تم يوم الجمعة 8 أكتوبر (تشرين الأول) افتتاح الولاية التشريعية الجديدة بعد يوم من تنصيب الحكومة المغربية الجديدة، وذلك تبعاً لنتائج الانتخابات العامة التي أجريت في 8 سبتمبر (أيلول) الماضي، والتي أدت إلى فوز "حزب التجمع الوطني للأحرار" بـ 102 من مقاعد مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، تلاه "حزب الأصالة والمعاصرة" بـ 86 مقعداً، وحصل "حزب الاستقلال" على المرتبة الثالثة بـ 81 مقعداً. ومع حصول الائتلاف الحكومي الجديد على أغلبية برلمانية جد مريحة، يُطرح التساؤل حول مدى احتمال تيسير تلك الأغلبية لسياسات قد تؤثر سلباً على القدرة الشرائية للمواطن، في ظل محاولة الخروج من الانكماش الاقتصادي الذي تسببت فيه جائحة كورونا.
ائتلاف ثلاثي
ووفقاً للدستور المغربي الذي ينص على أن اختيار رئيس الحكومة يكون من الحزب الفائز بالانتخابات التشريعية (جرت العادة أن أمين عام الحزب الفائز هو من يُكلَّف رئاسة الحكومة)، عين العاهل المغربي أمين عام "حزب التجمع الوطني للأحرار"، عزيز أخنوش، رئيساً للحكومة الجديدة، وأدت المشاورات إلى تشكيل الائتلاف الحكومي من الأحزاب التي احتلت المراتب الثلاث الأولى في الانتخابات الأخيرة.
ويشير المحلل السياسي، عمر المرابط، إلى أنه بعد إسدال الانتخابات الأخيرة الستار على تجربة الإسلاميين في الحكم التي دامت عشر سنوات، تم تشكيل الحكومة الجديدة، وذلك طبقاً للفصل الـ47 من الدستور المغربي، "وهي حكومة يمكن القول إنها تأتي طبقاً لرغبات القصر من حيث البنية والتشكيل، بل وحتى من حيث الأحزاب المشاركة، وهي الأحزاب الثلاثة الأولى التي تصدرت نتائج الانتخابات التشريعية"، موضحاً أن الحزبين اللذين حصدا المرتبة الأولى والثانية ينتميان لما يسمى بـ"الأحزاب الإدارية"، باعتبار أنها خرجت من "رحم السلطة"، مضيفاً أن "حزب التجمع الوطني للأحرار" أسسه أحمد عصمان، وهو صهر الملك الراحل الحسن الثاني، أما "حزب الأصالة والمعاصرة" فقد أسسه صديق الملك المقرب منه، ومستشاره فؤاد عالي الهمة، معتبراً أنهما حزبان تجمعهما "الأخوة من الرضاعة ومنطق الطاعة للوالدة"، أما "حزب الاستقلال" فهو حزب ذو تاريخ طويل، وله تجارب حكومية عدة، إذ ترأس الحكومة قبل موجة التحركات التي شهدتها بعض الدول العربية، كما شارك في حكومات عدة منذ استقلال البلاد.
أغلبية مهمة
وحازت الحكومة الجديدة على أغلبية كبيرة، الأمر الذي يضع تساؤلات حول احتمال اعتمادها سياسات تقشفية. ويشير المحلل السياسي، عبد الفتاح نعوم، إلى أن الأغلبية المريحة التي تتوفر عليها الحكومة الجديدة ستكون في صالحها بالتأكيد، لكون الائتلاف الحكومي سيعمل في أجواء جيدة باعتبار أن لديها قدرة دعم مهمة في البرلمان، ورأى أنه "أمر مهم جداً" لأن الحكومة في كل التجارب الديمقراطية عبر العالم، ترغب في أن تكون لديها أغلبية كبيرة في البرلمان، مضيفاً "أنه لا يمكن أن تكون هناك حكومة أقلية تستجدي الدعم من البرلمان أو من المعارضة، وفي الوقت نفسه لا يجب أن تكون المعارضة أقوى من الأغلبية الحكومية، بالتالي الحزب (أو الأحزاب) الذي يحصل على أكبر عدد من مقاعد البرلمان هو الذي يجب أن يشكل الحكومة، بحسب تقاليد تداول السلطة حول العالم"، على حد تعبيره.
وبخصوص مدى احتمال تسهيل تلك الأغلبية المريحة، اعتماد الحكومة المغربية الجديدة لسياسات قد تكون لها تاثير على القدرة الشرائية للمواطن، وذلك في ظل الانكماش الذي تسببت فيه الجائحة. ويشير نعوم إلى أن "السياسيات التي ستعتمدها تلك الحكومة ليس لها علاقة بمدى حجم الأغلبية التي بحوزتها، بقدر ما لها من علاقة بالبرنامج الانتخابي للأحزاب الثلاثة المشكلة للائتلاف الحكومي، وبالظرفية التي تعيشها البلاد المرتبطة بتدبير مرحلة ما بعد جائحة كورونا، إضافة للبرامج الكبرى التي اعتمدها المغرب المتعلقة بالحماية الاجتماعية والنموذج التنموي الجديد"، موضحاً أن الحكومة الجديدة مجبرة على السير في اتجاه تطبيق تلك البرامج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن جهة أخرى، لا يمكن لها أن تقدم على تطبيق أي سياسات من شأنها الزيادة من منسوب الاحتقان الاجتماعي، الذي كان السبب في اندحار الحكومة السابقة (التي تزعمها حزب العدالة والتنمية). فالتوجه نحو اعتماد برامج قد تمس بالقدرة الشرائية للمواطنين يجب القطع معه، لأنه ليس في صالح لا الحكومة ولا البلد بشكل عام، بحسب المحلل.
