أعلن سمير سعيد وزير الاقتصاد والتخطيط التونسي أن البلاد بقيادة رئيسة الحكومة نجلاء بودن بصدد إعداد خطة لإنعاش الاقتصاد للفترة 2023ـ2025، وهي خطة قال إنها تندرج في إطار "رؤية تونس للفترة 2020ـ2035"، ولئن تحفظ سعيد عن الدخول في تفاصيل الخطة إلا أنه أفصح أنه سيعلن عنها قريباً وأنها نتيجة عمل تشاركي مع الفاعلين الاقتصاديين كافة، وأكد درس كل البرامج على المديين القصير والمتوسط، للقيام بالإصلاحات الضرورية بهدف تحسين الوضع الاقتصادي.
أزمة اقتصادية حادة
وعرفت تونس في السنوات الأخيرة أزمة اقتصادية حادة تحولت إلى أزمة مالية خانقة في عام 2020، واستفحلت أكثر في 2021، لتغرق البلاد في أزمة ديون ما جعلها عاجزة عن الاقتراض من المؤسسات المالية العالمية وصعوبة إنهاء السنة المالية الراهنة، وانعكست هذه الأزمة على الحياة اليومية للتونسيين الذين ذاقوا الأمرين جراء ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية في ظل عجز الحكومات عن التصدي للارتفاع الجنوني للأسعار التي أثرت بشكل لافت في مستوى ارتفاع نسبة التضخم لتصل إلى 6.3 في المئة في أكتوبر (تشرين الأول).
أهمية العودة إلى الاصلاحات
وتابع سعيد، "يجب العودة إلى الإصلاحات الهيكلية، باعتبار أن التوازنات المالية على المدى الطويل لا يمكن أن تتواصل الطريقة نفسها"، وشدد على أن "تحسين النمو الاقتصادي هو الحل للخروج من الأزمة الحالية التي تمر بها البلاد"، وعلى "ضرورة ترسيخ ثقافة العمل، وإعطاء دور أكبر للقطاع الخاص، لأهميته في خلق الثروة وإعطاء نظرة جديدة للدعم الاجتماعي للفئات الفقيرة والطبقة المتوسطة التي تأثرت في الفترة الأخيرة نتيجة الركود الاقتصادي".
أضاف أن "مراجعة منظومة الدعم، وإعادة هيكلة المؤسسات الحكومية والقطاع العام، ومواصلة تحسين وترشيد السياسات الضريبية، تعتبر من بين الإصلاحات التي من شأنها أن تعيد التوازن المالي للدولة على المدى البعيد وتحسن النمو الاقتصادي، الذي يجب أن يتراوح بين خمسة وستة في المئة في السنوات المقبلة"، وأكد أنه "لا مجال للخطأ، باعتبار أن الاقتصاد التونسي لا يتحمل"، في إشارة إلى ضرورة وضع إصلاحات ناجعة وتفعيلها على الميدان، قائلاً، "إن تونس قادرة، بفضل كفاءاتها، على تخطي الوضع الاقتصادي الصعب وتحقيق معجزة اقتصادية".
ولكن، وفق آخر تحديث لنسبة النمو التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء (حكومي)، الاثنين 15 نوفمبر (تشرين الثاني)، فقد نما الاقتصاد التونسي خلال الربع الثالث من هذه السنة بـ 0.3 في المئة، وسجل ارتفاع متجدد في نسبة البطالة إلى مستوى 18.4 في المئة خلال الفترة ذاتها، ويعكس هذان الرقمان مدى الصعوبات التي تتخبط فيها البلاد وعجز الحكومات المتعاقبة على إيقاف النزيف وإعطاء إشارات إيجابية خاصة للشباب العاطلين من العمل.
