في مبنى الأمم المتحدة، ترى الدول وسفراءها ومندوبيها أشبه بالسكارى تارة وأخرى كأن على رؤوسهم الطير، وفي كلتا الحالتين لكي تكسب موقفاً أو تخسر آخر لا بد من عمل وتحالف ونضال وكياسة، خصوصاً إن كانت الدولة تنتمي إلى منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي، حيث الأهوال والحرائق دائمة الاشتعال.
أما إذا تعلق الأمر بالسعودية التي تطرح نفسها قائدة للعرب والعالم الإسلامي، فإن الأعباء عليها ستكون مضاعفة، ولا سيما في مرحلة ما بعد فوضى الربيع العربي التي صادفت تعيين مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة عبد الله بن يحيى المعلمي، مهندس النفط وخريج ستانفورد الأميركية، وابن الفريق (يحيى) الذي يعتدّ به كثيراً، ويستلهم روحه العسكرية في الحروب الدبلوماسية في ردهات الأمم المتحدة.
وفي حواره الخاص مع "اندبندنت عربية" كشف المعلمي عن جهود مضنية قال إن بلاده تقوم بها من أجل إنهاء الحرب في اليمن وتخفيف المعاناة الإنسانية لمواطنيه إذا تعذّر إيقاف الحرب لأسباب يلقي مسؤوليتها على الطرف الحوثي. ولفت إلى أن التحالف العربي الذي تقوده الرياض بطلب من حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، نجح في تقليل الإصابة بين المدنيين اليمنيين على الرغم من ظروف كل الحروب القاسية، مبرهناً على ذلك بالمقارنة بين أعداد المصابين والقتلى في اليمن ونظيرها في سورية، والفرق الكبير بين ضحايا الجانبين لصالح اليمن. معيداً الفضل في ذلك إلى التدابير الحذرة التي يتخذها التحالف للحفاظ على سلامة المدنيين على عكس السوريين وحلفائهم الروس والإيرانيين، على حد وصفه.
وفي سياق الحوار، تناول مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة منذ 8 سنوات، صدى التوتر في منطقة الخليج بين أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وصرح لـ "اندبندنت عربية" بأن الجميع يأمل في عدم حدوث حرب، إلا أن ذلك يتوقف على السلوك الإيراني. وإن دولة مثل السعودية لا ترغب في الحرب، لكنها إن فُرضت عليها "فنحن رجالها" كما نقل عن وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل. ومضى إلى نقاط أخرى أبعد نحو صفقة القرن، وطبيعة العلاقة السعودية المزعومة مع إسرائيل وسجالات المندوب السعودي مع السوري والإيراني في نقاشات المائدة الأممية.
كان السؤال الأكثر إلحاحاً عن صدى حالة الحرب بين أميركا وإيران التي أعقبت "التوتر" في منطقة الخليج بين ساحات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وما إذا كنا ماضين إلى حرب أم لا، فيجيب "آمل في أن لا نكون ماضين إلى حرب، فهي لا تعود بالمصلحة على أحد، فما "الحرب إلا ما علمتم وذقتمُ" كما يقول الشاعر العربي، بمعنى أنها ليست أمراً سهلاً ميسوراً، واتخاذ القرار بخوضها من أخطر القرارات التي يمكن أن يتخذها أي قائد أو مسؤول، وأنا على ثقة بأن قادة المملكة العربية السعودية لا يرغبون في الحرب، ولكن كما قال الأمير سعود الفيصل رحمه الله قبل وفاته بأشهر قليلة "نحن لا نرغب في الحرب ولكن إذا فُرضت علينا فنحن رجالها"، وهذا هو نهج المملكة العربية السعودية. أما العنصر المشترك في كل الأحداث الحالية وفي كل التوتر القائم حالياً فهو السلوك الإيراني في المنطقة. هذا السلوك الذي بدأ منذ العام 1979بهدف فرض السيطرة والهيمنة وتصدير الثورة ونشر العقيدة الأيدلوجية التي تنتمي إليها القيادة في إيران، ويستهدف المنطقة العربية ويرى ساحتها متاحة لمثل هذه التدخلات ومثل هذه الأفكار".
