بعد لقاء طويل مع البابا فرنسيس اتسم بالودية، سعى الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إحياء العلاقات بين ضفتي الأطلسي خلال لقاءين عقدهما مع كل من رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في روما عشية قمة مجموعة العشرين.
"سوبر ماريو"
وجاب موكب الرئيس الأميركي الكبير المؤلف من 84 سيارة، شوارع العاصمة الإيطالية منذ صباح الجمعة 29 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، فبعد الفاتيكان وزيارة بروتوكولية إلى الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، توجه بايدن إلى قصر "بالاتزو كيدجي" للاجتماع برئيس الوزراء دراغي، الذي يستضيف قمة العشرين يومي السبت والأحد (30 و31 أكتوبر)، ويثير الاهتمام في الولايات المتحدة وفي دول أخرى بسبب مشاريعه الاصلاحية التي ينفذها بوتيرة متماسكة.
ويرى مراقبون أن "سوبر ماريو" وهو لقب دراغي عندما كان رئيساً للبنك المركزي الأوروبي، خريج معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا العريق (أم آي تي)، الموظف السابق في مصرف "غولدمان ساكس" الأميركي، هو النجم الجديد على الساحة السياسية الأوروبية.
محاولة لتجاوز الخلاف
وبعد ذلك، التقى بايدن الرئيس الفرنسي ماكرون، في اجتماع هو الأول بينهما منذ أزمة الغواصات. واستقبل ماكرون نظيره الأميركي في "فيلا بونابارت"، مقر سفارة فرنسا لدى الفاتيكان.
وأكثر بايدن من بادرات المودة حيال ماكرون في محاولة لتجاوز الخلاف الناجم عن قضية الغواصات الأسترالية، فيما كان الأخير أكثر تحفظاً، متحدثاً عن "بدء مسار الثقة".
ولم يألُ بايدن جهداً حيال ماكرون مع مصافحات متكررة وابتسامات عريضة وتشديد على "المودة الكبيرة" لفرنسا "أقدم حليف للولايات المتحدة". واستمر اللقاء الثنائي الذي انضم إليه وفدا البلدين لاحقاً، ساعة ونصف الساعة تقريباً.
إقرار أميركي
وقال بايدن "ما قمنا به لم يكن ملائماً ولم يكن على قدر كبير من اللياقة"، في أوضح إقرار أميركي بالندم بشأن إعلان شراكة دفاعية مع أستراليا والمملكة المتحدة، فاجأ فرنسا.
من جهته، قال ماكرون "أوضحنا ما ينبغي توضيحه" بشأن هذا التحالف في المحيطين الهادئ والهندي الذي كلف فرنسا عقداً ضخماً لبيع أستراليا غواصات متطورة. وأضاف الرئيس الفرنسي "ينبغي الآن التطلع إلى المستقبل" الذي يشتمل على قرارات مشتركة "ملموسة جداً تدعم التحركات والمبادرات المشتركة" حول المناخ والدفاع والابتكار.
وأكد ماكرون أن على البلدين أيضاً "توفير توضيحات ضرورية حول السيادة والدفاع الأوروبيَين".
رغبات فرنسية
ويريد ماكرون الحصول من واشنطن على مباركة صريحة لجهود فرنسا لبناء منظومة دفاعية أوروبية فعلية. وكانت الولايات المتحدة أبدت فتوراً حيال هذه الفكرة، خصوصاً أنها تقود حلف شمال الأطلسي.
وشدد الرئيس الأميركي على أن فرنسا "شريك بالغ الأهمية" لبلاده.
وتريد باريس أيضاً، دعماً أكبر في عمليات التدخل العسكري الهادفة إلى مكافحة المتشددين في منطقة الساحل. وأشاد ماكرون بأولى الإجراءات الملموسة التي اعتمدتها الولايات المتحدة على الأرض.
وتابع الرئيس الفرنسي "الثقة مثل الحب، الأقوال جيدة، والبراهين أفضل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال بايدن لماكرون، في تصريح مفاجئ إلى حد ما، "كان لدي انطباع بأن فرنسا أُبلِغت مسبقاً بأن عقد (الغواصات الذي أبرمته مع أستراليا) لن يتم. أمام الله، أؤكد لكم أنني لم أكن أعلم بأنكم لم تكونوا" على دراية بذلك.
شراكة ثنائية
وستنخرط فرنسا والولايات المتحدة في "شراكة ثنائية حول الطاقة النظيفة" بحلول نهاية العام، وفق ما جاء في بيان مشترك بعد لقاء الرئيسين.
كما ترغب "فرنسا والولايات المتحدة في تعزيز تعاونهما في مسائل الفضاء"، حسب البيان.
وفي ما يتعلق ببناء دفاع أوروبي، فإن "الولايات المتحدة تُدرك أهمية وجود دفاع أوروبي أقوى وأكثر عملانية" ويكون "مكملاً لحلف شمال الأطلسي"، استناداً إلى البيان.
كذلك، يريد الرئيسان إطلاق "حوار استراتيجي حول التجارة العسكرية"، لا سيما في شأن تصاريح التصدير.
وتقول واشنطن أيضا إنها "خصصت موارد إضافية لمنطقة الساحل لدعم جهود مكافحة الإرهاب التي تقودها فرنسا ودول أوروبية أخرى"، وهو مطلب فرنسي.
وكانت واشنطن فوجئت برد فعل فرنسا الغاضب بعد الإعلان في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، عن التحالف الجديد الذي أطلِق عليه اسم "أوكوس" بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وإضافة إلى عدم استشارتها، شعرت باريس بخيبة أمل كبيرة من النتيجة الأولى لهذه الشراكة المتمثلة بتخلي أستراليا عن عقد ضخم لشراء غواصات فرنسية.
وبعدما استدعى السفير الفرنسي في واشنطن، انتظر ماكرون أسبوعاً قبل أن يتحدث هاتفياً مع بايدن في 22 سبتمبر، ما أتاح بدء التهدئة. ثم أطلق الرئيسان "عملية مشاورات معمقة" لإعادة الثقة التي تضررت كثيراً بين الحليفين.
يُذكر أن هذه اللقاءات تأتي عشيّة قمة مجموعة العشرين يومي السبت والأحد في روما برئاسة إيطاليا.
ويُفترض أن تعلن القوى العظمى خلال هذه القمة اتفاقاً حول ضريبة دنيا تُفرض على الشركات الدولية. لكن ثمة شكوكاً متواصلة حول إمكان إعلان تعهدات قوية بشأن المناخ قبل انعقاد مؤتمر الأطراف "كوب 26" في غلاسكو في اسكتلندا الأسبوع المقبل.