Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان... ماذا يحمل الهاربون من الموت؟

حقيبة الناجين ذكريات ودموع وآمال بالعودة ولو إلى بيوت مدمرة

تقول زينب "الأولوية عند الخروج كانت أن أحمل ابني، وأن أضع في الحقيبة بعض الأغراض الشخصية الخاصة به" (ا ف ب)

ملخص

في رحلة النجاة، حمل أهالي جنوب لبنان ما أمكن من أمتعة ومال في حقائبهم. ودفعت شدة القصف بعضهم إلى الهرب بملابسهم المنزلية فحسب. ويشكو هؤلاء الاكتظاظ والبرد داخل مراكز الإيواء.

بين فينة وأخرى، يعود سالم ليفتش في حقيبة جلدية سوداء عن أوراق، هي ما تبقى له من عالمه القديم. فهو على غرار الناجين من أبناء جنوب لبنان، ضاقت حقيبته على ما يحب، وما تعلقت به روحه سنوات. أدرك هذا الرجل أن الهجوم الإسرائيلي الجوي غير المسبوق ينذر بحرب شاملة، وهو الذي كان وحيداً في مسكنه ضمن مدينة النبطية بعد نزوح عائلته. لم يحمل ملابس، ولا أمتعة، وإنما اكتفى بأوراق ثبوتية رسمية لتأكيد وجوده، وبعض الكتب القيمة. هذه القصة، هي واحدة من آلاف قصص الهاربين من الموت، إذ تحولت الحقيبة إلى وطن بالنسبة إلى كثر، بما تحمله من ذكريات.

 

الفرار على عجل

سيشهد التاريخ على نهار الـ23 من سبتمبر (أيلول) الذي غير حياة أبناء جنوب لبنان إلى الأبد. في ذلك اليوم، غادر مئات آلاف المواطنين بيوتهم مرغمين تحت وطأة القصف والغارات الإسرائيلية، ولم يتسن لكثير منهم حتى حمل "ما خف وزنه، وغلا ثمنه". 

ومنذ ذلك التاريخ اعتاد اللبنانيون خبر الإخلاءات العاجلة التي يوجهها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، والذي يطل علينا كل يوم تقريباً حاملاً في منشوره خريطة تظهر أماكن محددة سيتم استهدافها، فيسارع أهل تلك المنطقة والأماكن المحددة إلى إخلائها خلال دقائق قليلة. فكان سؤالنا لهم "ماذا حملتم في حقيبتكم وأنتم الهاربون من الموت"؟ 


في الجانب الوجداني يستعيد بعض الناجين ما حمله نزار قباني (شاعر ودبلوماسي سوري) في رحلته الخرافية، عندما خبأ في حقائبه "صباح بلاده الأخضر، وأنجمها، وأنهرها، وكل شقيقها الأحمر"، ويستعيدون أمجاد صور وصمودها الأسطوري و"ثورة جبل عامل".

أما في حيثيات مغادرة الجنوب فتتكرر، على ألسنة الناجين، عبارة واحدة "خرجنا بالملابس التي كنا نرتديها في المنزل عندما بدأت الإنذارات (الإسرائيلية) بوجوب الإخلاء"، وهو ما يؤكده وسام حمادة من بلدة الحوش في قضاء صور، الذي يؤكد أنه لم يحمل معه إلا الهاتف المحمول.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كذلك الأمر مع فاطمة بلحص التي غادرت مكرهة بلدة صديقين "لم أحمل معي عباءة ثانية من أجل تغييرها، أو ملابس شتوية من أجل تدفئة مفاصلي".

لم يسعف الحظ زوج فاطمة حسن بلحص الرجل السبعيني، عندما استعجله عمال الإغاثة للخروج من ضيعته لاتقاء القصف، فسقط وكسر وركه، واضطر إلى دفع المدخرات التي حملها معه من أجل إجراء العلاج.

تكتظ غرفة الزوجين حسن وفاطمة بالأطفال والأحفاد، وتقطن ثلاث عائلات في إحدى الغرف المدرسية، وهم لا يمتلكون مساحة خاصة للجلوس أو الراحة، ويعبر هؤلاء عن حزنهم لأن الأولاد لن يتمكنوا من متابعة دراستهم للعام الحالي، وجميع كتبهم وألعابهم وملابسهم الشتوية بقيت في المنزل والمدرسة الخاصة. وتشير السيدة فاطمة إلى أنها "أحضرت معها بعض أدوات المطبخ"، إضافة إلى بعض الأدوية و"تنتظر أن تحصل على علبة جديدة من مراكز الرعاية الأولية التابعة لوزارة الصحة بعد أن تقدمت بطلب إلى المركز الواقع في نطاق مركز الإيواء".

