لم يمتلك السير كير ستارمر سوى هدف وحيد خلال جلسة مساءلة رئيس الوزراء أخيراً، يتمثل أن ينفي الاعتقاد السائد بين الناس بأن "جميع السياسيين متشابهون". لقد شكل ذلك النقطة الأهم سياسياً بخصوص الضجة المثارة حول تصرفات النواب والمعايير التي تضبط عملهم. وفي المرة الماضية، توزع اللوم بالتساوي تقريباً على نواب الحزبين، حينما أثيرت فضيحة مصاريف النواب المبالغ فيها التي يتقدمون للحصول على تعويضات حكومية عنها، وقد حدث ذلك في زمن حكومة يقودها حزب العمال. في المقابل، بدأت الأزمة هذه المرة جراء سوء تقدير من رئيس الوزراء (بوريس جونسون) بشأن خرق للقانون ارتكبه النائب أوين باترسون، النائب من حزب المحافظين.
وكذلك تتطابق تصرفات ستارمر مع ما فعله توني بلير (رئيس الوزراء العمالي الأسبق) حينما نبه إلى النهج الفوضوي لحزب جون ميجور (المحافظين) على صعيد القضايا الأوروبية المطروحة آنذاك، أي قبل عامين من الانتخابات العامة التي جرت في 1997. وفي ذلك الوقت، أشار بلير إلى أن "هنالك فارقاً بيننا، فأنا أقود حزبي، فيما هو يتبعه".
في هذه المرة (خلال جلسة الاستجواب) أوضح ستارمر أنه "هنا يكمن الفارق، حينما يتصرف أي من أعضاء حزبي بشكل سيئ، أعمل على طردهم". وفي تلك النقطة، كان ستارمر يشير إلى النائبة كلوديا ويب النائبة العمالية السابقة التي اعتبرت مذنبة في قضية التهديد بصب مادة الأسيد على صديق شريك حياتها.
في المقابل، حاول بعض نواب حزب المحافظين بشكل غير موفق ترويج أن قضية النائبة ويب مماثلة لانتهاكات أخرى، وأنه من حين لآخر هناك نواب يتصرفون بشكل سيئ من الطرفين. ولكن، الفارق كبير للغاية. فقد طرد ستارمر النائبة ويب مباشرة بعد صدور حكم المحكمة بإدانتها، فيما جرَّ جونسون نوابه للتصويت في البرلمان على مشروع يمنع معاقبة النائب باترسون، الذي مثل مصالح جماعات الضغط مقابل تكسبه مادياً بشكل غير مشروع، قبل أن يستنتج جونسون أنه لن يتمكن من الإفلات من تداعيات مثل هذا التصرف، وبالتالي تراجع عن خطوته.
وهنا طرح ستارمر سؤال "هل سيقدم (جونسون) على ما هو متوقع منه كشخص لائق، والاعتذار (أمام البرلمان) لمحاولته تبرير الفساد ومنحه الضوء الأخضر له؟". ولفترة وجيزة، حاول جونسون أن يتخذ مظهر النادم على ما ارتكبه. "بالطبع كان من الخطأ بمكان دمج قضية نائب واحد، بغض النظر عن مدى الحزن جراء ذلك، مع المواقف المبدئية بشأن ضرورة اتباع نهج تسانده الأحزاب كلها، في النظر والموافقة على عملية استئناف الحكم (ضد باترسون)."
في المقابل، لاحظ ستارمر أن "ما جاء في كلامكم لا يشكل اعتذاراً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ما تلا ذلك من جدال خصص لمناقشة محاولات جونسون تشتيت الانتباه من خلال طرحه الأسئلة على كير ستارمر عن عمله مستشاراً قانونياً الذي نهض به (إلى جانب وظيفته النيابية) لمصلحة شركات منها "ميشكون دي ريا" Mishcon de Reya قبل أن يصبح رئيساً لحزب العمال. أثار ذلك حفيظة رئيس البرلمان السير ليندزي هويل، الذي قاطع جونسون مرتين مذكراً إياه أن الجلسة مخصصة لطرح الأسئلة على رئيس الوزراء، لا زعيم المعارضة البرلمانية. وفي المرة الثانية، قال السير ليندزي، "رئيس الوزراء، اجلس مكانك. ربما أنتم تشغلون منصب رئيس حكومة هذا البلد، لكن في هذا المجلس، أنا الرئيس". لم يواجه أحد جونسون بهذا الشكل من قبل إلا في برنامج "اليوم" في راديو "بي بي سي" حين قال له الإذاعي نيك روبنسون "توقف عن الكلام".
