حرّكت الانتخابات المحلية في الجزائر ركود الإقبال على صناديق الاقتراع الذي عانته السلطة خلال الاستحقاقات السابقة. فقد ارتفعت نسبة المشاركة إلى أكثر من 35 في المئة، ما جعل التفاؤل جدياً بعودة الجزائريين إلى السياسة على الرغم من التشكيك الذي تكرره أطراف عدة وكثير من المواطنين.
وجاءت نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية على عكس توقعات المراقبين، لا سيما بعد "البرودة" التي لازمت الحملات الدعائية، وكانت فاترة باعتراف الجميع، وهو الوضع الذي دفع السلطة إلى التخوف من تدني نسبة المشاركة، لكن إعلان رئيس السلطة المستقلة للانتخابات، محمد شرفي، عن تجاوز نسبة الإقبال على الاقتراع 35 في المئة، يفتح الباب أمام مستجدات في المشهد السياسي المرتقب.
وقال شرفي، إن نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية وصلت إلى 35.9 في المئة، بينما قدرت 34.3 في المئة في انتخابات المحافظات، موضحاً أن عدد المصوتين تجاوز 8 ملايين و500 ألف في البلدية، وأكثر من 8 ملايين في الولائية (المحافظات)، من أصل كتلة انتخابية تقدر بـ23 مليوناً و717 ألفاً.
وللمرة الأولى منذ انطلاق الحراك في فبراير (شباط) 2019، شاركت منطقة القبائل في الاقتراع، بعد أن قاطعت الانتخابات الرئاسية التي جاءت بالرئيس عبدالمجيد تبون في ديسمبر (كانون الأول) 2019، ثم الاستفتاء على الدستور في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، وأخيراً الانتخابات التشريعية في يونيو (حزيران) 2021.
وفي هذا السياق، اعتبر رئيس مجلس الأمة، صالح قوجيل، أن "الانتخابات المحلية ستمكن الجزائر من متابعة مسار البناء المؤسساتي وتعزيز الديمقراطية التشاركية"، في حين وصفها رئيس الوزراء، أيمن عبدالرحمن، بـ"المكسب للجزائريين".
حالة طبيعية
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية، أحمد شيخاوي، أن نسبة الإقبال "المرتفعة نسبياً" مقارنة مع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، "حالة طبيعية نظراً إلى الطابع الخاص للانتخابات المحلية في الجزائر، إذ إن التنافس يكون على مقاعد في مجالس لها ارتباط مباشر بالتسيير المحلي، وخلال الحملات الدعائية يحدث اتصال مباشر بين المرشحين والناخبين، بالإضافة إلى ارتفاع عدد المقاعد في المجالس المحلية، إضافة إلى وجود اعتبارات اجتماعية عدة أهمها القبلية والعشائرية التي غالباً ما تكون الفيصل في الاختيار والمفاضلة بين الناخبين". ويعتبر شيخاوي أن "هذه العوامل ترفع من نسبة المشاركة ودرجة الانقسام بين الأفراد داخل القرى والبلديات والولايات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويلاحظ شيخاوي أن "توسع مشاركة الشباب أعطى إشارات إيجابية لنظرائهم المقاطعين لولوج الحياة السياسية بعدما أثبتت الانتخابات البرلمانية أن إمكانية الفوز أصبحت مرتفعة وممكنة في ظل الآليات الجديدة التي تؤمن الأصوات والشفافية، بالتالي كانت هذه الانتخابات فرصة لتدارك بعض الشباب المقاطع للحياة السياسية. ويرى أنه ضيّع فرصة الفوز في الانتخابات السابقة، للمشاركة بقوة والرفع من درجة التعبئة بين أقرانه"، مضيفاً أن "حائط العزوف بدأ يتصدع بعد أن أعطيت الفرصة للشباب، وجاء قانون الانتخابات الجديد ليفسح المجال أمام كثير من الشباب لشغل الساحة السياسية، وهذه هي بداية نهاية عهد سيطر لسنوات على المجالس". ويختم شيخاوي بأن "الانتخابات المحلية كانت الفرصة الثانية للسلطة لتأكيد توجهها في تشجيع الشباب وفسح المجال أمامه".
قفزة
من جانبه، يرى أنور سكيو أن نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية "سابقة من نوعها، ويعدها كثير من المراقبين قفزة مقارنة مع الاستحقاقات الانتخابية السابقة التي شهدت نسب مشاركة متواضعة".
ويقول إن "هناك عوامل لعبت دوراً في هذه القفزة النوعية، في مقدمتها المقاربة الجديدة التي كوّنتها فئات واسعة من المواطنين في ظل قوانين الانتخاب الجديدة التي توفر فرصة للمنافسة على عكس ما كان سائداً في السابق"، مشيراً إلى أن "الرغبة القوية للرأي العام في إزاحة أشكال الفساد ورفع مستوى ممثلي الشعب في كل المستويات، دفع بفئات واسعة من الشباب والمثقفين وذوي الكفاءات إلى خوض غمار الساحة السياسية".
ويتابع سكيو، أن "توجه السلطة والحكومة لتوفير صلاحيات وظروف عمل أحسن لممثلي الشعب، أسهم في دفع فئات واسعة إلى المشاركة في الانتخابات الأخيرة، وهذه الفئات كانت إلى وقت قريب تُوصف بـ"الصامتة"، لكونها لا تشارك في الانتخابات".
ويعتقد أن "التحديات التي تواجهها الجزائر، على المستويين الإقليمي والدولي، دفعت بوصلة المواطن إلى الميل لتحصين الجبهة الداخلية بما يسمح لمؤسسات الدولة بأداء مهامها بشكل أكثر فاعلية".