هذا ما أغرى طهران وافتقدنا "بولتون" طويلاً!
وهنا يرى المعلمي أن الإيرانيين "يرتكبون خطأ جسيماً حين يظنون أن تدخلهم إذا حقق نجاحاً محدوداً في لبنان أو في العراق أو في غيرهما، يستطيعون تكرار هذا النجاح على نطاق الأمة العربية، ذلك أنه على الرغم مما يعتري الأمة العربية من ضعف وتمزق وتفكك نشهدها في السنوات الأخيرة مع الأسف، إلا أن هناك قاعدة صلبة للأمة العربية هي المملكة العربية السعودية، وستظل هذه البلاد إن شاء الله حصناً منيعاً في وجه طموحات أي جهة ترغب في الاعتداء على مقدسات الأمة العربية وعلى طموحاتها وآمالها".
أما في خصوص أحد صقور الإدارة الأميركية وتحديداً جون بولتون الذي يدّعي الإيرانيون أنه يقرع طبول الحرب ضدها، فإن السفير السعودي لا يُنكر ارتياحه لدوره في محاصرة طموحات إيران في المنطقة"، فالرجل لا يخفي حماسته لعملية في إيران بشكل أو آخر، ولكن عملية اتخاذ القرار في الولايات المتحدة عملية صعبة ومعقدة وتنتهي بيد الرئيس نفسه، والرئيس ترمب يمارس ضغطاً دبلوماسياً وعسكرياً واقتصادياً قوياً، وهو أمر افتقدناه في بعض الإدارات السابقة، ونأمل في أن يؤدي هذا الضغط إلى نتيجة في تغيير سلوك النظام الإيراني، نحن لا نرغب في تغيير النظام، هذا الأمر يعود إلى الشعب الإيراني، ولكننا نرغب في تغيير سلوكه، طبعاً من ضمن وسائل الضغط على النظام الإيراني زيادة العقوبات الاقتصادية والحصار دبلوماسياً في الدرجة الأولى، ومثل هذا الأمر هو ما يسعى الأميركيون إليه في الأمم المتحدة، وهو شيء نرحب به لأننا نريد لهذه الضغوط أن تنجح لكي نتجنب الحرب".
قطر موضوع آخر صغير لن يشق الصف!
ومع أن دولاً عربية عدة مهّدت للتدخلات الإيرانية في الشأن العربي، إلا أن السعوديين يبدون واثقين في رأي المعلمي بتوحيد الصف العربي ضد طهران في القمم الثلاث المرتقبة بعد أيام في مكة المكرمة بدعوة من العاهل السعودي الملك سلمان. ذلك أن "العرب اتفقوا بإجماع كبير في مؤتمرَي القمة العربية الأخيرين اللذين عُقدا في الظهران في المملكة العربية السعودية وفي تونس حيث أصدروا بيانات وقرارات تُدين السلوك الإيراني في المنطقة، ويكاد يكون هناك إجماع على هذا الأمر بين الدول العربية، فلا أظنّ أن الدول العربية في مسألة التصدي للتدخلات الإيرانية مختلفة. نعم قد نختلف في بعض الأساليب والتكتيكات، ولكن مسألة التصدي الأساسية فأعتقد أن هناك إجماعاً عربياً لصالح التصدي لهذا السلوك، وإن شاء الله نجد في القمة العربية المقبلة التي ستعقد في رحاب الحرم المكي الشريف ما يؤكد ذلك ويزيده عزماً".
وزاد "المملكة العربية السعودية لها علاقات وثيقة مع كل الدول العربية من دون استثناء، شاهدتم مؤخراً زيارات خادم الحرمين الشريفين إلى تونس وزيارة ولي العهد إلى الجزائر والمغرب وموريتانيا وتونس وغيرها، وتشاهدون هذا التيار المتدفّق من الزعماء العرب والمسلمين الذين يأتون باستمرار إلى السعودية، لذلك نعلم الاستجابة الفورية والسريعة والواسعة النطاق لمعظم الدول العربية والإسلامية لدعوة خادم الحرمين إلى عقد القمة العربية والقمة الإسلامية في مكة المكرمة، واعتقادي أن المملكة قادرة على أن تجمع صفوف الدول العربية وكلمتهم على نطاقات مشتركة ومبادئ أساسية متفق عليها".
ولدى السؤال عن الأصوات التي تشكك في إمكان السعودية لعب ذلك الدور، نظراً لحرب اليمن ومحاولات قطر جذب المواقف لصالحها، وهي التي تقاطعها السعودية ودول عربية عدة، يهوّن السفير السعودي من المشكلة القطرية، معتبراً إياها أصغر من أن تشتّت الصف العربي.
وقال "أبداً لا أظن أن هناك أصوات عربية تشكك في مبدأ نصرة الشعب اليمني الذي التزمته المملكة العربية السعودية ومجموعة كبيرة من الدول العربية ضمن التحالف العربي لإعادة الشرعية إليه، لذلك مع احترامي لمن يورد هذا التشكيك أو هذا القول، فهناك إجماع عربي على الاعتراف بشرعية الحكومة اليمنية والرئيس اليمني، كما أن هناك اعترافاً دولياً أيضاً وإجماعاً على تأييد موقف المملكة العربية السعودية في التصدي للانقلابيين الحوثيين والعمل على استعادة الشرعية، أما قطر فهي موضوع آخر صغير ويخص المملكة والدول المقاطعة لقطر، وليست هناك تدخلات كبيرة من جانب دول أُخرى، إنما هناك وساطة كويتية نحترمها ونجلها في هذا الشأن المحصور في نطاق قطر ونطاق السلوك القطري، "والدول العربية الأُخرى لا تبالي به؟" يعني الدول العربي سواءً كانت تبالي أم لا تبالي إلا أنها لا تستطيع أن تؤثر في هذا الواقع، وإذا كان من تأثير فليكن في السلوك القطري حتى ينتهي السبب الأساس لهذه المقاطعة".
إيران لن تجرؤ أو تفكر في هذه الخطوة
السفير السعودي لدى الأمم المتحدة، ليس سعيداً كثيراً بالمقارنة بين عراق صدام وإيران خامنئي واعتبار النفط ورفع أسعاره أو خفضها أحد دوافع الحرب، التي يرجّح المعلمي أن حماقة إيران لن تصل إلى درجة الجرأة على إعلان حرب أو حتى التفكير في ذلك، معتبراً أن "عامل النفط دائماً حاضر ودائماً مهم، الإيرانيون يتحدثون عن مسألة الحصار الاقتصادي الذي تفرضه العقوبات عليهم وليس عن أسعار النفط، وهذا الحصار كما ذكرت قبل قليل وسيلة للضغط الاقتصادي والسياسي والمعنوي على إيران لكي تُقبل على تغيير سلوكها. إنه وسيلة لتجنب الحرب ولا أظن أن أميركا وأنصارها من الدول الغربية وغيرها يرغبون في بدئها أو يرون حاجة إليها بعد أن استطاعوا تحقيق أهدافهم بها، وبالضغط المعنوي وبإرادة الشعب الإيراني".
أما بالنسبة إلى حرب الخليج الثانية عند غزو العراق الكويت "لا يتسع المجال لذكر كل خلفياتها أو أسبابها، ولكنها ترتكز أساساً على حاجة الرئيس صدام حسين في ذلك الوقت لتحقيق انتصار يغطّي به على بعض الإخفاق في الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت سنوات عديدة، ولم تثمر شيئاً وأثقلت كاهل الخزينة ما حدا به إلى أن يتطلع إلى ما يمكن أن يرفدها فتصدت له المملكة العربية السعودية والعالم أجمع، أما الحرب التي تلتها فكانت هدية من الولايات المتحدة الأميركية لإيران لأنها تركت فراغاً كبيراً في العراق واستطاعت طهران ملء جزء كبير منه، لذا لا أظن أحداً يهدف إلى الحرب من أجل تحريك أسعار البترول صعوداً أو نزولاً في الوقت الحاضر، المسألة أعمق بكثير هي سيطرة الإيرانيين على كل الجوانب الاقتصادية والبترولية والسياسية والعسكرية على الدول المحيطة".
