تخشى إسرائيل من عدم توصل محادثات فيينا إلى اتفاق نووي سريع مع إيران، وهو أمر تعدّه تل أبيب فرصة لا تعوّض أمام طهران لاستمرار تخصيب اليورانيوم والوصول إلى هدفها "القنبلة النووية".
ومع استئناف المحادثات في فيينا، واصلت المؤسستان الأمنية والعسكرية الإسرائيليتان، بمرافقة القيادة السياسية، بحث مختلف السيناريوهات المتوقعة من هذه المناقشات، ومن تداعيات احتمال عدم التوصل إلى اتفاق حول النووي الإيراني.
وفي أولى الخطوات المعلنة للاستعداد لفشل المشاورات، باشر الجيش الإسرائيلي التحضير لتوجيه ضربة عسكرية، تستهدف بالأساس المنشآت النووية الإيرانية، في وقت وضع المنطقة الشمالية، تجاه لبنان تحديداً، في حالة ترقب ونشر وحدات مراقبة، وفقاً لتقديرات أن الرد الإيراني على أي ضربة قد يكون من خلال "حزب الله" في لبنان، إلى جانب سوريا وقطاع غزة في الجنوب.
مصلحة في تأخير الاتفاق
التقديرات الأمنية الإسرائيلية أن لإيران مصلحة في تأخير العودة إلى إطار الاتفاق، في ظل استغلال الوقت الذي يمرّ في هذه الأثناء، لتحسين شروط البدء لديهم بالمفاوضات ولمواصلة تخصيب اليورانيوم إلى المستويات العالية.
وبحسب مسؤول أمني، فإنهم في طهران سيواصلون التسويف في الوقت، والمفاوضات ستراوح في المكان، من دون تقدم مهم في الفترة القريبة المقبلة.
الخشية الإسرائيلية لا تكمن فقط في تأخير التوصل إلى اتفاق أو عدم التوصل إليه، إنما في أن تتخذ الولايات المتحدة خطوات ترفع بموجبها العقوبات عن طهران. وعليه، وجّه الإسرائيليون مطالب عدة للمجتمعين في فيينا، ولواشنطن خصوصاً، بعدم رفع العقوبات عن إيران، إذ إن قراراً كهذا "قبل التوقيع على اتفاق جديد، وإن كان جزئياً في العقوبات، سيكون خطأ كبيراً سيستغله الإيرانيون في صالحهم".
المطلب الإسرائيلي جاء لقناعة متخذي القرار في تل أبيب أن واشنطن مصرّة على العودة إلى إطار اتفاق مع إيران، لا يختلف في جوهره عن الاتفاق السابق. هذا التوقع، وإن اختلف حوله الإسرائيليون إلا أن متخذي القرارات في المؤسستين السياسية والعسكرية كرروا موقفهم بأن أي اتفاق لا يتناسب والمطالب الإسرائيلية، ويكون سيئاً في قراراته وانعكاساته على إسرائيل وأمنها، "ستحتفظ تل أبيب لنفسها بحق العمل ضد إيران، ولن تؤجل أو تتردد في أي عمل عسكري، إذا ما تبيّن لها أن طهران لن ترتدع، وتواصل التقدم نحو القنبلة النووية".
في مطلب إسرائيلي آخر، أن يبذل اجتماع فيينا والإدارة الأميركية كل جهد لاتخاذ الخطوات والإجراءات لضمان التوقيع بأسرع وقت ممكن على الاتفاق، "كون ذلك يعود إلى مصلحة إسرائيل، وأمن المنطقة برمّتها".
والتفسير الإسرائيلي لهذا المطلب أن السرعة في التوقيع على الاتفاق لا تتيح لإيران الوقت لجمع المعلومات لتخصيب اليورانيوم ولأعمال إضافية تتعلق بالبرنامج النووي، خصوصاً أنها تواصل قرارها بمنع عمل المراقبين.
في غضون أسابيع تحقق الهدف
الإعلان الإسرائيلي من مختلف المسؤولين السياسيين، العسكريين والأمنيين، أن الجيش بات على استعداد لتوجيه ضربة ضد إيران في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق، أدخل المؤسسة العسكرية إلى حال طوارئ واسعة، وصلت إلى حد التدريبات المكثفة والمستمرة بمشاركة مختلف الأذرع الجوية والبرية والبحرية، فيما وحدات الاستخبارات تركّز نشاطها على تخزين بنك الأهداف لهذه الضربات.