 

رائحة الموت

أثقلت رحلة النجاة ذاكرة الناجين من أبناء جنوب لبنان إلى الأبد، وقد تكبد بعضهم الأمرين.

وتختصر الطفلة سيلين قعفراني، ابنة السنوات الست، محنة أبناء الجنوب الجرحى. فعندما كانت تحاول الهرب برفقة والدتها وإحدى العائلات الصديقة، تعرضت بلدة دير قانون (جنوب) لقصف صاروخي أدى إلى احتراق صناديق الملابس التي أعدتها الوالدة، كما تعرضت سيلين لحروق عميقة. اليوم، وبعد مرور أكثر من 40 يوماً على الحادثة، ما زالت الطفلة تعاني تداعيات الحروق العميقة. وتقول سيلين "كنا نستعد للفرار من القصف، أتت طائرة، ورمت صاروخاً على مقربة منا، أتذكر جيداً رائحة الجلد وهو يحترق، وكذلك كان الدم يسيل من أيدينا وأرجلنا أنا وأمي، واستمر انتظار قدوم سيارة الإسعاف طويلاً".

وتقول الشابة ورد إحدى الناشطات في الحقل الإغاثي "جاءت الطفلة في حالة صحية صعبة من دون أن يكون لديها دواء، وقد نشط الشبان في مركز الإيواء من أجل مساعدتها وتأمين ما يلزم لعلاج حروقها العميقة، وتأمين المعاينة الطبية".

أشيائي المفضلة

أما حسن طالب، الذي يقيم في أحد مراكز الإيواء فبقول "وضعت النرجيلة في السيارة والتنبك، حتى قبل أن أجمع الملابس في الحقائب"، مضيفاً "لكل إنسان شيء يحبه وأنا لا يريحني سواها". ويوضح "كنا نشارك في عزاء ضمن بلدة معركة (جنوب)، عندما بدأ القصف، توجهنا على عجل إلى منازلنا، وملأنا السيارة بما لدينا من أغراض مهمة وملابس".

فيما الشاب حسن فاكتفى بحمل قفص طيوره.

أما الشاب محمد، من بليدا الجنوبية، فهو حلاق، حمل معه عدته، ويمارس مهنته في مركز الإيواء حيث يقيم.

من جهة ثانية، خابت توقعات البعض، فقد ظن الشاب محمد منصور النازح من العباسية، أن الحرب لن تطول، فغادر بلدته حاملاً حقيبة ملابس صيفية "ظننا أن الحرب ستدوم أياماً، جئنا بكيس، وضعنا فيه بعض الملابس، ولكن مر علينا 40 يوماً، ننتقل من مركز إيواء إلى آخر. وقد اقترب موسم الشتاء، ولا توجد لدينا ملابس شتوية".

المعاناة

وفق الأرقام الرسمية اللبنانية، غادر نحو مليون و500 ألف لبناني منازلهم في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية خلال أسابيع قليلة، غالبيتهم تركت المنازل على عجلة من دون أن تعطى الوقت الكافي لأخذ ما هو أساسي. فيما تعيش فئات هشة هذه الظروف بشكل مختلف وأصعب من غيرهم.

فمغادرة القرى لم تكن متيسرة تماماً للأشخاص من ذوي الإعاقات، وذويهم.

هذه هي حال زينب رزق من بلدة عين قانا وابنها علي، وهو من أصحاب الإعاقة الحركية. تقول زينب "الأولوية عند الخروج كانت أن أحمل ابني، وأن أضع في الحقيبة بعض الأغراض الشخصية الخاصة به، كانت المغادرة صعبة للغاية". وتنقلت زينب من مكان إلى آخر إلى أن استقرت بها الحال في بلدة بخعون – الضنية في شمال لبنان مع ما رافق رحلتها من معاناة.

يتكرر الأمر مع هلا من أصحاب الحاجات الخاصة (الذهنية)، التي تقول "الطائرة حرمتني من كل الأغراض والملابس الجميلة الموجودة في خزانتي المنزلية". وتؤكد والدتها أن "العائلة خرجت بملابسها دون سواها، ولم تتمكن من إحضار العدة المنزلية لإعداد الطعام الخاص بطفليها من أصحاب الإعاقة، أو حتى أدوات النظافة الشخصية"، وهو ما فاقم معاناة عائلتها في مركز الإيواء.

على أمل العودة

لا يتحدث النازحون عن خسارة أموالهم أو مصاغهم الذهبي، ويأملون انتهاء الحرب قريباً "يهون كل شيء أمام الاستمرار على قيد الحياة، والعيش في أمان على أمل العودة" كما تقول الشابة جيهان مراد النازحة من الحوش (البقاع) مضيفة "خرجنا حاملين الأغراض الأساسية، فيما تركنا كل الأغراض الثمينة هناك التي لا يمكن الوصول إليها".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير