استيقظ العراقيون صباح الأحد 7 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، على وقع خبر محاولة اغتيال رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي، ما شكّل منعطفاً كبيراً في مسار الأحداث السياسية والأمنية "الساخنة" التي تشهدها البلاد منذ إجراء الانتخابات المبكرة في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إذ تتهم الكتل الشيعية الخاسرة والمنضوية ضمن "الإطار التنسيقي" (باستثناء التيار الصدري) الحكومة والمفوضية العليا المستقلة بتزوير الانتخابات.
وعلى الرغم من دعوات الكاظمي إلى التهدئة وتغليب لغة الحوار، اتسعت رقعة التنديد والاستنكار المحلي والدولي باستهدافه في منزله بالمنطقة الخضراء في بغداد، التي شهدت انتشاراً كثيفاً للأجهزة الأمنية ونزول مدرعات ودبابات تابعة للجيش إلى شوارع العاصمة.
وتوجّه الكاظمي إلى منفذي محاولة اغتياله عبر استهداف منزله بثلاث طائرات مسيّرة مفخخة، مؤكداً أنه يعرفهم جيداً وسيكشفهم، فيما لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم حتى اللحظة.
مَن يعبث بأمن العراق؟
وقال الكاظمي خلال ترؤسه جلسة استثنائية لمجلس الوزراء، "تعرّض منزلي الليلة الماضية لاعتداء عبر استهدافه بطائرات مسيّرة وُجهّت إليه بشكل مباشر، وهذا العمل الجبان لا يليق بالشجعان، ولا يعبّر عن إرادة العراقيين". وأضاف "سنلاحق الذين ارتكبوا جريمة الأمس، نعرفهم جيداً وسنكشفهم، وستصل يد العدالة إلى قتلة الشهيد العقيد نبراس فرمان، ضابط جهاز المخابرات الوطني العراقي".
وتابع أن حكومته منعت "انزلاق العراق إلى حرب إقليمية، وتمكّنا من العبور بالبلد إلى بر الأمان، لكن هناك من يحاول أن يعبث بأمن البلاد ويريدها دولة عصابات، ونحن نريد بناء دولة".
وجدد رئيس حكومة تصريف الأعمال التأكيد على نجاح الحكومة في "تلبية مطلب الشعب والمرجعية والمتظاهرين بإجراء انتخابات مبكرة، وتوفير كل ما طلبته المفوضية"، لافتاً إلى أن "نتائج الانتخابات والشكاوى والطعون ليست من اختصاص الحكومة، إنما واجب الحكومة انصب على توفير الأمور المالية والأمنية لإجراء الانتخابات".
وأشار إلى أنه أمر بـ"فتح تحقيق فوري في الأحداث التي حصلت مع المحتجين أمام المنطقة الخضراء يوم الجمعة، لوضع أي متجاوز خلف القضبان وتقديمه للعدالة".
وختم الكاظمي حديثه بتقديم شكره واعتزازه وامتنانه إلى "كل أصحاب الفخامة والسيادة والسمو من قادة وزعماء المنطقة والعالم الذين اتصلوا أو أرسلوا رسائل أو أصدروا مواقف تتضامن مع الدولة العراقية، وكذلك كل القوى السياسية التي عبّرت عن دعمها لمفهوم الدولة إزاء اللادولة"، منوهاً بأن "عمر الدولة العراقية طويل، وأعمار دعاة اللادولة والفوضى قصير".
معالجة الإشكالات
ويبدو أن المشهد السياسي العراقي المتأزم في طريقه إلى الانفراج بعد محاولة اغتيال الكاظمي، إذ عقد الإطار التنسيقي للقوى الشيعية مساء الاثنين (8 نوفمبر)، اجتماعاً بحضور رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس القضاء الأعلى.