الغرض ضمان تعايش جديد بلا تهديد
السيطرة التي تغري إيران الدولة، لا يرى المعلمي أنها كذلك بالنسبة إلى الشعب الذي توقّع الدبلوماسي السعودي أن يقول كلمته، فهو يشهد "في الوقت الحاضر تيارات وحوارات متباينة، وهناك قيادة متحفظة وترغب في الحرب، وتيار شعبي عريض معاكس، لأن الأعباء ستقع على كاهله، فكل الأمل أن تؤدي الضغوط إلى تغيير في النظام الإيراني بما يكفي لكي يتم التفاهم معه على طريقة عمل جديدة وتعايش جديد لا يشتملان على التهديد بإنتاج الأسلحة النووية أو برامج لإنتاج هذه الأسلحة ولا على إنتاج الصواريخ العابرة، التي تهدد الأُمة العربية والمملكة العربية السعودية ودول الخليج وإثارة الشغب والقلاقل في اليمن والبحرين والعراق وغيرها ولا على إيجاد قوة في نطاق حزب الله موجهة نحو الداخل اللبناني والداخل السوري، بدلاً من أن تكون موجهة نحو الاحتلال الإسرائيلي كما كانت في وقت من الأوقات، إذا تحققت هذه العناصر أعتقد أن المستقبل سيكون مشرقاً بإذن الله للعلاقات العربية الإيرانية".
وعند مناقشة "اندبندنت عربية" المعلمي في اعتقاد الكثيرين باستحالة تبدل السلوك الإيراني من دون حرب، يضيف "أنا أضع أملي في ذكاء الشعب الإيراني الذي سوف يحفز على التأثير في قيادته لتتجنب الحرب وتغير سلوكها".
وإذا تعلق الأمر بمجلس الأمن، فإن المواقف تختلف "أميركا تقود التيار أو الموقف الذي يعبر عن ضرورة تضييق الخناق على إيران حتى تغير سلوكها، وبعض الدول الأوروبية تستعمل الموقف الأميركي لمحاولة تحقيق هذا التغيير سلمياً، طبعاً دول مثل روسيا والصين، لا تؤيدان التوجه الغربي أو الأميركي، وتسعى إلى تجنب المواجهة العسكرية والاقتصادية. وبالتالي فإن أي تحرك يمكن أن يحدث في المنطقة قد يكون خارج نطاق مجلس الأمن".
لهذا استدعيت أبا بكر الصديق!
في مداولات الأمم المتحدة ومجلس الأمن لم يترك المندوب السعودي عبدالله المعلمي طريقة إلا ووظّفها، ومن بين أغربها، استدعاؤه ذات مرة خطاباً لخليفة المسلمين الأول أبي بكر الصديق، فلما سألته "اندبندنت عربية" عن فائدة هذا النوع من العرض التاريخي، وما إذا كان مفهوماً أم لا، دافع بأنه لا يستطيع الجزم بأن "خطاباً واحداً يمكن أن يؤدي هذا الهدف، لكنه جزء من العملية التي نعمل على إبرازها وإظهارها، الخطاب أُلقي بمناسبة بحث مجلس الأمن مسألة حماية المدنيين في النزاعات المسلحة عموماً، ولذلك قلنا إن مسألة حماية المدنيين من جانب المسلحين في النزاعات المسلحة، ليست جديدة علينا، وما تفرضه معاهدات جنيف وحقوق الإنسان والقانون الدولي وغيرها من القوانين، إنما هو من صُلب عقيدتنا و تراثنا، وجاءت خطبة أبي بكر الصديق لتؤكد أننا منذ أكثر من 1400 سنة، ونحن نحمي ليس فقط المدنيين، إنما الحجر والشجر والحيوانات، وبطبيعة الحال نحمي الكهنة والرهبان، وسلوك العصر الحديث هذا، تمارسه المملكة العربية السعودية".
ولكن إذا أسقطنا تلك القيم على حرب اليمن التي تقودها السعودية، فإن المعلمي أيضاً يرى أن الوقائع لصالح بلاده، على الرغم من إقراره بوقوع ضحايا، قائلا "نعم تجد خطاب أبي بكر الصديق في قواعد ضبط إجراءات المملكة للاستهداف في اليمن، فهناك الآلاف من المواقع المسجلة ضمن نطاق عدم الاستهداف، هناك حالات واضحة وصريحة كانت فيها أهداف عسكرية صريحة يمكن اقتناصها، ولكن تم إحباط هذه العمليات من قبل قيادة القوات المشتركة بسبب جود المدنيين، بطبيعة الحال قد تحدث أخطاء هنا وهناك، وتجاوزات، لأسباب فنية وأسباب بشرية أو غيرها، وهذه الأخطاء يتم مراجعتها ويحاسب المسؤولون عنها ويعوض المتضررون منها، هذه طبيعة الحرب في فيتنام، في أفغانستان، في العراق، في اليمن وفي أي مكان آخر".
كل يمني يقابله 10 سوريين فلم التناقض؟
وهل هنالك أمثلة؟ يجيب "أذكر لك مثالاً واحداً فقط، وهو أن أكثر الإحصاءات تشاؤماً حول عدد الضحايا في اليمن يورد أن عددهم من بدء الاحتلال الحوثي لليمن يصل إلى 60 ألف شخص في جميع أنحاء البلد (من الحوثي والتحالف)، أنا أقول إن روحاً واحدة تُزهق في اليمن هي أكثر ممّا ينبغي، ولكن دعونا نعمل على مقارنة الأرقام، ونقول إن 60 ألفاً في اليمن لا تقارن بـ 600 ألف في سوريا وعدد السكان في البلدين متشابه تقريباً، وفترة الصراع أيضاً ليست بعيدة من بعضها بعضاً، هنا نتحدث عن خمس سنوات، هناك عن سبع سنوات، لكن بالأرقام، عشرة أضعاف هؤلاء الضحايا، في سوريا". والسبب برأيي، أن القتال الذي تقوده القوات المشتركة "ملتزم ومنضبط لحصر الأهداف في أضيق نطاق ممكن في مقاتلة المحاربين فقط وعدم التوجه إلى غيرهم، ولكن في سوريا لا يوجد هذا الانضباط، هناك حكومة تُلقي البراميل الحارقة على رؤوس أبناء شعبها وصواريخ تُرسل بطريقة عشوائية".
ولكن، لماذا نرى بعض حلفاء المملكة مثل بريطانيا تقوم بتضخيم هذه الخسائر وتضغط على السعودية والتحالف بما يمكن أن يفهم على أنه دعم لموقف الطرف الحوثي، مع أننا لا نرى حجم الضغط نفسه على النظام السوري؟
يتجه الدبلوماسي السعودي في هذه الجزئية إلى ما يمكن فهمه باعتباره ينتمي إلى نظرية "المؤامرة"، غير أنه يعتبر جاداً أن التفسير يعود إلى أن بلاده "دولة ناجحة بكل المقاييس اقتصادياً ومعنوياً ودبلوماسياً، وهي لذلك تصبح هدفاً أكثر جاذبية لتوجيه سهام النقد والاتهامات، خصوصاً من جانب ما يسمى منظمات حقوق الإنسان والمنظمات المدنية وبالتالي، الإعلام، الذي ينساق إلى مثل هذه العبارات، عندما يؤخذ على المملكة العربية السعودية، شيء يُبرز، بصفته حدثاً لماذا؟ لأن المملكة العربية السعودية لا يتوقع منها إلا كل شيء إيجابي وكل شيء مفيد لبلادها ولوطنها ولشعبها، هناك حملة موجهة إلى جهات مختلفة بأهواء مختلفة. والحكومات في الغرب تحاول قدر الإمكان أن تستجيب أو تُوقف هذا السيل من الاتهامات، لكن لو قال أحد إن بشار الأسد قصف قريةً ما أو استعمل الأسلحة الكيماوية في مكانٍ ما، لا يُصبح خبراً بالجاذبية ذاتها".
هذه قصة الكوليرا بشهادة الأمم المتحدة!
وعندما وجهت "اندبندنت عربية" إلى المعلمي سؤالاً حول مزاعم الربط بين اجتياح الكوليرا أنحاء في اليمن، بقوات التحالف الذي تقوده بلاده، سخر من التهمة وروى قصة "القات" الذي استأثر في مناطق الحوثي بمياه الشرب على حساب المزارع التي يأكل منها اليمنيون ويجري ريّها بمياه ملوثة، بشهادة الأمم المتحدة.
وقال "هذا الربط الذي ذكرت، أكبر نكتة في الوقت الحاضر، لأن وباء الكوليرا، تعمل على القضاء عليه المساعدات السعودية التي تصل إلى داخل اليمن، بما في ذلك المواقع التي يسيطر عليها الحوثي. أذكر لك رواية صغيرة منقولة عن الأمم المتحدة في اليمن، تتهم فيها بعض المزارعين اليمنيين - ولا نقول الكل - باستخدام المياه النقيّة في ريّ محصولهم من القات والمياه الملوثة في ريّ محاصيلهم من الخضروات مثل الطماطم والخيار والخس وما إلى ذلك، والتي تستخدم للسلطات والمأكولات الشعبية. بالتالي تنتشر الكوليرا عن هذا الطريق بشكل أكبر مما تنتشر عن أي طريق آخر، لأن تلوث المياه مصدر أساس لها ومعظم هذه المزارع تقع في نطاق سيطرة الحوثيين وتنتج القات وتبيعه وتتاجر به، إذن من ينشر الوباء، هم الحوثيون وأتباعهم وأنصارهم، ومن يحارب الكوليرا بالتطعيمات والعلاجات والأدوية والأغذية، هي السعودية وتفعل ذلك لصعدة معقل الحوثي، وفي كل مكان في اليمن".
وإذا ما تعلق الأمر بإيقاف الحرب في اليمن، فإن السعوديين على لسان سفيرهم في الأمم المتحدة، يبدون استعداداً لذلك، شريطة أن ينسحب الحوثيون من المناطق التي يحتلون ويسلمون أسلحتهم، "أما الدعوات إلى إيقاف الحرب هكذا فغير منصفة وغير واقعية، لا يمكن إيقاف الحرب إلا بضمان أن الحوثيين على استعداد لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2216. الحكومة اليمنية بدعم التحالف وافقت على وقف إطلاق نار محدود على مدينة الحديدة، وإلى الآن النتائج مخيبة، لكن في الأقل يفترض أن يكون مثابة تجربة مبدئية، تبين أنه إذ أراد الحوثيون الانسحاب فسوف يكون هناك وقف لإطلاق النار عليهم وهم ينسحبون وهذا ينسحب على أنحاء اليمن كافة، إذا أرادوا الانسحاب اليوم من صنعاء أو من تعز أو من صعدة، أو من أي مكان آخر، فلهم ذلك ولهم الأمان ولن تطلق عليهم النار، لكن وقف النار من دون التوصل إلى تفاهم حول الانسحاب وتسليم الأسلحة فأعتقد أنه غير وارد وغير واقعي".
ويتهم الحوثيون قوات التحالف العربي بأن حربها على اليمن، أدت إلى تجويع اليمنيين، ويتبادلون تهم تحمل المسؤولية مع القوات العربية، على الرغم من إقرار الأمم المتحدة بأنهم المنقلبون على الشرعية، وليست حكومة هادي التي يناصرها التحالف، والقرار الأممي 2216.
