تشير البيانات الرسمية إلى أن سوق العمل الأميركية تبدو أفضل حالاً، لكن في الوقت ذاته، فإنها ما زالت تكافح من أجل التخلص من الصدمات العنيفة التي خلفتها جائحة كورونا وكانت ذروتها خلال الربع الثاني من العام الماضي، إضافة إلى الأزمة التي تشهدها سلاسل التوريد والإمدادات في الوقت الحالي. وبعد مرور أكثر من 20 شهراً على انتشار الوباء، وصلت سوق العمل في الولايات المتحدة إلى مرحلة من الاستقرار، لكن هل انتهت الأزمة؟
تلفت البيانات الرسمية إلى انخفاض المطالبات الأسبوعية للحصول على إعانات البطالة إلى 199 ألف طلب خلال الأسبوع الماضي بعد التعديلات الموسمية، وهو أدنى مستوى لها منذ عام 1969. وبلغت ذروتها عند مستوى 6.15 مليون في أبريل (نيسان) من عام 2020.
لكن هل يعني ذلك أن ظروف العمل عادت إلى طبيعتها؟ يقول كبير الاقتصاديين في المجلس الوطني غوس فوشر في مذكرة للعملاء، "على الرغم من أن الانخفاض في المطالبات الخاصة بإعانات البطالة كان موضع ترحيب بالتأكيد، إلا أنه لا يشير إلى تحول دراماتيكي في سوق العمل... المطالبات متقلبة للغاية، بخاصة في أيام العطل."
ربما يكون سبب انخفاض المطالبات إلى حد كبير متعلقاً بالتشوهات المستمرة في سوق العمل. فخلال فترة الوباء، اعتمدت غالبية الشركات على العمل من المنزل، ومع ظهور التضخم وارتفاع الأسعار، بدأ العمال يطالبون بزيادات في الأجور، وهو ما لا تقبله الشركات حالياً، بخاصة أنها ما زالت تعاني من التداعيات العنيفة التي خلفتها جائحة كورونا على كل الأسواق.
10.4 مليون وظيفة شاغرة في سبتمبر
ولاحظ بيتر بوكفار، كبير مسؤولي الاستثمار في مجموعة بليكلي الاستشارية أن "المطالبات تتجه نحو الانخفاض بحيث يحتفظ أرباب العمل بإحكام شديد على موظفيهم بسبب نقص العمالة". ووفق شبكة "سي أن أن"، فإن الطلب على العمال مرتفع، لكن عدد الأشخاص الذين يسعون بنشاط إلى الحصول على عمل انخفض. في سبتمبر (أيلول) الماضي، ارتفع عدد الأشخاص الذين تركوا وظائفهم طوعاً إلى رقم قياسي بلغ 4.4 مليون.
وأظهرت بيانات حديثة لمكتب إحصاءات العمل الأميركي، أن البلاد كان لديها 10.4 مليون وظيفة شاغرة خلال شهر سبتمبر الماضي، مع استمرار أزمة نقص العمال. وسجل هذا العدد انخفاضاً متواضعاً من 10.6 مليون وظيفة متاحة في أغسطس (آب) الماضي، إذ زادت الوظائف بشكل خاص في مجال الرعاية الصحية وفي حكومة الولاية والحكومة المحلية.
ويرى جوزيف بروسولاس، كبير الاقتصاديين في "أر إس إم يو إس"، أنه "لدى حزب العمل الآن المبادرة، فقد انتهى عصر دفع أجور للأفراد أقل من أجر مناسب للعيش... ويشير هذا بقوة إلى أن ارتفاع الأجور سيكون جزءًا لا يتجزأ من المشهد الاقتصادي في المستقبل".
في الموازاة، يعتبر نيك بنكر، مدير الأبحاث الاقتصادية في "إنديد"، أن "تأثيرات متحورات كورونا لا تزال مرئية في تقرير الوظائف لشهر سبتمبر. إننا نعلم من تقرير الوظائف لشهر أكتوبر (تشرين الأول) أن سوق العمل أصبحت أكثر استقراراً". وكان تباطؤ الطلب على العاملين في صناعة الترفيه والضيافة هو سبب التراجع المتواضع في الوظائف المتاحة في سبتمبر. وأشار إلى أن "وتيرة استقالة الأشخاص في سوق العمل ملحوظة، لكن التركيز على قطاعات قليلة يلفت الأنظار، بينما كانت حالات الاستقالات أكثر في القطاعات التي يكون فيها معظم العمل شخصياً أو بأجر منخفض نسبياً".
