يعيش الشارع السوداني منذ يوم الأربعاء الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، حالاً من الترقب لإنهاء الأزمة السياسية التي تفجرت بإعلان القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح البرهان حال الطوارئ في البلاد، في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وذلك على ضوء التصريحات والبيانات الإيجابية الصادرة من المجتمع الدولي والوساطات الدولية والمحلية التي أشارت إلى قرب الإعلان عن حكومة جديدة برئاسة عبدالله حمدوك.
كذلك أكد الجيش السوداني الخميس أن تشكيل الحكومة "بات وشيكاً"، ونقل تلفزيون السودان عن المستشار الإعلامي لقائد الجيش العميد الطاهر أبو هاجة قوله، "ندرس كل المبادرات الداخلية والخارجية بما يحقق المصلحة الوطنية" من دون أن يدلي بمزيد من التفاصيل.
وسط هذا، أصدر البرهان، الخميس 4 نوفمبر، قراراً بالإفراج عن أربعة وزراء احتجزوا إثر الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر، وفق ما أورد تلفزيون السودان الرسمي.
والمعنيون بالقرار هم وزير الاتصالات هاشم حسب الرسول ووزير الثقافة والإعلام حمزة بلول ووزير التجارة علي جدو ووزير الشباب والرياضة يوسف آدم الضي، وفق المصدر نفسه.
ونقلت وكالة "رويترز" عن مصادر رسمية سودانية قولها، الخميس، إن الإعلان عن تشكيل مجلس سيادة جديد مؤلف من 14 عضواً سيكون قريباً.
وأبدت المصادر أملها في أن تسفر المحادثات الجارية مع حمدوك عن خطوات إيجابية.
وأعلن مكتب البرهان أنه اتفق مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في اتصال هاتفي الخميس، على الإسراع في تشكيل حكومة للسودان.
وجاء في بيان صدر بعد اتصال بلينكن بالبرهان، "أمن الطرفان على ضرورة الحفاظ على مسار الانتقال الديمقراطي وضرورة إكمال هياكل الحكومة الانتقالية والإسراع في تشكيل الحكومة".
وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان إن بلينكن حث البرهان على الإفراج عن كل السياسيين المحتجزين والدخول في حوار يعيد الحكومة التي يقودها المدنيون إلى السلطة في البلاد.
وقال المتحدث باسم الوزارة نيد برايس في بيان إن "الوزير حض البرهان على الإفراج فوراً عن جميع الشخصيات السياسية المحتجزة منذ 25 أكتوبر (تشرين الأول) والعودة إلى حوار يعيد رئيس الوزراء حمدوك إلى منصبه ويعيد الحكم الذي يقوده المدنيون في السودان".
بدوره، تحدث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مع البرهان الخميس، وحثه على العودة إلى "النظام الدستوري والعملية الانتقالية".
عقبة إطلاق المعتقلين
لكن بحسب مصادر قريبة مما يجري من أحداث في السودان، فإن العقبة الأساس التي أخرت إعلان الاتفاق بين المكونين المدني والعسكري تمثلت في إطلاق المعتقلين السياسيين، وهو الشرط الذي تمسك به حمدوك قبل تشكيل حكومته الجديدة من وزراء تكنوقراط (كفاءات).
وأشارت تلك المصادر إلى أن الوساطة المحلية سلمت المكون العسكري ممثلاً بالبرهان، مذكرة تضمنت الشروط التي طالب بها حمدوك مقابل قبوله الاستمرار في منصبه كرئيس للوزراء، بخاصة موضوع اطلاق المعتقلين السياسيين.
حق دستوري
في المقابل، أوضح المحامي المعز حضرة بأنه ومجموعة من المحامين السودانيين رفعوا مذكرة إلى القائد العام للقوات المسلحة السودانية تطلب السماح لهم كمحامين، من منطلق حقهم الدستوري والقانوني بمقابلة المعتقلين السياسيين، وكذلك السماح لأسرهم بزيارتهم، لكنهم لم يتلقوا أي رد وظلوا يومياً يستفسرون عن هذا الطلب من دون إجابة.
