تراجعت توقعات حجم الإنتاج الخاص بزيت الزيتون في تونس هذه السنة وفق تقديرات المختصين، ويعود ذلك إلى المعطيات المناخية في الأشهر الأخيرة. وتمت مراجعة التقديرات التي وضعت لجملة المحاصيل منذ أشهر. وبناء على ذلك سيسجل نقص في إنتاج زيت الزيتون. وتراجع عائدات الصادرات المتأتية منه. علماً أنه يمثل أهم مورد للعملة الصعبة ضمن الصادرات الغذائية.
وتحتل تونس المرتبة الثانية ضمن أهم منتجي ومصدري زيت الزيتون في العالم، وتواجه منافسة شرسة من دول الاتحاد الأوروبي. وأجمع الملاحظون على ضرورة وضع استراتيجية جديدة لتسويق زيت الزيتون التونسي، تهدف إلى إيجاد أسواق جديدة، إضافة إلى تحسين جودة الصادرات من حيث التعليب والتغليف، للرفع من تنافسية هذه المادة.
وقال وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري محمود إلياس حمزة في تصريح لـ "اندبندنت عربية"، إن تونس تسعى إلى منح قيمة مضافة لمنتوجاتها من زيت الزيتون. على أن تكتسب هذه القيمة بواسطة تطوير التعليب بالنسبة للكميات المعدة للتصدير، إضافة إلى العمل على جودة المنتوج. كما تهدف تونس إلى خلق أسواق جديدة للزيت، وهي سياسة تسويق متصلة ومتواصلة وفق تعبيره.
وكشف الوزير عن ارتفاع الإنتاج إلى أكثر من 200 ألف طن بالنسبة لهذا الموسم مقارنة بعام 2020، مما ينبئ بارتفاع نسق التصدير في غضون السنة المقبلة.
تطور نسبي
في حين وصف رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري عبد المجيد الزار الارتفاع المسجل في محاصيل زيت الزيتون لهذه السنة بالنسبي. فهو تطور في الكميات في حال تمت مقارنته بموسم 2020، الذي شهد تراجعاً حاداً. بينما تظل المحاصيل في مستوى المتوسط بالنظر إلى المعدلات التي سجلتها تونس في العقد الماضي.
ويقدر محصول هذه السنة بـ 200 ألف طن، بحسب التقديرات الحالية. إثر مراجعة تقديرات شهر يونيو (حزيران) 2021، التي حددت بـ 300 ألف طن. وبعد أن واجهت غابة الزياتين موجة من الجفاف امتدت طوال الصائفة إلى أوائل فصل الخريف. تسببت في تراجع مؤكد في الإنتاج، لكنه يظل محصولاً مرتفعاً مقارنة بالموسم المنقضي الذي سجل انهياراً في الكميات بـ 140 ألف طن، وكان موسماً متواضعاً وسيئاً.
لكن في المجمل وبحسب تقديرات الموسم الحالي فإن المحاصيل تظل متواضعة إن قورنت بالتطور الذي شهده الإنتاج في السنوات المنقضية، فموسم 2020 لا يمثل نموذجاً يقاس عليه. فقد سجلت تونس عام 2019 إنتاجاً قياسياً بلغ 400 ألف طن.
أما محمد النصراوي، الكاتب العام للجامعة الوطنية لمنتجي الزياتين صلب الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، فقد وصف حجم الإنتاج للموسم الحالي بالمتوسط في أفضل الحالات. وهو 240 ألف طن من الزيت وفق تقديرات يونيو، ما يساوي مليوناً و200 ألف طن من الزيتون، بل من المرجح أن تنخفض المحاصيل إلى أقل من هذا التقدير، وتتراوح بين 240 و200 ألف طن.
علماً أن موسم الجني لم ينطلق بعد ما عدا بعض المساحات المحدودة للغاية. ويعود ذلك إلى حالة الانتظار التي تسيطر على الفلاحين أملاً في تحسُّن المردود بعد الأمطار الأخيرة. وينتظر انطلاقه بعد أسبوعين من الآن.
زراعة مطرية
وتمتد غابات الزيتون على مساحة مليون و900 ألف هكتار، وهي ثاني أكبر غابة زيتون في العالم بعد إسبانيا، التي تمسح مليونين و400 ألف هكتار. وتمثل 40 في المئة من جملة المساحات الصالحة للزراعة في تونس. وتعد الغابة 100 مليون شجرة تنتشر 70 في المئة منها بالوسط والجنوب و30 في المئة بالشمال.
