يعاني العراق انخفاضاً في نسبة المياه الواردة من تركيا وإيران وسوريا، لا سيما في نهري دجلة والفرات، حيث ينخفض كل صيف منسوب المياه، وصولاً إلى مرحلة جفاف النهرين في بعض مناطق العراق، الأمر الذي أسهم في تقليل المساحات الزراعية وهجرة الفلاحين من الريف إلى المدينة بسبب نُدرة المياه.
ويخشى متخصصون من أن يؤدي ملء سد "إليسو" التركي بالمياه إلى انخفاض كمية مياه دجلة التي تدخل الأراضي العراقية، إلا أن وزارة الموارد المائية العراقية قلّلت من أهمية افتتاحه على نهر دجلة.
وقالت الوزارة في بيان لها، إن "بعض وسائل الإعلام تناولت خبراً مفاده افتتاح سد إليسو جنوب شرقي تركيا على نهر دجلة"، مبينة أن "سد إليسو الواقع على نهر دجلة جنوب شرقي تركيا تم إنجازه وإكمال عملية الخزن المائي فيه وتشغيله منذ عام 2019، وهو سد أُنشئ لأغراض توليد الطاقة الكهربائية، ودخل الخدمة منذ ذلك التاريخ".
وتابعت أن "افتتاحه من قبل الحكومة التركية افتتاح بروتوكولي يقع ضمن احتفالات الجمهورية التركية بمئوية تأسيسها".
وافتتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، السبت الماضي، سد "إليسو" رسمياً بسعة تخزين تبلغ 11 مليار متر مكعب، وأكد أن الماء أثمن وأهم مورد استراتيجي في القرن الحالي.
والسد يتخذ بعداً جيوسياسياً، لأنه يدخل في إطار مفاوضات حساسة بين بغداد وأنقرة بشأن حصة العراق من مياه نهر دجلة، وفقاً لمتخصصين عراقيين.
وفي تصريح نقلته وكالات أنباء أشار أردوغان إلى أن افتتاح السد هو "أفضل رد يمكن تقديمه لأعداء تركيا".
ويعد هذا السد من أكبر السدود، التي تم إنشاؤها على نهر دجلة، بطول 1820 متراً، وارتفاع 135 متراً، وعرض كيلومترين، وتقدر مساحة بُحيرته بـ300 كيلومتر مربع.
وفي الوقت الذي تخفض فيه تركيا من التدفقات المائية قد يواجه العراق أكبر تهديد قد يفوق تهديد الجماعات الإرهابية خلال السنوات المقبلة نتيجة انخفاض التدفقات المائية لنهري دجلة والفرات واعتمادها على الكثير من الأراضي الزراعية المحاذية على النهرين.
صيغ مشتركة بشأن ملف المياه
وفي السياق، استقبل مستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي، بمكتبه، السفير التركي في بغداد، علي رضا غوناي. وتناول اللقاء أهمية استمرار تنسيق البلدين حول ملف المياه، حيث أكد السفير التركي أن الغرض من بناء السدود التركية هو السيطرة على هدر المياه، وليس تجفيف الأنهار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه، أشار الأعرجي إلى مدى التنسيق العالي بين الحكومتين، لتذليل العقبات في الملفات المشتركة، مشدداً على أهمية استمرار التواصل بين بغداد وأنقرة، للوصول إلى صيغ مشتركة بشأن ملف المياه.
أزمة إدارة المياه
بالتزامن مع ذلك، أشار الباحث السياسي علي البيدر إلى أن "العراق يعاني أزمة إدارة المياه، وليس أزمة مياه، كونه يغرق في الشتاء خلال مواسم الأمطار والفيضانات، ويعطش أثناء فترة الجفاف خلال الصيف".
وتابع، "لا شك أن بناء سدود من قبل تركيا له تأثير كبير على المخزون المائي للعراق، ويجب عليها مراعاة ذلك، كما أن على العراق إدارة ثروته المائية بطرق مثالية عبر ترشيد الاستهلاك، وألا تذهب جميع المياه التي تصل إلينا من دول الجوار إلى البحر دون الاستفادة منها".
وبحسب البيدر، "قد تستخدم تركيا وإيران الثروة المائية كورقة ضغط، ويجب على العراق مواجهة ذلك باستخدام ورقة الاقتصاد، التي ستجبر تلك الأطراف على احترام واقع العراق".
وأكد البيدر أن "العالم أجمع يعاني انخفاض منسوب المياه، وبذلك يجب إيجاد بدائل أخرى تساعد في ترشيد الاستهلاك، وكذلك تركيا تعاني تلك الأزمة، وقد أنشأت تلك السدود من أجل مصلحتها المائية، لا كورقة ضغط، كما يعتقد البعض".
تداعيات بناء السدود سلبية
وفي الأثناء، يشير الباحث الاقتصادي إيفان شاكر إلى "بناء السدود من قبل دول الجوار دون أخذ مشورة العراق وعدم مراعاة مصالحه المائية والقومية، وكذلك عدم مقدرة الحكومة العراقية أن تشكل ضغطاً سياسياً واقتصادياً وتجارياً لعدم بناء هذه السدود الضخمة، وبكل تأكيد ستكون التداعيات سلبية على العراق من الناحيتين الاقتصادية والزراعية".
وأكد أن "العراق سيدفع تكلفة باهظة جراء بناء السدود من قبل دول المنبع كتركيا وإيران أيضاً".
وفي وقت سابق، أكد وزير الموارد المائية مهدي رشيد الحمداني في تصريح صحافي، أن "الزيارات المستمرة إلى تركيا أسفرت عن نتائج إيجابية، منها دخول مذكرة التفاهم التي وقعت عام 2009 حيز التنفيذ، ومن أهم بنودها إعطاء حصة عادلة للعراق من المياه، وهذا جهد لم يتحقق منذ 40 عاماً، بينما لوّح بتقديم شكوى ضد إيران في المحكمة الدولية عقب قطع جميع واردات المياه المتجهة للعراق من إيران".
الموسم الزراعي الشتوي مهدد
وكانت وزارة الزراعة قد حذّرت من تأثر الموسم الزراعي الشتوي بعد تأكيدات وزارة الموارد المائية، أن الخزين المائي في السدود والخزانات يكفي لسد احتياجات مليونين وخمسمئة ألف دونم، أي بمقدار تخفيض 50 في المئة عن المساحات المقررة للعام الماضي.
وكشف المتحدث الرسمي باسم الوزارة، حميد النايف، في تصريح صحافي، عن "الخطة البديلة التي تتضمن إعطاء مساحات اضافية مضاعفة بمقدار مليونين و800 ألف دونم معتمدةً الري على الآبار، إضافة إلى خطة للأراضي مضمونة الأمطار، وهي ستعوض عن الخطة الزراعية والمساحات التي تم تقليصها، فضلاً عن شمول الأراضي الزراعية في محافظة ديالي ضمن خطة الري بالآبار الارتوازية، وشمول أصحاب منظومات الري بالرش والتنقيط في الموصل ومحافظات أخرى، للوصول إلى مديات جيدة بالإنتاج الزراعي".