ما زال الجمود يسيطر على السودان، منذ إعلان القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) حالة الطوارئ وتعطيل الوثيقة الدستورية، إذ يتمسك طرفا الأزمة بموقفيهما، على الرغم من الوساطات الدولية والإقليمية والمحلية. فالمدنيون يطالبون بالعودة إلى ما قبل 24 أكتوبر، فيما يتمسك العسكريون بما اتخذوه من إجراءات أطلقوا عليها اسم تصحيح المسار.
ففي ظل هذا الانسداد في أفق الحلول والمعالجات، ما رؤية المتخصصين في الشأن السياسي لإيحاد طريق ثالثة يمكن أن تؤدي إلى مخرج يبعد السودان عن السيناريوهات الشريرة؟
انقلاب مضاد
يعتقد أستاذ الاقتصاد السياسي الحاج حمد أن "حلول الأزمة السودانية ليست سهلة، بالنظر إلى تعقيدات المشهد الماثل الآن، فهناك جناح العسكريين الذي ما زال يمارس سلطاته لسد الفراغ في أجهزة الحكم، ولا يستطيع التراجع عن قراراته التي أصدرها قائد الجيش البرهان في 25 أكتوبر، لأن لديه ارتباطات مع حلفائه الذين اتفق معهم على تلك القرارات. بالتالي سيظل هذا الوضع على ما هو عليه لفترة من الزمن، لكنها لن تكون طويلة. وفي المقابل، هناك جناح المدنيين المكون من الشارع السوداني والقوى السياسية، لكن المشكلة الأساسية في هذا الجانب هي أن هناك من يفضل الوساطة أياً كانت دولية أو إقليمية أو محلية لحل هذه الأزمة، وهناك آخرون يؤمنون بتحرك الشارع لحسم هذه الأزمة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف حمد، "أعتقد أن المشكلة التي فاقمت الأزمة هي تخندق العسكريين وفرضهم سياسة الأمر الواقع، لتكون تنازلاتهم أقل من المعقول، لكن المؤكد هو أنه يصعب استمرار حالة الطوارئ لفترة طويلة. فالعسكريون هم المتضرر الأول من هذه الإجراءات، فضلاً عن تأثير عملية الطوارئ في الحالة الاقتصادية التي تجبر كثيرين من الناس على التوقف عن الأعمال، خصوصاً أن الفئة الغالبة من الشعب السوداني تعمل في مجالات هامشية ترتبط بشكل وثيق باستقرار الشارع، وهذه المسألة لم يضعها العسكر في الحسبان، فضلاً عما سيحدثه توقف المساعدات الخارجية، خصوصاً برامج ثمرات الذي يدعم الأسر السودانية، مما أدخل البلاد في أزمة شائكة، فهو قرار غير محسوب العواقب".
ويتوقع حمد "في حال استمرار حراك الشارع، انقلاب مجموعة من العسكريين ضد البرهان، لأن ضغط الشارع يجعل العسكريين في حالة انزعاج بسبب الاستعداد المستمر، وهو أمر يربك مسار الحياة اليومية، فضلاً عن ارتفاع ميزانية الصرف على الاستعدادات الأمنية والعسكرية، لكن المشكلة هي أن هذه العملية بطيئة وتستغرق وقتاً، إذ تحتاج إلى عزيمة ونفس طويل من قبل الشارع".
واقع جديد
في المقابل، يلاحظ أستاذ العلاقات الدولية، الرشيد محمد إبراهيم، أنه "من ناحية عملية، أخذت الأزمة السودانية واقعاً جديداً، فالخريطة السياسية التي أعلنها البرهان بموجب قرارات 25 أكتوبر، تشكلت بشكل واضح، وتسير بثبات وواقعية يصعب التراجع عنهما، فهو واقع يحتاج إلى واقعية سياسية من قبل الأحزاب والقوى المدنية الأخرى، إذ لا مناص لها من التعامل مع ما يجري من تغيير، لأن المشهد الماثل الآن يؤكد أن التحول الديمقراطي الذي ينشده الشارع لا مساس به، وهو الأساس الذي من أجله تم تصحيح المسار كي تسير الفترة الانتقالية بنهج سليم، وصولاً إلى الانتخابات الحرة والنزيهة".
ويمضي إبراهيم قائلاً، "من خلال هذا الواقع يصعب الحديث عن تراجعات واختراقات لما أعلنه البرهان من إجراءات، لأن الأحداث تجاوزت كل ذلك بتشكيل مجلس السيادة وتوقع الإعلان عن مجلس الوزراء، فالبرهان ليس في يده أن يقرر شيئاً وحده، هناك شركاء وحلفاء في يدهم القرار، وأعتقد أن لا خيار في المدى القريب غير تمكين إجراءات 25 أكتوبر، ولن تؤثر ضغوط الشارع، وما تلاها من ضغوط دولية لتغيير هذا الواقع الذي أصبح مسألة حتمية".
ويشير إلى أن "لا طريق ثالثة لحل الأزمة السودانية وفق المعطيات الجارية الآن، بل بالعكس، فالوفود الأجنبية تنصب محادثاتها في الخرطوم على تأمين مصالحها واستكمال الفترة الانتقالية ومدنية السلطة وفق رؤية أقرب إلى إجراءات البرهان الأخيرة".
ويذكر إبراهيم أن "الشارع السوداني حينما قام بثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 ضد نظام الرئيس السابق عمر البشير، لم يستطع إطاحته لولا انحياز المؤسسة العسكرية إلى جانبه، لذلك نجحت الثورة، وحالياً فإن هدف القرارات العسكرية هو تصحيح مسار الثورة، وليس الانقلاب عليها كما يحلو للبعض تسميتها من أجل التشويه"، متهماً "قوى الحرية والتغيير" بـ"التسلط والإقصاء". ويرى أن "الاحتجاجات التي بدأت مع قرارات البرهان في 25 أكتوبر بدأت التراجع، ولن يكون لها تأثير يذكر في الأيام المقبلة".