في ظل تداعيات المشهد السياسي في السودان التي أفرزتها قرارات القائد العام للقوات المسلحة السودانية عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بإعلان حال الطوارئ في البلاد، وتعطيل نصوص الشراكة في الوثيقة الدستورية، خصوصاً أن التصعيد الجماهيري بدأ يأخذ منحاه نظراً لتباعد المواقف والرؤى بين أطراف الأزمة السياسية، وإصرار المكون العسكري على مواقفه بألا رجعة في قراراته، برز تساؤل حول أثر إمساك الجيش السوداني بزمام الأمور على استقرار إقليم دارفور الذي عانى من الأنظمة العسكرية.
خيارات مفتوحة
يقول مدير معهد السودان للديمقراطية الصادق علي حسن إن "التطورات السياسية الحالية في البلاد أثبتت أن أطراف هذه العملية يستهدفون مصالحهم الذاتية، بخاصة المجموعات المسلحة ممثلة في رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، وقائد حركة تحرير السودان أركو مني مناوي، ومؤكد أن تبعات هذه الإجراءات ستدخل البلد ودارفور على وجه الخصوص في منزلق خطر، وتؤدي بلا شك إلى فوضى عارمة، إذ سيتم رفضها من قطاعات الشعب السوداني كافة، وهو ما عبرت عنه مليونية (الردة مستحيلة) في 30 أكتوبر، وقد خرجت كل مدن دارفور احتجاجاً على تلك القرارات في استفتاء شعبي كبير، وهو إحساس صادق بأن ما يجري ليس في مصلحة الإقليم الذي عانى النظم الشمولية، بخاصة نظام البشير الذي تسبب في اندلاع حرب دارفور عام 2003".
ولفت حسن إلى "أن هناك تخوفاً بأن تعيد هذه التطورات الجهويات المناطقية والقبلية كأساس ومنهج لإدارة الحكم، وبالتالي القضاء على قوانين الدولة المتعارف عليها وفق الآليات والضوابط المتبعة، فضلاً عن إعادة تكوين حركات مناطقية بطريقة جديدة لها مطالب غير مألوفة، مثل المطالبة بحق تقرير المصير".
كما يرى "أن قرارات البرهان ستقود إلى نتائج كارثية تعيد أزمات البلاد بشكل جديد، وسيكون المستقبل مفتوحاً أمام كل الخيارات، لكن المؤشرات توضح أن السودان غير موعود باستقرار على المدى القريب، وهو ما سينعكس سلباً في إقليم دارفور الذي يشكو الهشاشة الأمنية".
تأزم كبير
فيما توقع عضو هيئة محامي دارفور تاج الدين صديق "أن يلقي تحالف الحكم الجديد المتمثل في الجيش السوداني وقوات الدعم السريع والحركات المسلحة بظلاله السيئة على السودان بشكل عام، وعلى دارفور بخاصة، وذلك من ناحية أن الوضع السياسي والاقتصادي سيشهد تأزماً كبيراً في ظل وقف مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تعاملاتها مع الحكومة السودانية، وكذلك توقف المساعدات الخارجية من دول الترويكا وواشنطن ومجموعة أصدقاء السودان، وإبقاء الديون البالغة نحو 60 مليار دولار في مكانها، فضلاً عن تعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي".
وأشار صديق إلى أنه من ناحية قانونية "فإن الاتفاق شريعة المتعاقدين، فتوقيع الوثيقة الدستورية بين المكونين العسكري والمدني في 17 أغسطس (آب) 2019 تم بحضور شهود دوليين وإقليميين ودول جوار، وبالتالي فإذا واجه هذا الاتفاق أي مشكلات فلا بد من أن يكون الحل عبر الحوار، لكن أن يستعين أي طرف من الطرفين بقوته ليفرض رؤيته بالقوة فهذا أمر مرفوض تماماً، ولذلك فالسؤال الذي يفرض نفسه هو هل يستطيع المكون العسكري مواجهة المجتمع الدولي؟"
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تكافؤ قوة
ويعتقد "أن رئيس حركة تحرير السودان أركو مني مناوي ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، سقطا من ثوريتهما بارتمائهما في أحضان العسكريين الذين كانوا يمثلون النظام السابق، وهو النظام نفس الذي ظلا يحاربانه عقدين من الزمان، لذلك بعد تحالفهما مع العسكريين لن يكون لهما مستقبل سياسي في البلاد، خصوصاً في دارفور، لأنهما تناسيا قضية النازحين واللاجئين أصحاب المصلحة الحقيقيين لما تعرضوا له من ضرر بالغ، فاهتما بمصالحهما الذاتية من مناصب وغنائم وغيرهما، لكن لم يفعلا شيئاً بخصوص الترتيبات الأمنية، وكذلك مسألة حماية المدنيين التي يجب أن تتم من خلال تشكيل قوة مشتركة من الجيش والحركات المسلحة وفقاً لاتفاق جوبا للسلام".
وأوضح عضو هيئة محامي دارفور "أنه انكشف تماماً أن اتفاق جوبا ليس فيه تكافؤ قوة، ولم يتم تنفيذ كثير من بنوده خصوصاً ما يتعلق بالناحية الأمنية، فما زالت مناطق عدة في دارفور تعاني تحديات وانفلاتاً أمنياً بتجدد النزاعات من حين لآخر"، مؤكداً "أن المستقبل سيكون للقوة الجماهيرية، فمثلما أسقطت نظام الرئيس السابق عمر البشير فبالتأكيد ستسقط أي حكومة تكون شرعيتها قرارات 25 أكتوبر، إذ إن الشعب السوداني كسر حاجز الخوف ويجد الدعم الدولي والإقليمي لثورته وشعاراتها السلمية".
بطء التنفيذ
في المقابل، أوضح القيادي في الجبهة الثورية السودانية حذيفة محيي الدين البلول "أن الحراك الجاري حالياً لتشكيل حكومة جديدة وفقاً لقرارات 25 أكتوبر لن يكون خصماً على دارفور وحركاتها المسلحة، بل سيعزز اتفاق جوبا للسلام ويعجل بتنفيذ بنوده، بخاصة ما يتعلق بموضوع الترتيبات الأمنية، فالمجموعة السياسية الحاكمة سابقاً أسهمت في بطء تنفيذ معظم الملفات المهمة المتعلقة بشأن السلام، لذلك شهدنا تفجر الصراعات والنزاعات القبلية والمناطقية في الإقليم بسبب الفراغ الأمني، ونتوقع أن يكون الوضع في دارفور أفضل بكثير مما كان عليه خلال الحكومة السابقة".
وأضاف البلول، "في تقديري أن الجماهير سواء في المركز أو الأقاليم تفهم مآلات الوضع، وكانت ناقمة على المشهد السابق، ونحن في الجبهة الثورية كنا ننتقد تلك الأوضاع وطالبنا بتصحيح المسار، لأن ما نشهده من تباطؤ وخرق في القوانين كان واضحاً، وبالتالي لم يكن هناك مفر غير تدخل القوات المسلحة ووضع الأمور في نصابها الصحيح، وهذا ما سيفضي إليه النقاش والحراك القائم حالياً، ومؤكد أنه سيكون في مصلحة البلاد اقتصادياً وأمنياً وسياسياً".
ونوه القيادي في الجبهة الثورية بـ "أن كل أطراف السلام متفقة حول الرؤية الجديدة للحكم، وملتزمة بما ستسفر عنه أي خطوة نحو الإجماع الوطني، كما أن هناك جهوداً مبذولة في اتجاه توحيد الجبهة الثورية بعد أن كانت متباعدة المواقف، لما أصابها من تشظ وانقسام بسبب الإعلان السياسي الجديد لقوى الحرية والتغيير الذي وقعت عليه بعض الحركات المسلحة في الثامن من سبتمبر (أيلول) الماضي، لكن الآن التقى الجميع بعد أن وضحت الحقيقة المجردة، وهي واحدة من ثمرات قرارات 25 أكتوبر".