تعدد الخطط
ولم تكن خطة الإنعاش الاقتصادي المعلن عنها من طرف حكومة نجلاء بودن الأولى بل سبقتها خطط إنعاش أخرى في الحكومات السابقة، أو حتى مجرد إعلان نوايا عن خطط وبرامج عمل هدفها تقديم إصلاحات اقتصادية ومالية واجتماعية لكنها سرعان ما اصطدمت بواقع سياسي واجتماعي مغاير لتظل هذه الخطط حبراً على ورق، ومع تعيين كل حكومة جديدة، بخاصة خلال العشرية الأخيرة، تسارع في الإعلان عن نيتها إنجاز إصلاحات اقتصادية قوية، ولكن بسبب تردي الأوضاع السياسية والصراعات الحزبية، تسقط هذه الخطط ليقتصر عمل الحكومات على تسيير يومي للأمور الحيوية للبلاد من دون بوصلة إصلاح اقتصادي حقيقية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفشلت تونس في السنوات الأخيرة في تنفيذ حزمة الإصلاحات الهيكلية والاجتماعية المتفق بشأنها مع صندوق النقد الدولي في 2013 و2016 ما جعل الصندوق يوقف مواصلة منح بقيمة القروض المتفق بخصوصها، لتتوقف المفاوضات نهائياً بعد 25 يوليو (تموز) 2021.
الإنعاش ضروري لتجاوز الازمة
ورأى عز الدين سعيدان المحلل الاقتصادي والمختص في الشؤون المالية أن تونس فعلاً بحاجة إلى خطة إنعاش اقتصادي، لكن يجب أن ترافقها خطة إنقاذ مالية نظراً للوضعية المالية الصعبة التي تمر بها البلاد، ولفت إلى أن خطة الإنعاش الاقتصادي التي تم الإفصاح عنها يجب أن تفرز نمواً حقيقياً وخلق الثروة وتوفير مواطن الشغل، وإلا فإنها ستظل مجرد إعلان نوايا فقط.
وعن تصوره لهذه الخطة، اشترط سعيدان أن يكون الاستثمار أحد أبرز محاورها، موضحاً أن الدولة التونسية يجب أن تعود إلى دفع الاستثمار الحكومي باعتباره محركاً أساسياً لتحريك عجلة النمو، وأوضح أن خطة الإنعاش الاقتصادي يجب أن تبنى على عودة تونس للاستثمار في البنى التحتية من طرقات وجسور، وبخاصة أيضاً في البنى التحتية الرقمية، برفع تدفق الإنترنت المتواضع حالياً، ومن الضروري، بحسب رأيه، أن يكون الاستثمار العمومي قاطرة للاستثمار المحلي، ومن ثم في مرحلة لاحقة جذب الاستثمارات الخارجية التي لم تبلغ المستويات المطلوبة في السنوات الأخيرة نتيجة الأوضاع السياسية التي تمر بها البلاد.
واستغرب التراجع اللافت للاستثمار العمومي من 25 في المئة قبل عام 2011 في موازنة تلك الفترة بحوالي سبعة مليارات دولار ليتراجع الاستثمار الحكومي إلى الثلث في موازنة بحدود 18 مليار دولار عام 2021، واشترط سعيدان لإنجاح خطة الإنعاش الاقتصادي ضرورة توافر الاستقرار السياسي ووضوح الرؤية.
مجرد إعلان نوايا
في المقابل، قال عبد الرحمن اللاحقة أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية إن إعلان الحكومة الحالية عن خطة إنعاش اقتصادي يظل مجرد إعلان نوايا على غرار ما قامت به الحكومات الأخرى المتعاقبة، واستغرب كيفية الإعلان عن مخطط إنعاش لفترة 2023-2025 وغياب تام لبرنامج العمل في 2022، واعتبر أن الهدف الأول لحكومة نجلاء بودن هو إعادة الثقة ووقف نزيف المالية العمومية المتهالك وليس إعلان برنامج اقتصادي ثقيل ومتوسط المدى، وتطرق أستاذ الاقتصاد إلى غياب الحوار الاجتماعي الثلاثي بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة (منظمة الأعراف) ليخرج وزير ويعلن عن خطة إنعاش اقتصادي من دون مشاركة هذه المنظمات ذات الثقل الاقتصادي والاجتماعي، وأضاف، "نحن في وضع استثنائي يستدعي إجراءات عاجلة لإصلاح الأوضاع المالية المتردية، وبخاصة إعداد موازنة العام المقبل التي يكتنفها الغموض من طرف الفاعلين الاقتصاديين في تونس"، وشدد عبد الرحمن اللاحقة على أهمية الاهتمام برفع نسبة النمو، مؤكداً في الوقت نفسه على أهمية إنتاج الثروة وتطوير القطاعات الحيوية والاستراتيجية قبل الحديث عن خطة انعاش اقتصادي.