لم تكن الأسابيع القليلة الماضية أياماً مذهلة بالنسبة إلى السياسيين. إذ تلوثت معالمنا جميعاً بريشة الشخص الأكثر مخاتلة بيننا. ومع أنني أجزم، بشكل لا لبس فيه، أنني لست أوين باترسون، بأي شكل كان، فقد صرنا نحن جميعاً نعتبر مثل أوين باترسون، والفضل في ذلك يعود إلى قدرة حزب المحافظين على الهبوط بنا كلنا إلى الدرك الذي وصله إليه. نخبكم، أيها الأصدقاء!
لطالما استفادوا [حزب المحافظين] كثيراً من جعل الناس يكرهون السياسة. ولقد دأبوا عبر عدد لا بأس به من السنوات على تناول العشاء في أغلى النوادي الخاصة التي لا تستقبل سوى الرجال، على خلفية كراهية المؤسسة [السياسية]. ولكن معاداة السياسة شكلت إلى حد بعيد طعاماً حلواً بالنسبة إلى بوريس جونسون، أساساً لأنه أفلت على الدوام من عواقب الإخلال بالوعود والكذب في حياته السياسية والشخصية. وبصرف النظر عمن تألم بسببه، فقد خرج جونسون دائماً من المشكلة ظافراً بوجه بشوش.
وفي حين أنني لست سعيدة بأن يرد اسمي في الجملة نفسها مع أوين باترسون، فإنني مسرورة جداً؛ لأن هذا السياسي الذي يعتبر نكرة بكل معنى الكلمة، قد يكون في نهاية المطاف سبب سقوط بوريس جونسون. ولا يرجع ذلك حصراً إلى الطريقة المروعة التي تصرف بها رئيس وزرائنا في سياق استجابته لسلوك صديقه الفاسد، التي جاءت على نحو يحقق مصالحه [جونسون] الخاصة، بل أيضاً لأن ذلك جعل الكيل يطفح بالبلاد، أخيراً. لقد كانت كذبة لتعظيم الذات زادت عن الحد، وكشفت عن مدى قلة كفاءة رئيس وزراء يحنث بوعد تلو آخر.
وجاء سريعاً ذلك الانهيار التام لخطط المحافظين في رفع مستوى البنية التحتية لمواصلاتنا الوطنية [بحيث تصبح أجزاؤها في مستوى واحد]، في أعقاب شحنة من أكاذيب المحافظين العتيقة حول أرباحهم المريبة واجتماعاتهم مع الشركات الضخمة في الغرف التي تتخذ فيها القرارات بعيداً عن العيون. ولو تراجع بوريس جونسون قبل أسبوعين عن الوعود التي قطعها على نفسه لمنطقة "ميدلاندز" [ وسط إنجلترا] والشمال، لكان على الأرجح قد نفد بجلده من العقاب على فعلته، بعد بضعة أيام عاصفة. ولكن التصور السائد في البلاد قوامه أن الرجل الذي يمسك بزمام السلطة يحاول على الدوام أن يجرب شعوذاته علينا. والشك ينتاب البلاد.