كما بيّن أنهم تقدموا أيضاً بطلب للنائب العام يفيدون فيه بأن الإجراء الذي اتبع مع هؤلاء المعتقين السياسيين غير قانوني، لا سيما بعد إلغاء قانون جهاز الأمن والمخابرات العامة الذي كان يعطي رجل الأمن حق اعتقال أي شخص وفق تقديراته الخاصة.
وطالب المحامي النائب العام "بالتحرك لمعرفة أماكن اعتقال هؤلاء بعدما تأكد عدم وجودهم في حراسات النيابة والشرطة، فضلاً عن عدم السماح لأسرهم بزيارتهم وايصال العلاجات الخاصة بهم، بخاصة وأن بعضهم يعاني أمراضاً مزمنة تتطلب المواظبة في العلاج، وذلك يؤكد ما يتداول في وسائل الإعلام المختلفة تعرضهم للتعذيب، وإلا ما مبررهم في عدم تجاوبهم بالسماح بزيارتهم؟".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعرب المحامي عن أسفه "لأن يتم مثل هذا الاجراء غير القانوني في ظل الثورة التي ترفع شعار حرية، سلام، وعدالة، وتوقيع السودان على معاهدات وقوانين عديدة تتعلق بإحترام حقوق الإنسان".
صفقة حلول
في السياق، قال الناشط السياسي غريب الله عبدالله إن "كل المؤشرات تشير إلى حتمية الوصول إلى صفقة حلول تستجيب لمطالب الشارع السوداني المتمثلة في العودة للشرعية الثورية عبر الوثيقة الدستورية، وعودة رئيس وزراء الفترة الانتقالية عبدالله حمدوك إلى منصبه، وإطلاق كل المعتقلين السياسيين بإعلان حال الطوارئ في 25 أكتوبر الماضي، وعودة مؤسسات أجهزة الحكم الانتقالي لممارسة مهماتها".
ولفت إلى أن "هذا السيناريو يهم الأطراف الإقليمية والدولية التي تسعى إلى تجنيب البلاد تداعيات أمنية كثيرة على دول الجوار، وتجنب كارثة اقتصادية تحل على السودان الذي يعيش فترة عودة حيوية إلى الاندماج في منظومة الاقتصاد العالمي"، مشيراً إلى أن "أهمية هذا السيناريو تكمن في أنه يسير باتجاه إكمال عملية التغيير الكبيرة التي أحدثتها الثورة في المجتمع السوداني والتي لا يمكن أن تعود إلى الوراء".
الاحتكام إلى الوثيقة
من جهة أخرى، أشار الأكاديمي عبدالمطلب محمد خاطر إلى أن "الخروج من الأزمة السياسية السودانية التي أحدثها قرار القائد العسكري البرهان يعتمد أساساً على الرجوع إلى ما قبل 25 أكتوبر 2021، والاحتكام إلى الوثيقة الدستورية كمرجعية للحوار وفقاً لطرح الوساطة المحلية والدولية، والتي تدعو لعودة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك إلى موقعه السابق تسبقه عملية إطلاق المعتقلين السياسيين".
وأضاف خاطر، "يمكن بعد ذلك إجراء حوار موسع مع كل الأطراف السياسية في البلاد لتكوين حكومة تكنوقراط لاكمال الفترة الانتقالية والتجهيز للانتخابات العامة المقررة في يوليو (تموز) 2023، لكن أي محاولات لفرض حلول أخرى ستدخل السودان في صراعات يصعب التنبوء بنتائجها الكارثية".
كما دعا البيان الرباعي المشترك من السعودية والإمارات والولايات المتحدة وبريطانيا بشأن الأزمة السودانية إلى الاستعادة الكاملة والفورية للحكومة والمؤسسات الانتقالية بقيادة مدنية، والالتزام بالوثيقة الدستورية واتفاق جوبا للسلام، مما أثار ارتياحاً كبيراً في الشارع السوداني، كونه عبر عن صوت الغالبية العظمى من قطاعات الشعب.