إسرائيل وإيران تتبادلان الأدوار!
من يتابع مضامين الخطابات الأممية التي يدلي بها السفير السعودي، يلاحظ أن إسرائيل حاضرة فيها جميعاً حتى وإن تعلق الأمر باليمن أو إيران، أو حيثما كان، على طريقة خطابات سنوات "اللاءات العربية".
هذا يدفع إلى سؤال المعلمي عن قصة "حشر إسرائيل" بهذه الطريقة، مع أن تقارير عدة ترى أنها تتقاطع مع دول الاعتدال العربية، في الأقل في الملف الإيراني. كان رده "أما أنا فسعيد أن المتابع العربي يلاحظ ذلك لأن هذا متعمد بهدف تعزيز الصورة لدى المتلقي عن موقف المملكة العربية السعودية تجاه فلسطين وإسرائيل، لكن القول الحسم كان لخادم الحرمين الشريفين الذي قال وأكد في مناسبات عدة، أن القضية الفلسطينية هي قضيتنا الأولى، وليست اليمن ولا إيران ولا سوريا ولا أي جهة أُخرى".
وبالنسبة إلى أولئك الذين لا يفهمون لغته التصعيدية ضد إسرائيل في هذه المرحلة، والذين يرون إيران أخطر، فاعتبرهم مخطئين "فإيران وإسرائيل ينطبق عليهما قول الشاعر: "زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا... أبشر بطول سلامةٍ يا مربعِ". عبر عشرات السنين إلى الآن لم تطلقا رصاصة واحدة على بعضهما بعضاً. "في سوريا أطلقت؟" في سوريا على مواقع سورية قد يكون فيها إيرانيون أو آخرون، لكن هل سمعت عن قتيل إيراني حتى في سوريا. أنا لم أسمع عن قتيل إسرائيلي واحد برصاص إيراني أو بمدفعية إيرانية أو بغارة إيرانية أو بشيء من هذا القبيل، إيران وإسرائيل تستعمل إحداهما الأخرى، إيران تستعمل إسرائيل لكي تبين للعالم العربي بالذات والإسلامي، أنها هي نصيرة المستضعفين والفلسطينيين في حين أن كل ما تفعله إيران، هو إتاحة الفرصة لإسرائيل أمام مزيد من التوسع ومزيد من البطش بالفلسطينيين، إسرائيل تستغل إيران لكي تدعي أمام العالم بأنها ضحية، وأن الإيرانيين سوف يلقون بها في البحر. انتهت قصة أن العرب سيقذفون بإسرائيل في البحر. انتهت قصة إسرائيل المحاصرة من قبل الدول العربية التي تريد أن تمحوها. فاخترعت قصة تعرضها للإيذاء من إيران البعيدة كل البعد عن إيذائها، في أي مجال أو في أي مكان، إذن الدولتان تستفيد إحداهما من الأخرى في تأجيج المشاعر داخلياً وعربياً ودولياً وفي كل مكان".
لهذا لا أصف المندوب الإسرائيلي بـ"الزميل"!
الخطر الحقيقي على إسرائيل في نظر السفير، أن يسود صوت الاعتدال العربي ويبين للعالم أن العرب أنصار سلام ورعاة سلام، مثلما فعل الملك عبد الله يرحمه الله في مبادرته التاريخية لإحلال السلام بيننا وبين إسرائيل. هذا هو الصوت العربي المسؤول الذي تخشاه إسرائيل والذي لا تريد له أن يسود، لماذا إسرائيل لم تعترف حتى الآن ولم تقبل بمعاهدة أو مبادرة السلام العربية، وتسعى في العالم أجمع إلى تحجيم هذه المبادرة ومحاصرتها، لأنها تخشى نجاحها وحينها عليها أن تتخلى عن الاحتلال و التوسع وعن المستوطنات وغيرها، لذلك الموقف السعودي مبدئي، وهو أن فلسطين قضيتنا الأولى، والاحتلال الإسرائيلي السبب الرئيس في معظم مشكلات المنطقة إن لم يكن في كل مشكلات المنطقة، لأنه هو الذي يتيح الفرصة لإيران وأمثالها أن يستغلوا الوضع وأن يصطادوا في الماء العكر ويسمح لهم بتجييش المشاعر في لبنان وفي اليمن وفي غيرهما واجتذاب بعض الجماهير بمثل هذه المشاعر.