وعلى الرغم من الحديث عن جاهزية الجيش، فإن مسؤولين في جهاز الأمن ألمحوا إلى أن "عدم التوصل إلى اتفاق وتأجيل أو استمرار الحوار يتيح لإسرائيل استغلال هذا الوقت لإنهاء استعداداتها الهجومية ضد إيران".
نهج أميركي يجعل إيران تهديداً حقيقياً
قبل انعقاد محادثات فيينا وحتى كتابة هذه السطور، لم يتوقف الإسرائيليون عن أبحاثهم وتقييمهم للمحادثات وتوقعات نتائجها، فيما أُثير من جديد الخلاف في الموقف حول المدة الزمنية لوصول إيران إلى قنبلة نووية.
وإزاء موقف أمنيين وعسكريين في جهاز الاستخبارات بأن طهران غير قريبة من القنبلة النووية، طغى الموقف الإسرائيلي الذي أطلقه مسؤولون في جهاز الأمن بأنها أقرب من أي وقت مضى من القنبلة النووية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي تقرير حول الموضوع، جاء "إذا أرادت طهران ولم تكُن هناك قوة خارجية توقفها، ففي غضون أسابيع قليلة يمكنها أن توفر ما يكفي من اليورانيوم المخصب في مستوى عالٍ لقنبلة واحدة. من ناحية إسرائيل، هذا حدث حرج فإذا ما وضعت إيران يدها بالفعل على ما يكفي من المادة النووية للقنبلة، فإنها ستتحوّل بقدر ما إلى دولة حافة نووية. أما النهج الأميركي فمختلف قليلاً، وبموجبه ستصبح إيران تهديداً حقيقياً إذا ما تقدمت في عناصر إضافية في البرنامج النووي، مثل بناء القنبلة نفسها وإنهاء مشروع الصواريخ التي تحملها"، وفق التقرير الإسرائيلي.
لكن في مقابل هذا التقدير اعترفوا في جهاز الأمن بأن القدرات الهجومية في إيران تقلّصت في الأعوام الأخيرة، لا سيما بعد التوقيع على الاتفاق في 2015. والإسرائيليون على قناعة بأنه في الوقت الذي كان الاتفاق مع القوى العظمى ساري المفعول كان من الصعب على إسرائيل أن تهاجم بنفسها، بالتالي فقد كان التفضيل هو استثمار قدراتها في أمور بدت أكثر إلحاحاً، مثل الاستعداد للمواجهة مع "حزب الله"، وهجمات الحرب ما بين الحروب في سوريا وفي أماكن أخرى.
أما عملياً، يضيف أحد التقارير الإسرائيلية، "فإن تغيير السياسة الأميركية مع دخول إدارة بايدن إلى البيت الأبيض، ورفع العقوبات عن إيران، وجدت تل أبيب نفسها غير جاهزة، ومن دون خطة عسكرية مرضية للهجوم على مواقع النووي".
هذه التطورات، وبحسب مسؤول أمني، استدعت رئيس الحكومة نفتالي بينيت ووزير أمنه بيني غانتس، لإصدار أوامر للجيش بتصعيد استعداداته للهجوم، في ما يسمّيها الإسرائيليون "دائرة ثالثة"، أي إيران. وجرى تخصيص موازنة عسكرية لرفع مستوى قدرات سلاح الجو.
بينيت في رسالة إلى المجتمع الدولي
من جهته، بعث نفتالي بينيت برسالة إلى المجتمع الدولي دعا فيها القوى العالمية لعدم الانصياع إلى إملاءات الإيرانيين، وعدم التوقيع على اتفاق يسمح لطهران بتحقيق هدفها المتمثل في رفع العقوبات مقابل "لا شيء تقريباً".
أما وزير المالية أفيغدور ليبرمان، فيأمل "بشدة أن تدافع القوى عن مصالح العالم الحر كله، ولا تسمح للإيرانيين بالتقدم في القضية النووية بمسار أحادي الجانب، ومن دون ذلك ستكون لإسرائيل حرية التصرف".