وقال الإطار التنسيقي في بيان إن "الاجتماع بحث ثلاث قضايا رئيسة هي استهداف المتظاهرين السلميين واستهداف منزل رئيس الوزراء والاعتراضات على نتائج الانتخابات". وأضاف البيان أن "الاجتماع خلص إلى نقاط عدة، هي إدانة جريمة استهداف المتظاهرين وإكمال التحقيقات القضائية المتعلقة بها ومحاسبة المتورطين بهذه الجريمة، ورفض وإدانة جريمة استهداف منزل رئيس الوزراء وإكمال التحقيق فيها ورفد فريق التحقيق بفريق فني مختص لمعرفة كل حيثيات الجريمة وتقديم المسؤولين عنها إلى القضاء".
كما تضمن الاجتماع الاتفاق على "خفض التوتر وإيقاف التصعيد الإعلامي من كل الأطراف وإزالة كل مظاهر الاستفزاز في الشارع والذهاب نحو تهدئة المخاوف لدى الناس وبعث رسائل اطمئنان إلى ابناء الشعب العراقي والبحث عن معالجات قانونية لأزمة نتائج الانتخابات غير الموضوعية تعيد إلى جميع الأطراف الثقة بالعملية الانتخابية التي اهتزت بدرجة كبيرة والدعوة إلى اجتماع وطني لبحث إمكانية إيجاد حلول لهذه الأزمة المستعصية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد الجميع بحسب البيان "حرصهم على السلم الأهلي وعلى معالجة جميع الإشكالات وفق الأطر القانونية والسياسية المعمول بها ضمن الإطار التنسيقي".
تطور خطير ينذر بأحداث أخطر
بدوره، أعرب عمار الحكيم، رئيس "تحالف قوى الدولة الوطنية" عن إدانته واستنكاره لاستهداف منزل رئيس الوزراء. وقال في تغريدة إن "استهداف منزل رئيس الوزراء عمل مدان ومستنكر، لأن من شأنه تأزيم المواقف وتعريض هيبة الدولة للخطر والعصف بسمعة العراق أمام الرأي العام العالمي".
واعتبر الحكيم أن "استهداف رئيس أعلى سلطة تنفيذية في البلاد يمثل تطوراً خطيراً ينذر بأحداث أخطر إذا لم يتدارك العقلاء وأصحاب القرار تداعياته، ويخاطر بالمنجزات التي تحققت على مستوى الأمن والسياسة والاقتصاد".
ترك الأمور للقضاء
من جهة أخرى، دعا رئيس "تحالف الفتح" هادي العامري، "الجميع إلى التهدئة الإعلامية وترك الأمور للقضاء واللجان الفنية المشكلة لحسم الحوادث التي حصلت أخيراً، بدءاً من الاعتداء على المتظاهرين السلميين وصولاً إلى استهداف منزل رئيس مجلس الوزراء".
وأكد العامري، "نحن جميعاً نثق بالقضاء وبعدالته وشجاعته، لذا نأمل من الجميع الالتزام بالتهدئة لأن الأوضاع في العراق لا تتحمّل مزيداً من التصعيد. المحافظة على الأمن والاستقرار مسؤولية الجميع".
خريطة طريق لحل الأزمات
في سياق متصل، قال الباحث السياسي نبيل جبار العلي إن "الأطراف السياسية المتخاصمة مع الرئاسات الثلاث أوجدت خريطة طريق لحل الأزمات. وما زالت القوى السياسية في الإطار التنسيقي مشككة بعملية استهداف منزل رئيس الوزراء كما يتضح من النقطة الثانية على الرغم من إدانة الفعل واستنكاره".
وتابع "الأمور تسير باتجاه حل شامل في ما يخص القضايا الثلاث المطروحة في الاجتماع (الاحتكاكات الأخيرة في التظاهرات واستهداف منزل رئيس الوزراء والقضية الأساسية إيجاد طريقة عادلة وموضوعية للنظر في شكاوى الانتخابات)، إضافة إلى ضبط إيقاع الممارسات السياسية والحفاظ على التهدئة".