تتوالى الاحتجاجات الشعبية في شوارع عدد من المدن المغربية، للأسبوع الرابع على التوالي، اعتراضاً على قرار الحكومة فرض "جواز التلقيح"، الذي يمنع غير الملقحين من دخول الإدارات العمومية وبعض الفضاءات الخاصة.
توضيح رسمي
وكانت الحكومة المغربية قد أعلنت في بلاغ اشتراط "جواز التلقيح" ابتداءً من 25 أكتوبر (تشرين الأول) للتنقل بين المدن، والسفر إلى الخارج، وكذلك لدخول الإدارات العمومية، والمقاهي والمطاعم، حفاظاً على الوضع الصحي المستقر الذي عرفته البلاد، وتفادياً لانتكاسة محتملة بخصوص فيروس كورونا.
وأكد وزير الصحة المغربي، خالد آيت الطالب، أن اعتماد وثيقة "جواز التلقيح" كمستند رسمي وحصري للتنقل ودخول الأماكن والفضاءات العامة والخاصة، كان "قراراً رصيناً ومتوازناً بدل المجازفة غير محسومة المخاطر، التي قد تؤدي بنا إلى التقهقر خطوات إلى الوراء من خلال العودة إلى تشديد القيود من جديد، والإغلاق، وارتهان المنظومة الصحية للمجهول الماثل أمامنا، والذي تشكله الموجة الوبائية المقبلة التي تشير كل الدلائل والمؤشرات إلى أنها ستكون أسرع وأخطر من سابقاتها"، موضحاً أن اعتماد هذا الجواز يهدف أيضاً إلى الحماية من البؤر الوبائية التي قد تطفو على السطح من جديد، والاستعداد لفصل الشتاء الذي يعرف انتشاراً أكبر للموجات الفيروسية الجديدة.
مس بالقدرة الشرائية
وما زاد من مدى الاحتقان الشعبي بالمغرب، اعتماد الحكومة الحالية ضرائب جمركية على استيراد بعض المواد الأساسية، ما أسهم في الزيادة بأسعارها، والزيادة في أسعار مواد أخرى أيضاً، كما فرضت ضرائب على اقتناء بعض الآلات الكهربائية والإلكترونية، بالإضافة إلى إعلان وزير التربية الوطنية عن تحديد سن 30 عاماً كحد أقصى للترشح لمباريات التوظيف في قطاع التعليم، عوض 45 عاماً، المعمول بها في مجال الوظيفة العمومية، الأمر الذي حداً بعديد من المغاربة للخروج للتظاهر ضد فرض جواز التلقيح، بالإضافة إلى رفض الزيادات في الأسعار وضد قرار وزير التعليم.
رفض واسع
ومنذ إعلان فرض "جواز التلقيح"، شهد عدد من المدن المغربية تظاهرات رافضة لهذا القرار، مطالبة السلطات باحترام الوثيقة الدستورية التي تضمن الحق في التنقل، والتظاهر السلمي، إلا أن بعض تلك الوقفات الاحتجاجية عرف المنع والتضييق من قبل قوى الأمن، بالإضافة إلى متابعة بعض المشاركين فيها قضائياً، وكانت السلطات قد أعلنت منذ بداية حملة التلقيح ضد "كوفيد-19" أن تلقي اللقاح يظل أمراً اختيارياً.
وأشار إدريس السدراوي، الرئيس الوطني للرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، إلى أن الحراك الشعبي السلمي الذي يعرفه المغرب يهدف إلى إسقاط هذا القرار التعسفي، الذي عطل جزءاً من الدستور والتزامات الدولة المغربية دولياً، وعلى مستوى الأمم المتحدة في مجال احترام الحقوق والحريات وعدم التمييز، معتبراً أن توجه الحكومة خلق موجة من الفوضى والاستياء نتيجة محاولة فرض اللقاح، وجعل المواطنات والمواطنين أمام إجبارية مقنعة للقاح بمن فيهم الأطفال والمراهقون والشباب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح السدراوي أن اللقاح ما زال تجريبياً، ولا يؤمن ما يمكن أن يحدث مستقبلاً لمتلقيه، مؤكداً مساندة جمعيته وتضامنها مع المواطنات والمواطنين في حقهم المشروع في الاحتجاج السلمي من أجل التعبير عن رفضهم إجبارية الجواز، ومديناً توجه السلطات للمنع والقمع في مواجهة هذه الحركة الاحتجاجية السلمية التي تتسم بالانضباط والالتزام.
توصيات
وكان المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو مؤسسة حكومية استشارية، قد أوصى الحكومة بـ"ضمان ولوج المواطنات والمواطنين للأماكن العامة، وبخاصة المصالح العمومية التي لا يمكن تقييدها من دون قرار، ومن دون اتخاذ الإجراءات الانتقالية الضرورية، بما لا يمس حقوق الأفراد والجماعات في التمتع بالخدمات العمومية"، وكذلك باستبدال "جواز التلقيح" بـ"الجواز الصحي"، الذي يعتمد شهادة الكشف السلبي للفيروس.