عند تلك النقطة، يمكن ملاحظة أن جونسون فهم أنه يواجه مشكلة، لأنه استمر في الاصطدام برئيس البرلمان، مستخدماً إجابته التالية ليقول عن ستارمر "إن سوء تصرفه (ستارمر) واضح للغاية (مع ملاحظة أن جونسون لعب على الكلمات واستخدم كلمة "ميشكونداكت" Michconduct للجمع بين كلمتي "سوء تصرف" misconduct وشركة "ميشكون" Mishcon)". واعتبر السير لندزي أن استخدام جونسون كلمة "سوء تصرف" يخرق قواعد البرلمان، وطلب من جونسون سحبها، لكنه منح رئيس الوزراء فرصة كي يقول، كأنه تلميذ في نهاية المرحلة الثانوية، إنه لم يستخدم تلك الكلمة، وكرر استعمال كلمة "ميشكونداكت" كمزحة.
وفي وقت سابق، وقع ستارمر نفسه ضحية خرق القواعد المسموح بها حيال ما يمكن للنواب أن يتوجهوا به إلى بعضهم البعض، وربما عن غير قصد، إذ وصف رئيس الحكومة "بأنه جبان وليس زعيماً" بسبب رفضه الاعتذار، وقد أجبر في حينه على الاعتذار في نهاية الجلسة بسبب استخدامه عبارات غير برلمانية.
لكن، وفي الحالتين، شكل خرق القواعد المعمول بها جزءاً من العرض المسرحي، فيما أكد ستارمر نقطته بأن المحافظين متورطون أكثر من غيرهم في مسألة شغل وظيفة ثانية (إلى جانب عملهم التشريعي)، مع حدوث تضارب في المصالح، وبالتالي عدم استعدادهم لالتزام القواعد والأخلاق. وأشار ستارمر أيضاً إلى أن جونسون نفسه جزء من المشكلة، "لقد كان جونسون عرضة للتحقيق في كل المؤسسات التي انتخب للعمل فيها".
في هذه الأثناء، استخدم جونسون مصادماته مع رئيس البرلمان لزيادة الدراما في دفاعه عن تصرفاته. ولكن ذلك لم يكن مقنعاً. فقد استقال ستارمر من عمله القانوني البسيط بمجرد تبوئه زعامة حزب العمال، لكن رئيس الوزراء كان محشوراً في الزاوية، وتوجب عليه المقاومة بكل الأسلحة المتاحة له.
حتى إنه لجأ إلى حيلة يونانية قديمة مثيرة للجدل أيضاً هي التحدث عن شيء عبر ادعاء أنه لن يذكره، وكذلك كطريقة في تأكيده، في إجابته عن سؤال للنائب إيان بلاكفورد، العضو في "الحزب القومي الاسكتلندي". إذ طرح بلاكفورد سؤالاً عن الصدفة الغريبة في أن أحد المتبرعين لحزب المحافظين، وقد شغل أيضاً منصب أمين صندوق الحزب، قد انتهى به الأمر عضواً في مجلس اللوردات. ورد جونسون "لن أعلق على مبلغ الـ600 ألف جنيه استرليني المفقودة من حسابات الحزب القومي الاسكتلندي". في تلك اللحظة، يبدو أن السير ليندزي كان قد ملَّ من تذكير جونسون عمن هي الجهة المخولة في تلك الجلسة طرح الأسئلة ومن الجهة التي عليها الإجابة.
وكخلاصة، لقد أنجز عمل المعارضة (حزب العمال)، إذ لن تكون المعايير الناظمة عمل النواب حاسمة في الانتخابات المقبلة، وستؤدي الضجة المثارة حول وظائف النواب الجانبية دوراً في تثبيت التقييم السائد وغير الإيجابي حيال السياسيين بصورة عامة. في المقابل، فإن الأمر المهم هو أن غالبية الوحل أصاب صيت حزب المحافظين، وليس حزب العمال لأن سجل حزب المحافظين في هذا المجال أسوأ من الأول بكثير. وبالتالي، يستطيع ستارمر الشعور بالرضا لأن هذه النقطة سجلت في مرمى حزب المحافظين.
© The Independent