وبخصوص حجم المعارضة، يشير نعوم إلى أنه "سيكون فيها حزبان، "التقدم والاشتراكية" و"الاتحاد الاشتراكي"، و"لا ندري إن كانا سيشكلان جبهة موحدة أم لا، باعتبار الخلافات الكثيرة الموجودة بينهما، لكن يجمعهما التوجه اليساري"، موضحاً أنه من المتوقع أن يكون حضور "حزب العدالة والتنمية" ضعيفاً في مجال المعارضة، وذلك بالنظر لحضوره الضعيف في البرلمان من حيث عدد النواب، لكنه قد يبحث عن فضاءات أخرى للقيام بدور المعارضة خارج نطاق البرلمان من خلال وسائل التواصل والإعلام...
حكومة تكنوقراط
ويلفت المحلل السياسي عمر المرابط إلى أنه منذ الاستقلال، جرت العادة في المغرب أن يشارك تكنوقراط باسم الأحزاب القريبة من السلطة، وغالباً ما يتولى هؤلاء الوزراء المجالات المهمة، تلك المتعلقة بالاقتصاد والمالية والتجارة والاستثمار، بينما تُسند إلى الوزراء السياسيين الحقائب الخدماتية والاجتماعية والتضامنية، معتبراً أن ما يميز الحكومة الجديدة التي يترأسها رجل الأعمال، عزيز أخنوش، أن التكنوقراط تولوا أغلب المجالات المهمة، إذ تم تعيين ثلاثة وزراء من أعضاء اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، بتولي وزير الداخلية السابق شكيب بنموسى، الذي عمل رئيساً لتلك اللجنة المذكورة لوزارة التعليم، بينما أسند مجال التعليم العالي والبحث العلمي لعضو اللجنة عبد اللطيف ميراوي، وكلفت عضوتها، ليلى بنعلي، بحقيبة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، مع إلحاق الأول بـ"حزب الأصالة والمعاصرة" والثانية بـ"حزب التجمع الوطني للأحرار"، وهي ملفات يحرص القصر على متابعتها مباشرة.
توجه إنغلوساكسوني
وفي وقت تتجه السلطات المغربية بشكل غير رسمي إلى اعتماد اللغة الإنجليزية بدل اللغة الفرنسية، وهو ما يكمن اعتباره رد فعل على مضايقات الرئاسة الفرنسية للمغرب، التي كان آخرها قرار الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون تقليص التأشيرات المخصصة لكل من المغرب وتونس والجزائر، اعتراضاً على رفض تلك البلدان الثلاثة إصدار تأشيرات قنصلية لاستعادة مهاجريها غير الشرعيين الموجودين في فرنسا. ضمت الحكومة الجديدة وزراء ذوي ثقافة إنغلوساكسونية، ما اعتُبر أمراً مهماً ينهي الاعتماد على المنظور الاستراتيجي الفرنسي الضيق، وتطبيق المنظور الإنغلوساكسوني الأوسع. ويشير المحلل السياسي هشام معتضد إلى وجود حضور قوي للخيار الإنغلوساكسوني في تكوين وزراء الحكومة المغربية الجديدة، موضحاً أن ذلك التوجه يمكن ملاحظته من تكوين رئيس الحكومة المعين، عزيز أخنوش، المتخرج من جامعة "شيربروك" الكندية، الذي فضل، بحسب المحلل، حضور كفاءات تنتمي إلى نفس الخلفية التكوينية، موضحاً وجود رغبة حكومية في الاعتماد على صياغة مقاربات استراتيجية مبنية على توجه تدبيري إنغلوساكسوني أكثر منه فرانكوفوني، وذلك لما أظهرته المنهجية البراغماتية الإنغلوساكسونية من تفوق كبير في تدبير القطاعات الحيوية على عكس المدرسة الفرانكوفونية، على حد تعبيره.
وكان القصر الملكي قد رفض بعض الاقتراحات الخاصة بالتشكيلة الحكومية التي قدمها عزيز أخنوش، إلى أن تم اعتماد لائحة الوزراء التي تضم بعضاً ممن درس في الجامعات الإنغلوساكسونية (بعد عقود من اختيار جانب من الوزراء من خريجي الجامعات والمعاهد الفرنسية). ويعتبر المحلل هشام معتضد أن اعتماد القصر لبعض الوزراء ذوي الخلفية العلمية الإنغلوساكسونية، يعكس مدى رغبة الإرادة الملكية في الاعتماد على نخبة جديدة من الكفاءات ذات توجه فكري براغماتي، خصوصاً في قطاعات محددة، وذلك في سبيل فتح المجال لمواكبة تلك القطاعات الوزارية للتحولات الدولية والإقليمية، التي تتطلب كفاءات ملمة بثقافة دولية يغلب عليها طابع المدرسة الإنغلوساكسونية.
لكن عمر المرابط يرى أن "التجارب التي اكتسبها الوزراء الجدد من خلال مواقعهم في شركات كبرى أو في جامعات مرموقة تبقى تقنيةً محضة، بخلاف الكفاءة السياسية التي يكتسبها المناضل السياسي باحتكاكه اليومي مع المواطنين، ثم داخل الهيئات الحزبية والمجالس المنتخبة، وهو ما لا يستطيع فعله الرجل التكنوقراطي لوجود الجانب النضالي والإنساني في العمل السياسي".