحهم الثقة أو إرسال رسائل صوتية، "لأن هناك برامج كثيرة لتعديل الصوت".
حملات توعية
وأضاف أن المبادرة أطلقت خلال الأشهر الماضية مجموعة من حملات التوعية بالمشكلات التي تم رصدها من خلال شكاوى المتابعين، لأن "هناك كوارث يجب محوها من جذورها"، بحسب تعبيره، مشيراً إلى "أن الحملات تستهدف الأسرة المصرية، التي بيدها 90 في المئة من حل المشكلة، ومن أبرز تلك الحملات (اعرف حقك)، و(اهتم وراقب سلوكيات طفلك على الإنترنت)، و(غروبات الوظائف ودكاترة التغذية)، و(مكافحة الدجل والشعوذة)، إضافة إلى حملات لمكافحة جلد الضحايا نفسياً، وحملات التوعية بالمساحة الشخصية والمساحة الآمنة". وأعلن، "أنه مستقبلاً سيتم إطلاق منصة إلكترونية خاصة بـ(قاوم)، للتوعية واستقبال الحالات، بالإضافة إلى تطبيق على الهاتف المحمول لسهولة التواصل مع الحالات والمجتمع".
العقوبة القانونية
وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسى قد صدّق على قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في عام 2018، الذي نص في مادته 25 على معاقبة من يعتدي على "المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري أو ينتهك حرمة الحياة الخاصة بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، ولا تجاوز 100 ألف جنيه (3181 إلى 6363 دولاراً أميركياً)، أو بإحدى العقوبتين، وتشمل العقوبة كل من نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات أخباراً أو صوراً وما في حكمها تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة".
كما ينص القانون على معاقبة كل من "تعمد استعمال برنامج معلوماتي أو تقنية معلوماتية في معالجة معطيات شخصية للغير لربطها بمحتوى منافٍ للآداب العامة، أو لإظهارها بطريقة من شأنها المساس باعتباره أو شرفه بالحبس لمدة لا تقل عن عامين، ولا تجاوز 5 أعوام، وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تجاوز 300 ألف جنيه (من 6363 إلى 19091 دولاراً) أو بإحدى العقوبتين".
ولم يتطرق قانون مكافحة جرائم المعلومات إلى جريمة التهديد والابتزاز الإلكتروني، لكن قانون العقوبات ينص على معاقبة من يهدد شخص بجريمة ضد النفس بالسجن مدة لا تتجاوز 3 سنوات، إذا لم يكن التهديد مصحوباً بطلب أموال، أما إذا كان مصحوباً بطلب مال فقد تصل العقوبة للحبس 7 سنوات.
وحول الدور التشريعي في مواجهة أزمة الابتزاز عبر الإنترنت، قال اليماني، "إن الفترة الماضية شهدت تشديد العقوبات، وهي كافية، وتعتبر انتصاراً للمرأة المصرية"، لكنه اعتبر "أن الحلقة المفقودة هي الدور المجتمعي في اتخاذ خطوات جريئة ضد المبتز، سواء بمحاولة الحل الودي، أو اللجوء إلى القانون"، واعتبر "أن أغلب أفراد المجتمع يستسهل لوم الضحية، التي تكون بدورها غير واعية بحقوقها، بينها أنها ليست كذلك في نظر القانون ولا تخضع للمساءلة، وعدم وجود أي احتمالية لفضيحة لمجرد تقدمها ببلاغ للشرطة، بل إن السلطات تكون حريصة على السرية في كافة الخطوات". ودعا المجتمع إلى "التعاون لصنع مساحة آمنة للجميع من خلال التوعية والتعليم لمحاربة السلوكيات السلبية".