ثبّت كير ستارمر نفسه في وقتٍ مبكّر مرشّحاً بارزاً في السباق على قيادة حزب العمّال البريطاني، وجاء فوزه بالمنصب بمثابة تأكيد قراره تقديم نفسه مرشّح وحدةٍ مناسباً لجميع الأطراف في حزب ممزّق بشكل كبير.
لكن نهجه الأول في توخّي الأمان والمتمثّل في تفادي مواجهةٍ مع جناح أقصى اليسار في حزب العمّال قد يرتدّ عليه في منصبه الجديد، بحيث قد يجد صعوبة في إقناع الناشطين بأنه فاز بتفويضٍ لنقل الحزب من برنامج سلفه جيريمي كوربن.
وقد سعى المحامي والوزير السابق في حكومة الظلّ الذي تولّى حقيبة "بريكست" (الخروج البريطاني من الاتّحاد الأوروبي)، إلى الحفاظ على التوازن بين الأعضاء الوسطيّين في حزب العمّال وزملائهم اليساريّين، وبين مؤيّدي بقاء المملكة المتّحدة في الكتلة الأوروبية وأنصار الخروج، وبين ممثّلي المدن الكبرى ونوّاب الأرياف، لكنه واجه اتّهاماتٍ له بأنه غير واضح في الطريقة التي سيقود بها الحزب.
ويواجه ستارمر الآن التحدّي الصعب المتمثّل في استعادة الناخبين الذين هجروا حزبه واختاروا بوريس جونسون في انتخابات ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فيما يحيّد في الوقت نفسه حرّاس شعلة كوربن الذين يسيطرون الآن على اللجنة التنفيذية الوطنية التي تتحكّم في الحزب.
ومن المقرّر أن يعطي اختيار أعضاء حكومة الظل نهاية هذا الأسبوع، إشارةً قوية إلى مّا إذا كان سيتبنى نهج "الخيمة الواسعة" القاضي باستيعاب اليسار، أو السعي إلى المواجهة في محاولة لطبع دمغته الخاصّة على الحزب.
ومن شأن منح ستارمر وظائف لوجوهٍ وسطية مثل راشيل ريفز أو إيفيت كوبر أن يثير حفيظة الموالين لجيريمي كوربن، في حين أن الحفاظ على أمثال ريتشارد بورغون وجون تريكيت قد يزعج أولئك الذين يأملون في إجراء تغيير حاد في الاتّجاه السياسي للمؤسّسة الحزبية في ظلّ زعيمها الجديد.
وكان كير ستارمر ابن السابعة والخمسين قد دخل البرلمان فقط في العام 2015، نائباً عن المقعد الآمن لحزب العمّال في وسط لندن، في دائرة هولبورن وسانت بانكراس. لكنه كان ضالعاً في حملات العدالة الاجتماعية طوال حياته المهنية السابقة محامياً مرافعاً، ما جعله يتلقّى الهراوات نيابةً عن موكّليه بمَن فيهم مَن يُسمّون نشطاء McLibel Two الذين رُفعت دعوى ضدّهم من جانب "ماكدونالدز" في شأن كتيّب ألفوه عن سلسلة الوجبات السريعة.
تخصّص ستارمر في قانون حقوق الإنسان، وخاض معارك قانونية عدّة لإلغاء عقوبة الإعدام في منطقة البحر الكاريبي وفي أفريقيا، وعمل مستشاراً لحقوق الإنسان في مجلس شرطة إيرلندا الشمالية. عُيّن في العام 2002 مراقباً للجودة، وأصبح مدير النيابات العامّة في بريطانيا في العام 2008، وقاد "خدمة النيابة العامّة الملكية" حتى العام 2013.
في هذا المنصب أنجز ادعاء ناجحاً ضد متهمَين بقتل الفتى الأسود ستيفن لورنس عام 1993. حاز لقب فارس في العام 2014 لخدماته في مجال القانون والعدالة الجنائية. وفي البرلمان، دعم ستارمر آندي بورنام في انتخابات الزعامة العام 2015، وعُيّن وزيراً للداخلية في حكومة الظل بعد شهورٍ قليلة من دخوله إلى مجلس العموم البريطاني.
استقال كير ستارمر من المنصب في العام 2016، في إطار استقالةٍ جماعية قام بها نوّاب حزب العمّال احتجاجاً على قيادة كوربن، لكنه عاد إلى المقاعد الأمامية في وقتٍ لاحق من ذلك العام وزيراً لبريكست في حكومة الظل العمالية.