ويتمثل الإشكال الأول الذي تواجهه الزياتين في تونس هو ارتباطها بالمعطيات المناخية، حيث تمثل الأراضي المطرية 95 في المئة من جملة المساحات من الزياتين. فهي زراعة مطرية بالأساس تتأثر بمستوى كميات الأمطار الموسمية التي تمتد من أكتوبر (تشرين الأول) كل سنة إلى أواخر فصل الربيع في تونس أي مايو (أيار) وفق المعدلات، لكن يحدث أن تشح في بعض الأحيان، مما يتسبب في نقص المحاصيل بصفة آلية.
الصادرات
وبلغت الصادرات التونسية من زيت الزيتون 180 ألف طن عام 2020، منها 20 ألف طن من الزيوت المعلبة، ويتمثل التحدي الذي يواجهه الزيت التونسي في التعليب، حيث تسعى تونس إلى الرفع من مستوى تصدير كميات الزيوت المعلبة، بحكم أن أغلب الكميات المصدرة هي غير معلبة. وأشار النصراوي إلى أن تثمين الزيت التونسي يمر عبر تعليبه وحسن تسويقه وتنويع الأسواق التي يوجه إليها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتراوح حجم الصادرات السنوية بين 170 و180 ألف طن، لا يتجاوز حجم الزيوت المعلبة منها 20 ألف طن أي 10 في المئة من مجموع الصادرات. وهي نسبة ضئيلة للغاية على رغم التحسن المسجل في السنوات الأخيرة. حيث يشار إلى أن صادرات تونس من الزيوت المعلبة كانت لا تتجاوز 500 طن في العقود القريبة الماضية.
كما يتعمّق الإشكال عند تحديد الأسواق التي توجه إليها الزيوت غير المعلبة. فهي السوق الأوروبية وبالتحديد الإسبانية والإيطالية، حيث تقوم كل من إسبانيا وإيطاليا بتوريد الزيوت التونسية ثم تعليبها وإعادة تصديرها. والحال أن إسبانيا وإيطاليا هما المنافسان المباشران لتونس في مجال زيت الزيتون. حيث تتصدر أوروبا متمثلة في إسبانيا وإيطاليا المرتبة الأولى في العالم في إنتاج زيت الزيتون تليها تونس التي تحتل المرتبة الثانية عالمياً. كما تصنف الزيوت التونسية من أفضل الزيوت في العالم إن لم تكن الأفضل على الإطلاق.
وتصدر تونس 80 في المئة من مجموع الإنتاج سنوياً، وتبلغ قيمة صادرات زيت الزيتون 1.5 مليار دينار (531 مليون دولار)، وتمثل بذلك 51 في المئة من مجمل مداخيل الصادرات الغذائية التونسية، وتتجه 70 في المئة من الصادرات إلى السوق الأوروبية، وأساساً إسبانيا وإيطاليا تليها الولايات المتحدة وكندا واليابان والسعودية والإمارات.
معضلة التخزين
وتحتاج المنتوجات التونسية إلى سياسة تسويقية محكمة تمكّنها من غزو أسواق جديدة في العالم. كما تفتقر إلى آلية تخزين منتظمة حتى يجري التحكم في عملية التسويق وفق الأسعار في السوق العالمية على مدار السنة. حيث يوفر التخزين آلية تعديل للأسعار تمكن من تخزين الزيوت وتسويقها في الوقت الملائم، بحسب نسق الطلب في السوق العالمية.
ولا تفتقر تونس إلى المخازن فهي مرتكزة وموزعة على كامل البلاد وتوفر طاقة تخزين تبلغ 400 ألف طن. لكنها تواجه مصاعب متعلقة بتكاليف التخزين الباهظة. ولا توفر الدولة دعماً خاصاً لهذه العملية. ويواجه أصحاب المخازن التكاليف المشطة للقروض البنكية في هذا المجال. ويتزود المخزن والفلاح بقروض بنسبة فائدة تبلغ 10 في المئة، وهي نسبة مشطة وغير مشجعة على الاستثمار في هذا المجال. في حين يتحصل الفلاح الإسباني المنافس على قروض بنسبة واحد في المئة فحسب.