وهو يقول رسمياً من موقع مسؤولية إن السعودية ليست لديها تفاهمات من أي نوع تحت الطاولة مع إسرائيل، كما يتردد.
يقول بحزم" السعودية أقوى وأكثر جرأة وصراحة من تفاهمات تحت الطاولة مع أي شخص أو مع أي جهة، مواقفها واضحة، ونحن نقول لإسرائيل نمد إليكم يد السلام، إذا أردتم السلام، فالطريق واضح وهو مبادرة السلام العربية، ولا نحتاج إلى أن نكون تحت الطاولة لنقول هذه العبارة. في الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن، لا يقولون لي شيئاً، فلا يوجد أي حديث بيني وبين الإسرائيليين، ولا تواصل ولا مجاملات ولا إيماءات أو إيحاءات، ولا أي تواصل معهم.
"ماذا عن البعض الذين تصفهم بالزملاء وما إلى ذلك، حتى وإن اختلفت معهم ؟"
لا. أنا أقول للمندوب السوري زميلي، لأنه زميلي ولأنه مواطن عربي مسلم اجتمع معه في أكثر من مجال، مجال العروبة، مجال الإسلام، إلى آخر ذلك، حتى السفير الإيراني أتبادل معه التحية لأنه مواطن مسلم تجمعني به كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله. أنا أفرّق بين هذه الحالات، أما الإسرائيلي فطالما متمسك بالاحتلال والبطش والمستوطنات والحصار، فلا يمكن أن يكون لنا معه تواصل أو مبادرة على صعيد الأمم المتحدة.
"حتى لو كانت غير رسمية؟"
حتى لو كانت غير رسمية.
"لاءات" صفقة القرن مريبة
هل يعني ذلك أن صفقة القرن لا تروق للسعوديين؟
يضيف: ماهي صفقة القرن قل لي، لكي أجيبك، هل تعرف مضمونها؟ لا أحد يعرف. الولايات المتحدة تقول إنها ستعلنها بعد نهاية الصيف. أهلاً وسهلاً… إذا كانت صفقة القرن كما يشاع، لا تشتمل على دولة فلسطينية مستقلة وإزالة المستوطنات وحق السيادة وعودة اللاجئين، فهي صفقة فاشلة سوف يكون مصيرها كغيرها من المحاولات لإسقاط حق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه، إذا جاءت هذه الصفقة بما يخالف هذه اللاءات، عندئذ يمكن أن القول إنها تستحق النظر فيها. لكن في الوقت الحاضر وما يتسرّب من معلومات حولها، يؤكد أنها لا تشتمل على هذه الأمور.
"إذن اللاءات تجدّدت؟"
اللاءات هذه المرة إسرائيلية، لا للدولة الفلسطينية لا لكذا، لا لكذا، هي لاءات لا تقل عدم واقعية عن غيرها من اللاءات الأخرى.
السلاح الأكبر لدى الأمة العربية والشعب الفلسطيني هو الشرعية، إسرائيل قد تستطيع أن تفرض وجودها بالقوة في منطقة ما، ولكنها لن تتمكن من فرض شرعيتها. أظن بأنه طالما ظل الشعب الفلسطيني متمسكاً بحقوقه وبقدرته على حجب الاعتراف بشرعية الاحتلال الإسرائيلي ومن خلفه الأمة العربية والإسلامية، فإنه على المدى الطويل سيكون الأمر لصالح الشعب الفلسطيني بإذن الله.