ليس أولوية
واعتبر سياسيون أن موضوع فرض جواز التلقيح لا يشكل أولوية بخلاف التوجهات التي تؤثر على القدرة الشرائية للمواطن. وقال إدريس لشكر، الكاتب الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي، "فرض جواز التلقيح من عدمه، لا يمثل أولويات حقيقية في المشهد السياسي المغربي، مثل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات والتحديات الخارجية التي تواجهها البلاد"، مشيراً إلى أنه يعارض مبدأ إجبارية التلقيح، وبالمقابل، الموضوع لا بد من أن يأخذ حجمه الطبيعي داخل النقاش والترف الفكري السائد، موضحاً أن حجمه الحقيقي يجب أن يأخذ بالاعتبار أن حرية بضعة آلاف الأشخاص في الاحتجاج ورفضهم تقديم جواز التلقيح، يجب ألا يتعارض مع حرية ومصلحة 25 مليون مغربي معنيين بالتلقيح، أو مع ما تضعه الدولة من ضوابط، وحق الملقحين.
من جانبها، قالت الناشطة السياسية، أمينة ماء العينين، "أعتبر اختيار عدم التلقيح حقاً مكفولاً لأصحابه، بخاصة أن التلقيح كان اختيارياً، ولم يكن يوماً إجبارياً"، متسائلة: "كيف يمكن فهم اتخاذ قرار مفاجئ في حق الذين لا يتوفرون على الجواز؟". ولفتت إلى أن صيغة فرض الجواز من الناحية القانونية تظل موضوع نقاش حقيقي، معتبرة أنه إذا كان المجتمع يطلب من الدولة أن تكون ديمقراطية، فعليه أن يبادر إلى تدبير هذا النوع من النقاشات بطريقة ديمقراطية تكفل حق الرأي والتعبير للجميع من دون ترهيب أو تخوين، مضيفة، "إذا كنا نستشهد بفرض الدول الغربية جواز التلقيح، فعلينا أن نستشهد بها أيضاً في كيفية إدارة النقاش المتعلق به، مع أو ضد، فلكل توجه حججه التي وجدت طريقها للبرلمانات ووسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها".
تنامي الاحتقان
ويشير ناشطون حقوقيون إلى أن الحكومة المغربية تقوم عبر تكريس الفوارق الاجتماعية في الزيادة من حدة الاحتقان الاجتماعي. وقال أسامة الخليفي، أحد مؤسسي حركة "20 فبراير"، إن "الشارع هو الحل في ظل وجود أحزاب سياسية، ومنظمات نقابية ومؤسسات لا تحاكي تطلعات الشعب المغربي، خصوصاً بعد التراجعات التي نشهدها في ما يتعلق بالمكتسبات الاجتماعية، من قمع الحريات كحرية التظاهر، وفرض جواز التلقيح، وارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى القرار الصادر عن وزير التعليم الذي يسقف سن ولوج مباريات التعليم في 30 سنة"، مضيفاً أن ذلك يضرب عرض الحائط المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، والدستور المغربي، وبالخصوص الفصل 31، ومشيراً إلى أن ذلك كله "يدل إلى وجود احتقان اجتماعي، وإلى وجود بداية عسيرة لهذه الحكومة، لأن المواطن المغربي لا يمكنه أن يتحمل أكثر من طاقته، نعلم تداعيات أزمة كورونا ومخلفاتها على المواطن، ومع ذلك، فالحكومة تزيد من تكريس الفوارق الاجتماعية وبقراراتها تزيد من الاحتقان الاجتماعي".
تخفيف الاحتقان
وتروج أخبار تتحدث عن تغيير الحكومة المغربية جواز التلقيح بالجواز الصحي، بالإضافة إلى تخفيفها الإجراءات الاحترازية لمواجهة الجائحة، فهل تنوي السلطات تخفيف الاحتقان الاجتماعي الذي تسببت فيه سياساتها الاقتصادية؟
يشير مراقبون إلى أن مدى الاحتقان الاجتماعي مرتبط بوجود مسبباته، بالتالي طالما واصلت الحكومة توجهها المعاكس لمصالح المواطنين، فإن هذا الاحتقان سيظل موجوداً. وأوضح رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، عبدالإله الخضري، أن "الاحتجاجات بالمغرب تعرف تأرجحاً مستمراً بين الخفوت والتصعيد، فمسببات تصعيدها ما زالت قائمة وتتفاقم من حين لآخر، في وقت يشكل قمعها، أي المقاربة الأمنية، حلاً مؤقتاً ليس إلا، ولا يمكن ربطها بسبب واحد أو بمشكلة من المشاكل"، مضيفاً، "نحن أمام مطالب ومتطلبات مجتمع، ومسار الأجيال الحالية يتأثر بالأخطاء السياسية التي ترتكبها الأجيال السابقة، بالتالي أمام هذه الأجيال تراكمات تحبط تطلعاتها وتدمر مستقبلها، ومن المنطقي أن تزداد الاحتجاجات زخماً".