في دوره هذا، مارس ضغطاً لتغيير موقف الحزب تدريجيّاً نحو دعم استفتاءٍ ثانٍ في شأن مغادرة الاتّحاد الأوروبي، معلناً بشكل شهير في مؤتمر حزب العمّال للعام 2018 أن بقاء بريطانيا في الكتلة الأوروبية يجب أن يظلّ على بطاقة الاقتراع في أي تصويت يجريه الحزب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي الوقت الذي حاول فيه الزعيم السابق للحزب جيريمي كوربن الحفاظ على موقف "الوسيط النزيه" مع إبقاء خياري البقاء في الاتّحاد الأوروبي والمغادرة منه مفتوحين، ظهر ستارمر وهو يقف جنباً إلى جنب مع شخصياتٍ بارزة أخرى في تجمّع "الكلمة الفصل" Final Say الضخم في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في وستمنستر، للمطالبة بإجراء تصويت عام.
وأثار دعمه المفتوح بشكل متزايد لاستفتاءٍ ثانٍ غضب بعض نوّاب حزب العمّال الذين وجّهوا اللوم إليه على مساعدته في دفع مؤيّدي خروج المملكة المتّحدة من الاتّحاد الأوروبي داخل الحزب، في مناطق ميدلاندز والشمال، إلى أحضان المحافظين التابعين لبوريس جونسون في الانتخابات التالية.
وبعد فترةٍ وجيزة من إعلان كوربن أنه سيتنحّى عن زعامة الحزب، أعلن كير ستارمر تصميمه على الحفاظ على أجنحة الحزب متراصّة، من خلال التأكيد أنه من المهم بالنسبة إلى حزب العمّال ألا "يجنح بعيداً" عن برنامج الزعيم المنتهية ولايته.
وفي لائحة من 10 تعهّدات، وعد بالتزام سلسلةٍ من سياسات كوربن، بما فيها زيادة الضرائب على فئة الخمسة في المئة من أصحاب الدخل الأعلى، وإلغاء التخفيضات الضريبية عن الشركات، وإلغاء الـ "يونفرسل كريدت" (الائتمان الشامل: المساعدات الشهرية الممنوحة للعاطلين من العمل والمثيرة لجدل واسع)، وعقد "صفقة جديدة" في ما يتعلّق بالبيئة، وإلغاء رسوم الدراسة الجامعية، وتجديد شبكات السكك الحديد والبريد والمياه والطاقة.
وعلى الرغم من دعوات بعض الأوساط في حزب العمّال إلى توسيع جاذبية المؤسّسة عن طريق اختيار امرأة من خارج لندن زعيمةً جديدة له، حصل ستارمر بسرعة على تأييدٍ لترشيحه من النقابات المؤثّرة بما فيها نقابات "يونيسون" و"آسداو" و"تي اِس اِس إي". وحقّق تقدّماً ساحقاً في ترشيحات الدوائر الانتخابية له، بحصوله على ثلاثمئةٍ وأربعةٍ وسبعين تأييداً في مقابل مئةٍ وأربعةٍ وستين لمنافسته الرئيسية ريبيكا لونغ بايلي، حتى أنه حاز دعم دائرة كوربن "إيزلنغتون نورث".
كير ستارمر هو من مواليد لندن للعام 1962، والده صانع أدوات وأمّه ممرّضة، وقد تمّت تسميته باسم مؤسّس حزب العمّال والنائب الأول في البرلمان كير هاردي. اجتاز امتحان 11 - Plus (فحص يُجرى للتلامذة في سنّ الحادية عشرة أو أكثر، لتحديد نوع المدرسة الثانوية التي يجب أن يلتحقوا بها)، وفاز بمقعد له في إحدى مدارس الغرامر (مدارس خاصة) grammar school، ودرس القانون في جامعتي "ليدز" و"أكسفورد"، وأصبح محامياً في العام 1987.
تزوّج من فيكتوريا وله منها طفلان، وقد تعطّلت حملته المتعلّقة بقيادة الحزب بسبب حادثٍ خطير تعرّضت له حماته التي توفّيت في الثامن من فبراير (شباط) هذه السنة، بعد قضائها أسبوعين في المستشفى.
© The Independent