مما لا شك فيه أن مسار تشكيل حكومة نجلاء بودن مختلف تماماً عن مسارات الحكومات السابقة. إذ أن سمة المسار الذي اختاره رئيس الجمهورية قيس سعيد هي استبعاد الأحزاب والسياسيين والمنظمات الوطنية عن المشاورات الحاصلة منذ تكليف بودن قبل أيام. فسعيد اختار أن تكون الحكومة المرتقبة خالية تماماً من السياسيين والمتحزبين، وفضّل أن تضم فقط أكاديميين ومستقلين سياسياً، والأهم أن تكون حكومة يمتاز أفرادها بنظافة اليد، رغبة منه في أن تكون حكومة تاريخية، تستجيب لمطالب الشعب، وهو ما أكده الرئيس في تصريحات عدة، مردداً عبارة "تونس تعيش لحظات تاريخية".
فتشكيل الحكومة، وفق تأكيد رئيس الجمهورية، سيكون "وفق تصورات جديدة تقطع معها الأطماع والانتهازية"، بحسب تعبيره، مشدداً على "الثبات على المبادئ والثوابت نفسها ومواصلة العمل بالعزم ذاته من منطلق أن تونس تعيش لحظات تاريخية، وعلى كل مسؤول أن يكون في مستوى آمال الشعب صاحب السيادة الذي عبر عن إرادته بكل حرية".
ومر أكثر من أسبوع على تكليف قيس سعيد، الأكاديمية القادمة من عالم التكنوقراط، نجلاء بودن، لتشكيل حكومة في ظل ترقب داخلي وخارجي، وفي وقت تعيش فيه البلاد أزمة مالية حادة.
مشروع إنقاذ
وفي السياق ذاته، يقول سهيل النمري، الناطق الرسمي باسم "الشبكة المدنية لانتصار الوطن"، المسانِدة لقرارات قيس سعيد، "لنغيّر المقاربة، حين شكلنا سابقاً حكومات بمشاورات مع الأحزاب والمنظمات الوطنية أي بمنطق المحاصصة، لم ننجح".
ويواصل نمري،" اليوم لا نحتاج إلى حكومة أحزاب ولا حكومة نقابات، بل نحتاج إلى حكومة أمامها مشروع إنقاذ سريع جداً ووطني"، مضيفاً، "أما تشكيل حكومة بالمنطق القديم ومنطق الحسابات فلن ينفع في هذه الفترة".
ويقول، "على السياسيين الوطنيين دعم الحكومة المقبلة"، داعياً" الطبقة السياسية عموماً، والطيف السياسي قبل 25 يوليو (تموز) خصوصاً، لأن تطور من نفسها ومن أدوات عملها". وتابع، "اليوم نفضل حكومة لها هدف ومشروع معين أفضل من حكومة حزبية تعمل وفق مصالحها الضيقة".
من جهة أخرى، يفيد نمري بأنهم كغيرهم من الأحزاب والسياسيين والمنظمات، ليسوا طرفاً في المشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة، قائلاً، "لا يهمنا في هذه الفترة الحالية أن نكون طرفاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الغموض
من جانب آخر، يقول سامي الطاهري، الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل، في تصريح خاص، إن "الرئيس سيكون مسؤولاً وحده عن الحكومة، ويتحمل أخطاءها أو تقصيرها، ولا يمكن له أن يطلب من الجميع دعمها والجميع لم يشارك من بعيد أو قريب في تشكيلها ولا حتى بإبداء الرأي".
ويضيف، "الخوف من أن يقع الرئيس ومَن وراءه من المكلفين بتشكيل الحكومة في خيارات ذاتية جداً، تعول على المقربين، وتسهو عن الكفاءة والإشعاع والقدرة على التواصل".
ويرى أن "عدم إدلاء المكلفة تشكيل الحكومة بأي تصريح لحد الآن يقوي الغموض ويزرع الحواجز ويخلق تباعداً يصعب تذليله فيما بعد"،
لكن هذا لا يدفع الطاهري واتحاد الشغل نحو "الحكم مسبقاً على الحكومات، وإن كانت تتوفر بعض المؤشرات غير المطمئنة"، بحسب تعبيره.
ودعا الطاهري المكلفة تشكيل الحكومة إلى التسريع بالإعلان عن الحكومة، مفيداً بأن "كل الدوافع الداخلية والخارجية تستدعي الإسراع".
أما الصحافية منية العرفاوي، المتخصصة في الشأن السياسي، فتقول إنه من المؤكد "ألا يكون للأحزاب السياسية أو المنظمات الوطنية أي دور في تشكيل الحكومة المقبلة، بما في ذلك القوى السياسية الداعمة لقيس سعيد".
شرط الولاء
وترى أن "هذه الحكومة ستكون بحسب التوجهات الأولى التي نستخلصها من تصريحات رئيس الجمهورية ومن البروفايل الذي تم اختياره في ما يخص رئيسة الحكومة، أكاديمية ومستقلة تماماً عن العمل السياسي، ففي فكر الرئيس يجب أن تكون حكومة كفاءات مستقلة عن الأحزاب، مع شرط لا يخفيه قيس سعيد، وهو شرط الولاء الذي سيكون محدداً في اختيار الوزراء الجدد".
من جهة أخرى، تقول الغرفاوي، "طبعاً، تابعنا مواقف المنظمات الوطنية التي تدفع لأن تكون هذه الحكومة مصغرة، وأن يكون دورها الرئيس إنقاذ البلاد من شبح الإفلاس، في ظل ما تشهده تونس من وضعية اقتصادية مقلقة على المستويات كافة"، لكنها تعتقد أن "سعيد حسم هذا الأمر على أن تكون الحكومة الجديدة مهمتها الأولى مكافحة الفساد".
وتتكهن العرفاوي بأن "أغلب الوزراء سيكون لهم تكوين حقوقي قضائي لفهم الملفات التي تندرج في إطار مقاومة الفساد".
المشكلة التي ستُطرح مع هذه الحكومة حسب تقدير الغرفاوي، "أنها لن تكون مدعومة، إذ لا تحظى إلا بتأييد الرئيس، أي أن القوى السياسية والوطنية لن تكون داعمة لهذه الحكومة، بل ستتلقف زلاتها وأخطاءها"، مواصلة، "أيضاً ستكون حكومة غير مدعومة من طرف المنظمات الوطنية، وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل"، مضيفةً، "إذا لم يتم تشريك النقابات في اختيار بعض الحقائب الوزارية التي لها علاقة بها وبملف التفاوض على الأجور، ستكون مهمتها صعبة".
وترى العرفاوي أن "مسؤولية الحكومة المقبلة ستكون كبيرة، ولن تكون كغيرها من الحكومات السابقة مدعومة بحزام سياسي، بالتالي ستكون أمام مسؤولية تاريخية، وكل خطأ سيسجَل ضدها وضد الرئيس".
يُذكر أنه بعد انتفاضة يناير (كانون الثاني) 2014، مر على تونس عشر حكومات، تميّز مسار تشكيلها بمشاورات شاملة ومطولة بين الأحزاب والمنظمات الوطنية، في ظل صراع داخل البرلمان، ما جعل عمر هذه الحكومات قصيراً.