وحينما حاول رئيس الوزراء تحقيق يوم صحافي، بأن يجلس على متن قطار ويخبرنا عن المدى الذي ينبغي بنا، نحن الذين نعيش في مناطق مجهولة من بلاد بعيدة عن جنوب بريطانيا، أن نكون ممتنين، كأنه عم أو خال معطاء أعاد إهداءنا من جديد لعبة قطارات [للأطفال] كاملة أكل الدهر عليها وشرب، فإن هذا الفعل الذي يتسم بخفة الدم لم يكن مقنعاً، بكل بساطة. إن توقع الإمتنان لقاء شيء عديم القيمة، أمر مختلف عما كنت قد وعدتنا به، يجعل البلاد تشعر بالفارق بيننا [حزب العمال] وبينهم [حزب المحافظين]. وهل يفترض بنا أن نركع بسبب الوعد بأنظمة التذاكر الإلكترونية الجديدة مثلما كان صبي الإسطبل يركع أمام سيده؟ ولقد ذكرنا بكل تأكيد جيفري كوكس وأوين باترسون [نائبان محافظان دار بينهما نقاش في البرلمان تخللته كلمات نابية] في الأسابيع القليلة الماضية، بمن هم السادة في بلادنا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي الأسبوع نفسه، حاول بوريس جونسون الكشف خلسة، كما لو أنه يفصح عرضاً، عن أنه حين قال إن أحداً لن يتوجب عليه أن يبيع بيته من أجل تسديد نفقات الرعاية الاجتماعية حينما يتقدم به العمر، فقد كان يقصد أن الأشخاص الذين يملكون أصولاً (منازل بشكل أساسي) يزيد سعرها على 186 ألف جنيه إسترليني (247.81 ألف دولار) لن يضطروا إلى بيع منازلهم. في المقابل، سيتضرر المتقاعدون ممن تقل قيمة بيوتهم عن هذا المبلغ (كالغالبية العظمى من المتقاعدين في دائرتي الانتخابية)، أكثر من أي وقت مضى. وبالتالي، فإن الأشخاص الأشد فقراً سيدعمون النظام لمصلحة الأشخاص الأكثر ثراء، وسيكونون مضطرين إلى حد بعيد إلى بيع بيوتهم أو التخلي عن فكرة ترك أي ميراث لأولادهم، وهؤلاء بالمناسبة من المرجح أن يكونوا الأشخاص الأكثر تضرراً من زيادة الضرائب التي وعد رئيس الوزراء أنه لن يرفعها، ثم رفعها.
هل تستطيع أن ترى ثمة نمطاً في هذا؟ نعم، يمكننا ذلك بالتأكيد هنا في الـ"ميدلاندز والشمال".
وإلى حد بعيد، جاء حزب العمال في الصدارة [ضمن استطلاعات الرأي] أثناء الأسابيع القليلة الماضية، فيما أخذ يشن هجوماً تلو الآخر على القائمة الطويلة من الأكاذيب وحالات الفساد الذي ينتزع المال من جيوب الناس ويدسه بشكل رائع في جيوب القلة المباركة. إن هذا هو الموقع الذي يجب علينا أن نبقى فيه. ينبغي بنا أن نهاجم هؤلاء الدجالين غير الأكفاء بلا هوادة، أي بالطريقة نفسها التي يهاجمون بها العائلات والناس الذين يحاولون مجرد الوصول إلى العمل اللعين، في مساحات شاسعة من البلاد.
يروج دوماً أن أحزاب المعارضة لا تربح الانتخابات الوطنية، بل إن الأحزاب الحاكمة تخسر هذه الانتخابات. وعلى الأرجح، فإن هذا صحيح تماماً، لكنني بصدق لا أستطيع أن أرى ما هو الحكم الفعلي الذي يجري على المستوى الوطني. بالكاد يصل حكمهم إلى ما وراء طريق "أم 25" [طريق سريع يطوق لندن الكبرى كلها تقريباً]، وذلك أمر مضحك لأن الناس في لندن ليسوا معجبين جداً بالمحافظين.
لن يخفض المحافظون فواتير الضرائب التي ندفعها، ولن يحموا أصولنا، وأما بالنسبة للتعامل مع الجريمة بقسوة، والتضييق بصرامة على الهجرة، فالحقيقة أن معدلات هاتين المشكلتين إلى ارتفاع، بينما تفلت الغالبية العظمى من المجرمين من العقاب ببساطة، ما يعني أن الأشخاص الوحيدين الذين يعاملهم المحافظون بشدة هم الضحايا.
لقد شكل أوين باترسون وعجزه عن إدراك أنه ارتكب أي خطأ، إلى جانب تواطؤ بوريس جونسون [معه]، بمثابة تذكير بأن هؤلاء الناس لا يشبهوننا في شيء على الإطلاق، بل إنهم معنيون بحماية أنفسهم أكثر من حمايتنا. وأنا أتساءل عن الحرب الثقافية التي سيجربون الإتكاء عليها في الأيام القليلة المقبلة، من أجل تحويل أنظارنا. من الواضح أن الوصول إلى الدرك الأسفل بات وشيكاً.
* جيس فيليبس وزيرة دولة لشؤون العنف المنزلي والحماية في حكومة الظل ونائبة حزب العمال عن دائرة "ياردلي"
© The Independent