البنوك المركزية تراقب عن كثب
في الوقت ذاته، فإن تقرير الوظائف الأميركية لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، المقرر أن يصدر هذا الأسبوع، ستتم مراقبته عن كثب، بخاصة أن محافظي البنوك المركزية يحاولون وزن خطواتهم التالية بشكل دقيق. ويتوقع الاقتصاديون الذين شملهم استطلاع حديث لشركة "رفينيتيف"، مزيداً من الأخبار الجيدة، إذ يرجّحون أن الاقتصاد أضاف نحو 563 ألف وظيفة، ارتفاعاً من 531 ألف وظيفة خلال شهر أكتوبر الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويُتوقع أن ينخفض معدل البطالة إلى 4.5 في المئة، بعدما سجل ارتفاعاً قياسياً عقب ذروة وباء كورونا خلال الربع الثاني من العام الماضي، علماً أنه كان عند مستوى 3.5 في المئة خلال شهر فبراير (شباط) من عام 2020. وقد يمنح ذلك مجلس الاحتياطي الفيدرالي مزيداً من الحرية للتراجع عن إجراءات التحفيز بحيث يحاول السيطرة على التضخم من دون تعريض عودة الوظائف للخطر.
قدّر المحللون الاستراتيجيون في "غلولدمان ساكس" في مذكرة بحثية حديثة أن "مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيختار تسريع معدل شراء الأصول التدريجي". ورجّحوا أن "يعلن البنك المركزي في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، أنه سيقلل شراء السندات بمقدار 30 مليار دولار شهرياً بدءًا من يناير (كانون الثاني) المقبل".
وسيسمح ذلك للبنك المركزي الأميركي بالنظر في رفع أسعار الفائدة، لكن "غولدمان ساكس" رجّح أن ينتظر بنك الاحتياطي الفيدرالي حتى يونيو (حزيران) المقبل عندما تتوافر تقارير التوظيف الإضافية، لكن في الوقت ذاته، فإن كل الأنظار تتجه نحو "أوبك" بعد هبوط أسعار النفط.
فقد تراجعت أسعار النفط بأكثر من 15 في المئة خلال شهر. وساعد الإصدار المنسّق لملايين البراميل من الاحتياطيات من قبل الولايات المتحدة والصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة في تحريك الكرة.
توظيف 6.5 مليون شخص في سبتمبر
ووفق تقرير مكتب إحصاءات العمل الأميركي لشهر سبتمبر الماضي، شهد قطاع الفنون والترفيه والاستجمام أكبر زيادة في حالات ترك العمل، تليه الخدمات الأخرى والتعليم الحكومي والحكومي المحلي. ووظّف أرباب العمل نحو 6.5 مليون شخص، في حين بلغت حالات انتهاء الخدمة - التي تشمل الإقلاع الطوعي - نحو 6.2 مليون شخص. ويبرز العدد الهائل من الوظائف المتاحة، مشكلة نقص العمال في أميركا.
وكشف التقرير أنه خلال فترة وباء كورونا، تسرّب ملايين العمال من القوى العاملة. بالنسبة إلى البعض، فإن مسؤوليات الرعاية في المنزل تمنعهم من العودة إلى العمل، بينما بالنسبة إلى آخرين، لا يزال خطر الإصابة بالفيروس مرتفعاً للغاية. وأثّرت هذه العوامل بشكل خاص في النساء، واعتباراً من شهر أكتوبر الماضي، كان عدد النساء غير المنخرطات في القوى العاملة أعلى بنحو 3 ملايين سيدة مما كان عليه قبل ظهور "كوفيد-19". ولكن حتى لو عادت كل هؤلاء النساء إلى العمل، فسيظل لدى أميركا وظائف إضافية لشغلها.
واعتباراً من سبتمبر الماضي، كانت السوق لا تزال تعاني من نقص بنحو 4.7 مليون وظيفة مقارنة بشهر فبراير من عام 2020. وتباطأ خلق الوظائف في أغسطس وسبتمبر 2021 وسط التهديد الذي تمثله "متحوّرة دلتا" ولكنه تسارع مرة أخرى في أكتوبر، كما أظهر تقرير الوظائف الأخير.